مع ارتفاع درجات الحرارة، وتلون السماء بظلال الأزرق الصافي، يستقبل الناس حول العالم فصل الصيف بترقب، حيث يَعِدُ هذا الفصل بالكثير من الفرص؛ للراحة والاستجمام، بعيداً عن ضغوط الحياة. الإجازات الصيفية، التي ترمز إلى الراحة والاسترخاء، توفر فرصة ذهبية للابتعاد عن الروتين اليومي، واستكشاف أماكن جديدة، أو ببساطة تمضية وقت لا مثيل له. وعن أهمية هذه الفترة من السنة، وكيفية استثمارها؛ لتحسين جودة الحياة؛ التقت مجلة «زهرة الخليج» الدكتورة منى جمال، المدربة والاستشارية بمجال تطوير الذات، فشاركتنا رؤيتها حول تأثير الإجازات في الصحة العقلية والبدنية والنفسية، وكيف يمكن للعطلات أن تعزز الأداء الوظيفي والإبداع.. في ما يلي تفاصيل الحوار:

  • منى جمال: السفر استراحة للروح وتجديد العقل

ما أهمية الإجازة الصيفية للاسترخاء، واستعادة السلام النفسي؟

لا شك في أن العطلات تلعب دوراً حيوياً في حياتنا؛ فهي توفر استراحة ذات معنى من الروتين اليومي، وتساعدنا على التعافي، وإعادة شحن طاقتنا، التي من شأنها أن تزيد قدرتنا على التفاعل، والاستمتاع بالأشياء من حولنا.

العطلة الجيدة

كيف يمكن تصميم عطلة، تلبي الأهداف المرجوة لكل الأشخاص؟

علينا، في البداية، أن نسأل أنفسنا عن أكثر شيء نحتاج إلى الاستراحة منه، فإذا كان الهروب من الرتابة والروتين هو الهدف، فعلينا تصميم عطلة تعتمد على الإثارة والمغامرة. أما إذا كان الهدف هو الاستراحة من الضغط والتوتر والقلق بسبب كثافة العمل، أو متطلبات الحياة الأسرية، فهنا يجب أن نخطط لإجازة تعطي الأولوية للراحة والتعافي والاسترخاء. لذلك، علينا أن نختار الإجازة الأفضل لنا، فالعطلة الجيدة هي التي تجعلنا سعداء، إذ إن مفهوم السعادة يختلف من شخص إلى آخر.

ما ملامح الإجازة، التي تثري الحس الحماسي بداخلنا؟

إن إجازات «الإيقاع الحماسي» تتميز بتجارب مؤثرة سنتذكرها دائماً؛ فهذه الإجازات تثري الحياة بطريقة ما، وفي بعض الأحيان يكون ذلك من خلال اكتشاف أشياء جديدة عن نفسك والعالم، أو تحسين حياتك. لهذا، إذا كنت تبحث عن تجارب مؤثرة لا تُنسى، فخطط لقضاء إجازة مختلفة، وفكر في السفر لاستكشاف شعوب وأماكن وعادات جديدة، فالاستكشاف والمغامرات ترفع هرمون «الدوبامين» المسؤول عن مركز السعادة بداخلنا، والذي يغذي سلوكنا المحفز بالمكافأة، ويغمرنا بـ«كوكتيل» مبهج من الإثارة والترقب. وبينما نخطط بدقة لرحلتنا، يتراقص «الدوبامين» عبر مساراتنا العصبية، ما يؤدي إلى تحسين مزاجنا، ومنحنا شعوراً مرجواً بالسعادة.

ماذا عن عطلات «الهدوء والاسترخاء»؟

هذه النوعية من العطلات تركز على البطء والراحة، وإبقاء الأمور غير رسمية، ومنخفضة المتاعب، ومليئة بالمتعة والعودة إلى الطبيعة، ما يزيد شعور الاسترخاء لدينا. وهنا يفرز المخ هرمون «السيروتونين»، الذي ينظم المزاج والشهية والنوم، فضلاً عن تغذية أدمغتنا بالهدوء.

فصول الحياة

هل هناك اختلاف في تفضيل إجازات المغامرة والاسترخاء، بين المرأة والرجل؟

من المثير للاهتمام أن الأبحاث تكشف عن بعض الاختلافات بين الجنسين في التفضيل، إذ تميل النساء إلى الانجذاب نحو التجارب ذات المغزى، بينما يفضل الرجال التجارب الممتعة. ومع ذلك، يحتاج الجميع إلى كلتا التجربتين، ويتغير التوازن عبر فصول الحياة.

  • منى جمال: السفر استراحة للروح وتجديد العقل

هل تؤثر الإجازات في تعزيز قدرات التفكير الإبداعي؟

 لا تقتصر الإجازات على الهروب من الواقع، بل لديها تأثير عميق في كيمياء الدماغ والسلوك. من خلال تحفيز إطلاق الناقلات العصبية، مثل: «الدوبامين»، و«السيروتونين»، حيث تعمل الهرمونات الدماغية على تعزيز مزاجنا، وتقليل التوتر، وتحسين الوظيفة الإدراكية والذاكرة، وتجديد الجهاز العصبي المتصل بكل خلايا جسدنا. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحداثة والإبداع، اللذين نختبرهما خلال الإجازات لهما تأثيرات دائمة في مرونتنا العصبية، وقدرتنا على التفكير بشكل إبداعي. ويعد السفر هواية ممتعة، تملأ حياتنا قصصاً نرويها ونحن نتوقع، دائماً، الرحلة المثيرة التالية، أو المغامرة المحفزة، أو الإقامة المريحة في منتجع على الشاطئ، وننتظر بفارغ الصبر الرحلة الجبلية التالية، أو التجربة الفريدة التالية، أو الشعور بالمياه التي تجتاح أقدامنا على الشاطئ. لكن أسباب استمتاعنا بكل هذه التجارب تتجاوز المشاعر الإيجابية، التي نربطها بها، ويمتد إلى تحسين الطريقة، التي نعمل بها عقلياً وجسدياً، فمن خلال السفر نتطور وننمو، ونصبح أشخاصاً أفضل لأنفسنا، وللمجتمع. 

كيف نستعد، بشكل مناسب، للعطلات الصيفية، ونتعامل مع تحديات العمل المحتملة قبل الإجازة؟

هذا الأمر شائع، ويشار إليه باسم «الإجهاد المؤقت»، أو «مرض الراحة». وفي كثير من الأحيان، يمكن أن تفسد بداية فترة العطلة بسبب سوء نوعية النوم، أو نزلة البرد، أو التعب، أو الشعور بمزاج عام سيئ. ومع الأسف، ليس من الواضح، تماماً، سبب حدوث هذه الظاهرة، لكن علماء النفس يقولون إنها تشبه بشكل ملحوظ ما يسمى «متلازمة إعادة بناء المناعة الالتهابية»، التي تنبع من الانسحاب المفاجئ لهرمونات التوتر الرئيسية، أي أن الجسم البشري لا يستطيع التعامل مع التحول المفاجئ من الشعور بالتوتر الشديد إلى الشعور بالبرودة اللطيفة. إن الجسم البشري المُجْهَد الذي يعمل بأقصى سرعة في الأسابيع التي تسبق العطلة، سيتعرض لصدمة بسبب الانسحاب من التوتر بسرعة كبيرة. والحل هو الانتقال المتدرج من التوتر في العمل إلى وضع العطلة المريح، من خلال قضاء بعض الوقت في التوجه إلى صالة الألعاب الرياضية، والتأمل، والاسترخاء، وهذا أمر ضروري لتحقيق أقصى استفادة من الإجازة.