نقول لأنفسنا الكثير من الجمل السلبية، وننعت أنفسنا بالكثير من الصفات القاسية، التي غالباً تكون مُجحفة، مثل: «لقد أخطأت مرة أخرى»، أو «أنا غير جذابة على الإطلاق».
وهذا النوع من الأفكار يعانيه الكثيرون كل يوم، وأحيانًا طوال اليوم، وتشير بعض الدراسات إلى أن 80% من أفكارنا سلبية، و95% منها متكررة.
لذا، نحن جميعًا مذنبون بامتلاك أفكار سلبية عن أنفسنا، أو أن نكون أسوأ منتقدينا في بعض الأحيان.
هنا نشرح كيف يبدو الحديث السلبي المستمر مع النفس، وكيف يمكن أن يؤثر في صحتكِ العقلية وحياتكِ، وكيفية إيقاف هذه الدورة التي لا تنتهي من النقد الذاتي.
تعريف الحديث السلبي مع النفس:
يقول الخبراء إن الحديث السلبي مع النفس نمط فكري، ينخرط فيه الشخص، مراراً وتكراراً، بالتفكير في أفكار سلبية عن نفسه. وغالباً يتجلى ذلك كناقد داخلي، أو صوت داخلي لديه دائماً أحكامُ عنا. على سبيل المثال، لنفترض أنكِ تنطقين كلمة بشكل خاطئ، أثناء عرض تقديمي في العمل، فإن حديثكِ السلبي مع النفس في تلك اللحظة قد يكون على هذا النحو: «واو.. لقد أفسدتِ ذلك حقاً، الآن لن يأخذكِ أحد على محمل الجد». أي يبدو الحديث السلبي مع النفس كأنه صوت متنمر، يشير إلى عيوبكِ وأخطائكِ، ويميل الحديث السلبي إلى التعبير عن نفسه بشكل مطلق، مثل: «أنت دائماً تخطئين»، أو «لا يمكنكِ أبداً اجتياز اجتماع دون إحراج نفسكِ».
من أين تأتي هذه العادة السلبية؟
يأتي الحديث السلبي مع النفس، في الأغلب، من تربيتكِ، والرسائل السائدة التي سمعتها عن مواهبكِ وقدراتكِ وقيمتكِ.
أي أنه إذا كان لديكِ والد أو معلم أو مدرب كان قاسياً عليكِ بشكل خاص، أو حتى أسوأ من ذلك، إذا تعرضت للتنمر أو الإساءة، فربما تكونين قد امتلأتِ بهذه التصريحات السلبية.
مصدر شائع آخر وراء عادة الانخراط في الحديث السلبي مع النفس، هو مشاهدة أشخاص آخرين من حولكِ يقللون من شأن أنفسهم، فقد تكونين رأيتِ أحد الوالدين أو إحدى الشخصيات ذات السلطة تعاقب نفسها لارتكاب خطأ بسيط، مثل: إسقاط كرتونة الحليب، أو الحصول على مخالفة وقوف السيارات، حيث تترسخ هذه الرسائل الخفية في نفسكِ أيضاً.
السماح للحديث السلبي المزمن مع النفس بالخروج عن السيطرة يوماً بعد يوم، دون فعل أي شيء حيال ذلك، يؤدي إلى العديد من المشكلات النفسية المختلفة، مثل: الاكتئاب، والقلق، وانخفاض احترام الذات، ومشاكل العلاقات والإرهاق في العمل. ويمكن أن يجعل اتخاذ الخطوات والمخاطر اللازمة إتقان أهداف المرء أكثر صعوبة.
استراتيجيات لإيقاف الحديث السلبي مع الذات:
التعويض بحديث إيجابي مع النفس أو حديث محايد:
عكس الحديث السلبي مع النفس هو الحديث الإيجابي معها. لذا، إن أفضل طريقة لمواجهة هذه الأفكار المتشائمة تكون من خلال التصريحات الإيجابية، و/أو المحايدة عن نفسكِ.
وعندما تلاحظين فكرة تقلل من شأن نفسكِ، فاعترفي بها، ثم حاولي ملاحظة شيء إيجابي أو مجرد محايد لموازنتها، وابحثي عن فرص طوال يومكِ؛ لملاحظة شيء، أو شيئين، قمت بهما بشكل جيد.
التعاطف مع الذات:
اللحظة السيئة لا تعني أنه محكوم عليكِ بيوم سيئ، واليوم السيئ لا يشير إلى حياة سيئة.
وفي بعض الأحيان، سيكون لديكِ يوم سيئ فقط، إذ لا يمكنكِ دائماً أن تلزمي نفسكِ بالمعايير التي تفعلينها عادةً.
لذا، خذي لحظة، وضعي يدكِ على بطنكِ، والأخرى على صدركِ، وقولي: «هذه لحظة صعبة.. أنا هنا من أجلك.. كل شيء سوف ينجح».
الاعتراف بالناقد.. والتحدث إليه بلطف:
تحتاجين أحياناً إلى النظر في عين الناقد الداخلي، والتعامل معه بلطف، وعندما تسمعين صوت الناقد، حاولي التحدث إليه بلطف.
قولي له مثلاً بصوت عالٍ أو ذهنياً: «مرحبًا، أيها الناقد الداخلي. أعلم أنك هنا للمساعدة. أنا مدركة تماماً الخطأ، الذي ارتكبته، وأنا أتخذ بالفعل إجراءات لتصحيحه.. شكرًا لك على مساهمتك».
ممارسة اليقظة:
عندما تصبح الأفكار السلبية صاخبة، فعليكِ أن تستحضري الوعي بجسدكِ وحواسكِ الخمس؛ حتى تخرج من رأسكِ، وتشعري بالاستقرار في اللحظة الحالية.
على سبيل المثال: اشعري بقدميكِ تضغطان على الأرض، أو لاحظي درجة حرارة الهواء على بشرتكِ، حيث إن الوعي بأحاسيس الجسم في اللحظة الحالية يمنحكِ استراحة لطيفة من الأفكار السلبية.
تنفيذ روتين للعناية الذاتية:
إن روتين العناية الذاتية القوي يقطع شوطاً طويلاً؛ للمساعدة على كسر نمط الحديث الذاتي السلبي، وعندما تعاملين نفسكِ بعناية ولطف، فستتصرفين كما لو كنتِ تحبين نفسكِ بالفعل دون قيد أو شرط. وهذا يبعث رسالة قوية إلى عقلكِ الباطن، بأنكِ تستحقين الحب والتقدير، وستبدأ أفكاركِ في عكس ذلك بمرور الوقت.