مع بزوغ نجم سهيل، وبدء العد التنازلي لتساوي ساعات الليل والنهار، يتزامن اعتدال درجات الحرارة مع انطلاق موسم العودة إلى المدارس، ذلك الموسم الذي يعيد ترتيب إيقاع الحياة اليومية في البيوت والأسواق، ونرى عبارة «العودة إلى المدارس» تملأ «المولات» والشوارع، وتعود مشاهد الحقائب المدرسية والأدوات المكتبية إلى واجهات المكتبات، معلنةً بداية فصل جديد من مسؤوليات الآباء في تربية وتنشئة أجيال المستقبل؛ لذلك قيل: «المدرسة هي بيتنا الثاني».

إن انطلاق العام الدراسي الجديد يعيد تشكيل إيقاع الحياة؛ فالحركة في البيت، والشوارع، وحتى في الأسواق تتغير، وتسود مشاعر مختلطة من الحماس، والقلق، والخوف، والفرح. ففرحة الأهل تلمع في أعينهم، وهم يشاهدون أبناءهم يتأهبون للمرحلة الجديدة، وكأنهم يعيدون شريط ذكريات طفولتهم، ويجددونها من خلال أطفالهم. فالذهاب إلى المدرسة - لأول مرة - يعد «فطاماً» حقيقياً للطفل، حيث ينفصل عن البيت، ليبدأ رحلة الاستقلال. ومن هنا، يهتم الأهل بتحضير أطفالهم نفسياً، فيرافقونهم في الأيام الأولى إلى المدرسة.. يلتقطون الصور، ويمسحون الدموع، ويرسمون ابتسامات الأمل.

وفي هذا الوطن، حيث تولي القيادة الرشيدة إعداد جيل متسلح بالعلم والمعرفة اهتماماً بالغاً، أصدرَت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية تعميماً، يتيح للآباء والأمهات العاملين بالقطاع الحكومي مرافقة أطفالهم في الأيام الأولى للمدارس والحضانات، ما يضع الآباء أمام مسؤوليات إضافية؛ كمتابعة التعليم عن كَثَب، والاهتمام بالصحة النفسية لأبنائهم، إلى جانب فهم بيئة المدرسة، ومتطلبات التعليم. فمع بدء الدراسة، تتغير أنماط الحياة اليومية؛ من تنظيم أوقات النوم والاستيقاظ، إلى توزيع النهار بين المدرسة، وبين ممارسة الهوايات والمواهب. وقد يشعر بعض الأطفال بالقلق والخوف عند مواجهة معلمين جدد، وزملاء جدد كذلك. لذا، ينصح الخبراء بضرورة استماع الأهل إلى أطفالهم، وتشجيعهم على التعبير عن مخاوفهم وأسئلتهم، ما يعزز شعورهم بالراحة والثقة.

في هذه اللحظة، تحضر أمامي صورتان لا أنساهما: صورة أبي، وهو يمسك بيدي، في يومي المدرسي الأول، وصورة أمي، التي كانت تحضّر لي ملابس المدرسة، وتحمل الكاميرا؛ لتلتقط لي بعض الصور، التي لا زلت أحتفظ بها في ألبوم الحياة.. 

اليوم، أقرأ عينَيْ أبي المليئتين بالخوف والحب والحنان، وهو الذي كان يوصلني إلى المدرسة، وينتظرني هناك حتى وقت انتهاء الدوام.. أتذكر أحاديثه في الطريق، «ماذا درست اليوم؟.. من هن رفيقاتك؟.. من المعلمة الأقرب إليك؟»، هذه الأحاديث كانت تنمي ذاكرتي ومخيلتي، وتجعلني أقرأ علاقتي مع المدرسة والبيت معاً؛ لهذا أشعر بالسعادة اليوم؛ عندما أرى الآباء يرافقون أبناءهم في اليوم الأول من المدرسة، أو حتى من وقت إلى آخر للمدرسة، ليس فقط كرحلة طريق، وإنما رحلة حوار، وأحاديث تقربنا من أطفالنا، ومن أنفسنا؛ لنعرف أكثر من نحن، وماذا نريد!

وتعتبر هذه المناسبة فرصةً للأهل؛ لمشاركة أطفالهم ذكرياتهم المدرسية، ما يخفف حدة التوتر والغربة، التي قد يشعر بها الطفل. والجميل أن يعرف الطفل أن أهله مروا بالتجربة نفسها، وتعلموا ونجحوا، وهم اليوم يعملون من أجله.

ولا تقتصر الحاجة إلى الدعم النفسي على الأطفال فقط، بل تشمل الأهل أيضًا، فهم يواجهون موسماً مزدحماً بالمسؤوليات، وعليهم أن يتحلوا بالصبر، وأن يبحثوا عن لحظات للاسترخاء والاعتناء بصحتهم النفسية. فالعودة إلى المدرسة ليست مجرد بداية جديدة للأطفال، بل هي، أيضاً، فرصة للأهل لبناء عادات إيجابية، تساعدهم على مواجهة ضغوط الحياة بفاعلية.. تذكروا أن تكونوا رحماء مع أنفسكم، وأن تتقبلوا أن الأمور لا تسير، دائماً، كما هو مخطط لها.

المسؤولية تتجلى في إعطاء كل جانب من جوانب الحياة حقه؛ كخلق مناخ صحي في المنزل، والمتابعة المستمرة في المدرسة، مع الحرص على جعل الصحة النفسية في مقدمة الأولويات. بذلك، يمكننا عبور هذه المرحلة بسلام، في بيئة إيجابية تدعم نجاح العام الدراسي، وتسهم في تشكيل جيل متوازن، يفهم قيمة العائلة، والمجتمع، والتعليم.