«ميرا» ممرضة تبلغ من العمر 40 عاماً، وتعاني اضطرابات في النوم منذ سنوات طويلة. إنها مشكلة تؤثر سلبًا في صحتها، وحياتها اليومية، وبالتالي تنعكس على عائلتها، وأدائها في العمل، وعلاقاتها مع المحيطين بها. نناقش، هنا، حالتها، ونستعرض الأسباب المحتملة لاضطرابات النوم، وطرق العلاج المتاحة، وأيضاً نستعرض العلاقة بين اضطرابات النوم والحالة النفسية للفرد.

اضطرابات النوم مشكلة خفية، يعانيها الكثيرون، وتؤثر سلباً في الصحة، وفي مختلف مناحي الحياة لذلك يشدد الأطباء على ضرورة علاجها في الوقت المناسب؛ لتجنب مضاعفات لا تحمد عقباها. وحول هذا الموضوع، تحدثنا مع خبراء بهذا المجال؛ لمعرفة المزيد عن آثار اضطرابات النوم، وكيفية علاجها.

الدكتور ياسر مدني، استشاري أمراض الرئة وأمراض النوم بمستشفى «هيلث بوينت»، أكد أن اضطرابات النوم مشكلة تتعلق بجودة النوم وتوقيته ومدته، وتسبب مضاعفات عدة على المستويين النفسي والبدني. وغالباً ترافق اضطرابات النوم حالات صحية، أو حالات نفسية، ومنها: القلق، والتوتر، والاكتئاب، وصعوبات الإدراك، ومشاكل التركيز، فضلاً عن كونها سبباً رئيسياً في الإصابة بأمراض عدة، مثل: ارتفاع ضغط الدم، والسكري من النوع الثاني الناجم عن مقاومة الأنسولين بسبب تدهور جودة النوم.

  • 4 أغذية تساعدك على النوم.. تناوليها!

اضطرابات النوم الشائعة

من أكثر اضطرابات النوم شيوعًا: انقطاع النَّفَس النومي الانسدادي، والأرق، اللذان يسببان مشاكل ومضاعفات؛ إذا أهمِل علاجهما لمدة طويلة، وقد يؤديان إلى جلطات الدم، والسكتة الدماغية، وعدم انتظام ضربات القلب، ومشاكل في الشريان الرئوي. أيضاً، قد تسبب اضطرابات النوم مشاكل نفسية واجتماعية، كمشاكل الذاكرة والمزاج والإحباط والاكتئاب، وتؤدي كذلك إلى تدهور إنتاجية الشخص، خلال يومه، في العمل أو الدراسة، بالإضافة إلى العلاقات الاجتماعية. ويمتد تأثير اضطرابات النوم إلى الأشخاص المحيطين بالمصاب؛ نتيجة «شخيره» المرتفع ليلاً. ومن أبرز المخاطر، التي تسببها اضطرابات النوم انخفاض التركيز أثناء قيادة السيارة، ما يزيد مخاطر التعرض للحوادث. 

الأسباب.. والعوامل

اضطرابات النوم تحدث لأسباب عدة، وقد أوضح الدكتور ياسر مدني أن أسبابها تنقسم إلى ثلاث فئات: عضوية، ونفسية، وبيئية. وعند الحديث عن الأسباب العضوية، تبرز مشكلة أساسية هي السمنة، فارتفاع مؤشر كتلة الجسم يزيد - إلى حدٍّ كبير - فرص الإصابة بانقطاع النَّفَس النومي الانسدادي، في حين تعتبر مشاكل الأنف، وتضخم اللوزتين واللهاة، وهبوط سقف الحلق، من عوامل الخطر المؤدية إلى مشاكل النوم. أما العوامل النفسية، فالاكتئاب والقلق والتوتر من أبرز أسبابها. وللعوامل البيئية والسلوكية، كذلك، دور في انخفاض جودة النوم، مثل: تناول الطعام والمنبهات في أوقات متأخرة، وممارسة الرياضة الشاقة قبل النوم. لذلك، ينبغي أن يراعي الأشخاص ظروف النوم المناسبة؛ للحصول على قسط جيد من النوم، بأن تكون الغرفة مظلمة، وهادئة، وباردة نسبيًا.

  • اضطرابات النوم.. آثار نفسية وبدنية واجتماعية

الأعراض

يشير الدكتور ياسر مدني إلى أن أعراض اضطرابات النوم تظهر على شكل تعب وإرهاق أثناء النهار دون معرفة السبب، ويعتقد الشخص أنه حصل على قسط كافٍ من النوم، إلا أن انخفاض جودة نومه يكون سبباً في ذلك. لذلك، نحرص على معرفة التاريخ الطبي للمريض؛ لدراسة نومه، سواء عبر جهاز يأخذه إلى المنزل، أو قضاء ليلة في المستشفى؛ لمراقبة المؤشرات الحيوية المتعلقة بنوم المريض، ومعرفة حالته بدقة. 

