في بعض لحظات الحياة الصعبة، حين تفقد الروح توازنها قد تلفنا العتمة، فلا نرى أمامنا من شدة العتمة. نحاول أن نخرج، لكننا نتعثر في فوضى ذهنية، «تضفر» الخوف والقلق معاً في نسيج واحد، فيتملكنا شعور بقرب النهاية. نقاوم، ونفشل، ثم سرعان ما نبدأ مرة أخرى، لكن تعيد العتمة هزيمة الروح. نستمر في المسير، ونحن نرتطم بحائط الصمت مثل معصوب العين بالعتمة، الذي يتلمّس الأشياء؛ لعلها تبدد عتمة الخوف والألم، لكننا نزداد غرقاً في الظلمة. 

يتجلى لنا، في تلك اللحظات، سؤال محوري: هل نستسلم للسقوط، أم نقاوم ونحاول؟.. هنا يكمن الاختيار الأصعب. هل نواجه الهزيمة، أم نتحداها وننطلق؟.. نقف حائرين، وخطوة واحدة قد تغير مجرى حياتنا. إما أن نبقى في فضاء يلفنا بالعتمة، أو نغير اتجاه البوصلة. نقف وبيننا وبين النور لوح من الزجاج، وعندما نخترقه لا بد أن تخدش النتوءات أرواحنا وننزف. فننجو، ونستمر نحو النور، ونحن غارقون في الوجع، وخيوط الدم التي تنزفها الروح قبل الجسد.

الاختيار لنا؛ لخوض التجربة. في كلتا الحالتين، الأمر صعب وشاق، لكن في النهاية النور موجود لمن يسعى إليه، حتى لو كان الثمن صخباً، يترك خلفه جراحاً وألماً. في هذا الصراع الإنساني مع الحياة، تتجلى قوة الإرادة، وعظمة الروح البشرية في مواجهة الظلمة؛ بحثًا عن النور والأمل.

نرى هذا السيناريو يتكرر في حياتنا اليومية، حيث نجد أنفسنا في مواقف تتطلب منا اتخاذ قرارات حاسمة. هذه القرارات قد تبدو صغيرة في ظاهرها، لكنها تحمل في مركزها القدرة على تغيير مسار حياتنا بالكامل.

والفشل إحدى أصعب التجارب الإنسانية، التي عندما نواجهها، نشعر بثقل الهزيمة، وكأنها ظلمة لا نهاية لها. لكن في كل مرة نسقط فيها، نتعلم شيئًا جديدًا عن أنفسنا، وعن العالم من حولنا؛ فالفشل جزء لا يتجزأ من رحلتنا نحو النجاح، وهو الذي يجعل الإنجازات - التي نحققها في ما بعد - أكثر قيمة.

نحن، كبشر، لدينا القدرة على التكيف مع الظروف، والتعلم من الأخطاء؛ فنحن نمتلك القوة الداخلية، التي تدفعنا إلى النهوض مرةً أخرى بعد كل سقوط. هذه القوة تجعلنا نستمر في البحث عن النور، حتى عندما يبدو الأفق مظلمًا ومجهولًا.

في هذا السياق، يمكن أن نعتبر العتمة بمثابة مرحلة انتقالية، فترة من الزمن نختبر فيها قوتنا الداخلية، ونكتشف عمق إرادتنا. هذه المرحلة، رغم صعوبتها، تجعلنا نُقدّر النور عندما نصل إليه؛ فهي تعلمنا قيمة الأمل، وتعطينا الدافع للاستمرار في السعي نحو الأفضل.

وفي النهاية، يمكننا أن نستخلص درسًا مهمًا من هذا الصراع: لا شيء يدوم إلى الأبد، لا الظلام، ولا النور. فالحياة سلسلة من الانكسارات والانتصارات، وكل مرحلة منها تسهم في تشكيل هويتنا، وتقوية عزيمتنا. والمفتاح هو أن نبقى متمسكين بالأمل، وأن نؤمن بأن النور موجود دائمًا، حتى في أحلك اللحظات.

بهذا الإدراك، نجد أن كل خطوة نخطوها في مواجهة العتمة هي خطوة نحو النور، وكل تحدٍّ نتجاوزه يقربنا من تحقيق أحلامنا وآمالنا. في النهاية، الحياة رحلة مليئة بالمغامرات والتحديات، والنور موجود دائمًا لأولئك الذين يسعون إليه بإصرار وعزيمة.