(لا تمنح غالياً لزاهد فيه!)
لا أدري منذ متى وعيت هذا الدرس!
ربما منذ غزلت لأحدهم قمراً من خيوط قلبي.. طرزته دون كلل بحبات من لؤلؤ العمر؛ حتى باتت كل غرزة فيه تشهد أنني خير من يغزل الأقمار في مدينة العشق كلها!
لكنه نقض غزلي غرزةً غرزةً! رأيت بعيني خيوط قلبي تتجعد بعد فك غزلها، تكاد تقسم أنها لن تصلح لغزل ثوب جديد..
وسمعت بأذني صوت انفراط لؤلؤ العمر بصدى الخذلان يكاد يصيبني بالصمم..
ساعتها تعلمت ألا أنثر لآلئ العمر على تراب الطريق.. فبعضهم لا يميز لؤلؤاً من حصى، ولا تعرف عيناه فارقاً بين شمس وشمعة!
وهل يخفى القمر؟!
نعم! بعضهم علموني أن أخفي أقماري؛ عندما جعلوني أشعر بأن ظلمة ليلي تليق بهم أكثر!
هؤلاء الذين يظنون طيبتك سذاجةً، وتسامحك ضعفاً، وتغافلك غباءً.. هؤلاء يستحقون أن تخفي عنهم أقمار هذا كله؛ كي يدركوا الفارق!
هؤلاء الذين يلومونك على عدم انتظام إغلاق أزرار قميصك، ولا يفهمون ما خلفه من لهفة حضورك.. يستاؤون من ذرات تراب شوهت أناقة حذائك، ولا يرون ما خلفها من تعب السعي إليهم.. يلمزون الهالات السوداء حول جفنَيك، ولا يعنيهم سهر عيونك لأجلهم.. هؤلاء يستحقون أن تخفي عنهم أقمار هذا كله! ظلمة ليلك بهم أولى!
هؤلاء الذين ينسون المعروف.. يأكلون خبزك، ثم يشكون أنهم قد غصوا به! ابتسامتهم «المطاطة» في وجه عطائك تعرف كيف تتحول إلى خنجر غادر في ظهرك.. لا يرونك إلا عندما تتوهج، فيلتصقون بك طمعاً في اقتباس نورك، قبل أن يركضوا سعياً خلف وهج أكبر.. قُرْبهم رياء، وبُعْدهم ترصُّد.. ولا يزيدهم رفقك بهم إلا غياً.. لمثل هؤلاء يجدر أن يخفى القمر!!
لو سألوني يوماً: هل يخفى القمر؟! سأقول: (نعم).. كثيراً كثيراً نضطر إلى أن نسدل على أقمارنا ستاراً من ظلمة ليل؛ كي لا يُدَنّس قدس نوره.. ولا تتحدَّب استدارته.. ولا يتوه عن مداره.. فلا تراه إلا عيون تليق ببهائه.. تسهر لأجله ألف ليلة، ولا تبالي.