العلاج

عند علاج اضطرابات النوم، تكون معرفة السبب أول خطوة لعلاجها، فقد تكون إزالة سبب ما كالسمنة عنصرًا إيجابيًا في استعادة النوم الصحي، بينما قد تحتاج المشاكل الأخرى إلى علاج جراحي، كانحراف الحاجز الأنفي، وتضخم اللهاة أو اللوزتين. وهنالك أدوات معينة، يمكن أن يستعين بها المريض، سواء أثناء الاستعداد للجراحة، أو حتى تعافيه من اضطراب النوم، كالأقنعة التي تدفع الهواء، أو القوالب التي تُرَكَّب على الفكين؛ لمساعدة المريض على التنفس أثناء النوم. ويمكن أن يتخلَّص المريض من مشكلته بالعلاجات السلوكية أيضًا، عن طريق إنقاص الوزن في حالة السمنة، أو الإقلاع عن التدخين، أو التخلص من العادات، التي تؤثر في جودة النوم، مثل: تناول المنبهات أو الطعام، أو ممارسة الرياضة الشديدة في أوقات متأخرة. 

أكثر شيوعاً لدى الرجال

تعد اضطرابات النوم أكثر شيوعًا بين الرجال، مقارنة بالنساء. وقد يكون ذلك بسبب الطبيعة التشريحية للرجال، فالجهاز التنفسي العلوي لديهم أضيق منه عند النساء. وهناك أنواع نادرة من اضطرابات النوم تكون وراثية، بينما تُعزى معظم الأنواع الأخرى إلى أسباب تتعلق بأنماط الحياة، أو المرض، أو العوامل السلوكية. وتعود ممارسة الرياضة، والنظام الغذائي الصحي، بفوائد كبيرة على مختلف النواحي الصحية، خاصة الجهاز التنفسي، فتقلل فرص حدوث اضطرابات النوم، لا سيما أنها تعزز الوزن الصحي، وتحمي من السمنة، التي تعد من أخطر العوامل المسببة لانقطاع النَّفَس النومي الانسدادي. 

تجدر الإشارة إلى أن الكثيرين يعانون اضطرابات النوم، دون أن يكونوا على علم بذلك. لذلك، في حال الشعور بالأعراض المذكورة، المرتبطة بانخفاض الطاقة والتركيز أثناء النهار، أو الشعور بالتعب الدائم رغم الحصول على قسط كافٍ من النوم، لا بد من مراجعة طبيب متخصص في اضطرابات النوم؛ ليقوم بالتشخيص المناسب، وعلاج المشكلة؛ لاستعادة الحياة الطبيعية، والنوم الجيد.

  • النوم

آثار نفسية

اضطرابات النوم مشكلة لا يجب تجاهلها، فهي تؤثر في مختلف جوانب الحياة. لذا، تجب مراجعة طبيب متخصص؛ للحصول على العلاج المناسب، واستعادة نمط الحياة الصحي والمتوازن. وأوضحت الدكتورة رشا عباس، استشارية الطب النفسي ورئيسة قسم الطب النفسي في مراكز «هيلث بلَس» التخصصية، أن اضطرابات النوم قد تؤدي إلى مشاكل اجتماعية عدة؛ لأن الذين يعانون قلة النوم قد يكونون أكثر عرضة للتوتر، والانفعالات السلبية، ما يؤثر في قدرتهم على التفاعل الإيجابي مع الآخرين. وقد يشعرون بالانزعاج السريع، ويكونون أقل صبرًا، وربما يؤدي ذلك إلى خلافات ومشاكل في علاقاتهم مع الآخرين. وقد تؤثر قلة النوم في التفاعل الاجتماعي والعلاقات بطرق عدة، كضعف القدرة على التعاطف، فالأشخاص الذين يعانون قلة النوم قد يجدون صعوبة في فهم مشاعر الآخرين، والتعاطف معهم؛ وزيادة التوتر والانفعال، وقد يكونون أكثر عرضة للتوتر، والانفعالات السلبية؛ وانخفاض الأداء في العمل والدراسة، ما قد يسبب مشاكل اجتماعية، ومهنية.

نصائح لتحسين النوم

يمكن تحسين جودة النوم باتباع نصائح بسيطة، منها:

• الالتزام بجدول نوم منتظم: الذهاب إلى الفراش، والاستيقاظ، في الوقت نفسه يوميًا.

• توفير بيئة نوم مريحة: التأكد من أن غرفة النوم مظلمة، وهادئة، ودرجة حرارتها مناسبة.

• تجنب الشاشات قبل النوم: الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية قبل ساعة من موعد النوم.

• ممارسة الرياضة بانتظام: لكن يجب تجنب ممارسة التمارين الرياضية الشاقة قبل النوم مباشرة.

• تجنب الكافيين والنيكوتين: لا سيما في المساء.

وأضافت: توجد علاقة وثيقة بين اضطرابات النوم والحالة النفسية؛ فالذين يعانون اضطرابات النوم كالأرق، يكونون عرضة لاضطرابات نفسية، ومنها: القلق، والاكتئاب. من ناحية أخرى، يمكن أن تؤدي الحالات النفسية كالاكتئاب والقلق إلى مشاكل في النوم. وقد تؤثر، أيضًا، الصدمات النفسية والإجهاد - إلى حدٍّ كبير - في النوم. وتؤدي الصدمات النفسية، أيضاً، إلى اضطرابات، مثل: الكوابيس، والأرق. بينما قد يسبب الإجهاد صعوبة في الاسترخاء والنوم العميق.

عواقب

تؤكد الدكتورة رشا عباس أن اضطرابات النوم غير المعالجة تزيد خطر الاكتئاب والقلق، فقد تؤدي قلة النوم المزمنة إلى تفاقم الحالات النفسية، وانخفاض الأداء المعرفي والإدراكي، والتأثير في الذاكرة والتركيز، وضعف القدرة على اتخاذ القرارات، وزيادة التوتر والانفعال والعصبية؛ ما قد يؤثر سلبًا في العلاقات الاجتماعية. وبمرور الوقت، يمكن أن تؤدي اضطرابات النوم غير المعالجة إلى مشاكل صحية جسدية، مثل: زيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب. وضعف الجهاز المناعي؛ ما يزيد خطر الإصابة بالأمراض. وزيادة الوزن؛ لأن قلة النوم قد تؤثر في الهرمونات، التي تتحكم في الشهية.

أثر الأجهزة الإلكترونية

كيف يمكن للأجهزة الإلكترونية أن تؤثر في نوعية النوم؟.. تجيب الدكتورة رشا عباس: إن التكنولوجيا تؤثر تأثيرًا كبيرًا في اضطرابات النوم، فالضوء الأزرق، المنبعث من الشاشات، يمكن أن يؤثر في إنتاج «الميلاتونين»؛ ما يجعل النوم صعبًا. وتحفز هذه التقنيات الإثارة العقلية، فقد يثير محتوى الشاشات العقل، ويجعل الاسترخاء صعبًا. وتؤثر، أيضاً، الأجهزة الإلكترونية في جودة النوم؛ بسبب تأخر وقت النوم، لأنَّ الشخص يبقى مستيقظاً لمدة طويلة بسببها، بالإضافة إلى الاستيقاظ المتكرر بسبب الإشعاعات أو الإضاءة، والنوم غير المريح بسبب تأثير الضوء الأزرق يؤثر في إنتاج «الميلاتونين»، وجودة النوم.

وأضافت: توجد استراتيجيات؛ لتجنب اضطرابات النوم، منها:

• التكيف المسبق: بمحاولة تعديل وقت النوم، والاستيقاظ، قبل السفر إلى منطقة زمنية جديدة.

• التعرض للضوء الطبيعي: عن طريق قضاء وقت في الخارج خلال النهار؛ للتكيف مع المنطقة الزمنية الجديدة.

• تجنب العطش والجفاف: ويكون بشرب الماء، وتجنب الكحول والنيكوتين والكافيين.

بحسب الدكتورة رشا، للضوء والظلام تأثير كبير في النوم، فيمكن للضوء أن يثبط إنتاج «الميلاتونين»، فيجعل النوم صعبًا. في حين يعزز الظلام إنتاج «الميلاتونين»، ويساعد في النوم العميق. ويمكن تحسين بيئة النوم بالحد من الإضاءة باستخدام ستائر مظلمة لحجب الضوء، وتقليل الضوضاء باستخدام سدادات الأذن، أو أجهزة الضوضاء البيضاء، والحرص على توفير درجة الحرارة المناسبة في غرفة النوم.

وهناك تقنيات استرخاء أخرى، يمكن أن تساعد في تحسين النوم، كالتنفس العميق الذي يساعد في الاسترخاء، وتخفيف التوتر، وتمارين الاسترخاء التدريجي كشد العضلات وإرخائها تدريجيًا، والتصور الإيجابي كتخيل مشاهد مهدئة قبل النوم. وقد تكون رياضة اليوغا، وتمارين التأمل، فعالة في معالجة اضطرابات النوم. فممارسة اليوغا تساعد في الاسترخاء، بينما يساعد التأمل في تهدئة العقل، وتخفيف التوتر.

  • اضطرابات النوم.. آثار نفسية وبدنية واجتماعية

نصائح

قدمت الدكتورة رشا عباس بعض النصائح؛ لتحسين جودة النوم، وتشمل:

• جدول النوم الثابت، والالتزام بجدول نوم منتظم، حتى أيام العطل.

• البيئة المظلمة، باستخدام ستائر مظلمة، خلال النهار.

• تجنب تناول المنبهات، ومنها الكافيين، قبل النوم بمدة طويلة.

• ممارسة الرياضة بانتظام.

ويمكن الحفاظ على نمط نوم صحي بالحفاظ على الروتين نفسه؛ عن طريق الاستيقاظ والنوم في الأوقات نفسها يوميًا، وتجنب الضوضاء باستخدام سدادات الأذن، أو أجهزة الضوضاء البيضاء. وهنالك أعشاب، ومكملات غذائية، يمكن أن تكون مفيدة مثل «الميلاتونين»، وهو مكمل يساعد في تنظيم النوم، وقد يساعد شاي البابونج، والزيوت العطرية، في الاسترخاء وتحسين النوم.