«رزان»، امرأة في الثامنة والثلاثين من عمرها، بدأت تشعر بفقدان الشغف في حياتها، ولم تعد تجد السعادة في الأشياء التي كانت تستمتع بها سابقًا، وتشعر بأن حياتها أصبحت خالية من الألوان والمعاني. نناقش، هنا، حالتها، ونستعرض الأسباب المحتملة لفقدان الشغف، وطرق العلاج المتاحة، وأيضاً الفرق بين فقدان الشغف والاكتئاب.

  • فقدان الشغف.. عندما تخبو «شعلة الحياة»!

الأعراض والأسباب

الشغف هو القوّة الخفية، التي تصقل شخصياتنا وحياتنا على مختلف الصعد، فهو الشعلة التي تنير دروبنا، وتمكننا من تخطي التحديات، وتجعل لحياتنا معنى وهدفاً. وقد تخبو هذه الشعلة في بعض الأوقات؛ لنجد أنفسنا هائمين دون غاية واضحة. ويعتبر فقدان الشغف حالة صحية تتعين الاستجابة لها، وفهم مؤشراتها؛ لنتمكن من طلب المساعدة؛ لتجاوزها.

وحول هذا الموضوع، تحدثنا إلى فيرجيني ميبارك، أخصائية طب النفس الإكلينيكي بشبكة مراكز هيلث بلاس التخصصية؛ فشرحت - باستفاضة - فقدان الشغف، وعلاماته، وكيف يمكننا التعامل معه، والفرق بينه وبين الاكتئاب. وأكدت فيرجيني ميبارك أن فقدان الشغف يؤثر في صحتنا النفسية بطرق عدة، بجانب سلوكنا، ونظرتنا العامة إلى الحياة. وهنالك علامات نفسية شائعة، تتعين علينا معرفتها كونها قد تشير إلى فقداننا الشغف، منها: الخدر العاطفي (اللامبالاة)، والتعب والإرهاق المزمن، وانخفاض الحالة المزاجية بشكل مستمر، وزيادة التهيج والإحباط، وفقدان الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية، وتراجع تقدير الذات، وقلة الحافز والمماطلة في أداء المهام، وضعف الإدراك، مثل: قلة التركيز ومشاكل الذاكرة وصعوبة اتخاذ القرار، وزيادة القلق والتوتر، والحديث السلبي مع النفس، والتشاؤم.

فقدان الشغف.. والتوتر الاعتيادي 

قد يصعب التمييز بين إصابة الشخص بفقدان الشغف، أو تعرضه للتوتر الاعتيادي، إلا أنه أساسي للتعامل مع المشكلة بكفاءة. وأوضحت فيرجيني بعض المؤشرات، التي تساعدنا في التفريق بين فقدان الشغف والتوتر.

- المدة والتكرار: فقدان الشغف مدته أطول من التوتر وأكثر استمرارية، وعادة يكون التوتر مؤقتاً، ويزول بعد فترة قصيرة.

- التأثير في الاهتمام: يؤثر فقدان الشغف - بشكل كبير - في الأنشطة التي اعتاد الشخص الاستمتاع بها، ويكون أثر التوتر أكثر شمولاً لجوانب الحياة، دون استهداف جانب محدد.

- الاستجابة العاطفية: يؤدي فقدان الشغف إلى اللامبالاة، وينطوي التوتر عادة على مشاعر القلق، أو الضغط، أو الإرهاق.

- مستويات الحافز: عند فقدان الشغف، يقل حافز الانخراط في الأنشطة التي استمتع الشخص بها سابقاً بشكل كبير. وقد يترك التوتر الشخص متحمساً لأنشطة ما، لوجود مشاعر الإلحاح والذعر. 

- التعافي والراحة: غالباً يتحسن التوتر الاعتيادي عند الراحة أو الاسترخاء أو حل المشكلة التي كانت السبب فيه. ويبقى فقدان الشغف مستمراً حتى بعد هذه المحاولات.

طرق العلاج

لمعالجة فقدان الشغف، أكدت فيرجيني ميبارك ضرورة اتخاذ مجموعة من الخطوات؛ لإدارة الحالة بفاعلية، وتضم: التأمل الذاتي؛ لتحديد الأسباب، وتقييم الاهتمامات؛ لفهم التغير الحاصل، والرعاية الذاتية وإيلاء الصحة البدنية الأولوية، والحصول على قسط كافٍ من النوم، والتغذية الصحية، وممارسة الرياضة. ويمكن لممارسة التأمل، وتحقيق الصفاء الذهني، المساعدة في تعزيز الاسترخاء. ووضع أهداف صغيرة، عبر اتباع استراتيجية الأهداف الذكية، التي يمكن تحقيقها. كذلك، طلب الدعم الاجتماعي، عبر التحدث إلى الأصدقاء والزملاء وأفراد الأسرة؛ للحصول على التشجيع والدعم اللازمين. وأيضاً طلب الدعم من المتخصص النفسي؛ عند الشعور بتدهور الحالة. 

الدعم النفسي

ماذا عن دور الدعم النفسي؟ وهل يمكن أن يكون فعالاً في التغلب على فقدان الشغف؟.. شددت فيرجيني ميبارك على أن العلاج النفسي يمكن أن يكون فعالاً، من خلال توفير نهج منظم؛ لفهم ومعالجة الأسباب الكامنة وراء هذه الحالة. ومن خلال تقنيات، مثل العلاج السلوكي المعرفي، يساعد المعالجون الأفراد على تحديد وإعادة صياغة أنماط التفكير والمعتقدات السلبية، التي تساهم في مشاعر اللامبالاة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن علاجات، مثل: علاج القبول والالتزام، توجه الأفراد إلى إدراك قيمهم الأساسية، ومواءمة أفعالهم مع هذه القيم، وبالتالي إحياء الشعور بالهدف والحماس. ويوفر العلاج، أيضاً، مساحة آمنة للتعبير العاطفي والدعم، ما يساعد الأفراد على تحديد أهداف واقعية ومجدية، والمشاركة في الأنشطة التي تعزز المشاعر الإيجابية، وتحيي الحافز. ومن خلال معالجة الجوانب المعرفية والعاطفية للشغف المفقود، يمكن للعلاج النفسي أن يعيد الحيوية إلى حياة الفرد الشخصية والمهنية. وفي الحالات المتقدمة، قد يصف الطبيب النفسي بعض الخيارات الدوائية، التي تساعد الشخص في تجاوز أزمته تلك.

والتمييز بين فقدان الشغف والاكتئاب أمر في غاية الأهمية، لأنهما قد يشتركان في بعض الأعراض، لكنهما ينبعان من أسباب كامنة مختلفة؛ نطرح، هنا، سؤالاً مهماً، هو: ما الفرق بين فقدان الشغف والاكتئاب؟ 

يشير فقدان الشغف إلى انخفاض الحماس، أو الاهتمام بالأنشطة التي كانت ممتعة في السابق، في حين أن الاكتئاب حالة صحية نفسية سريرية، تتميز بمشاعر الحزن المستمرة، واليأس، وفقدان الاهتمام، أو المتعة في الأنشطة.

وشرحت ميبارك سمات كلتا الحالتين، كما يلي:

فقدان الشغف

• السياق: غالباً يحدث فقدان الشغف بمجالات معينة من الحياة، مثل: العمل أو الهوايات أو العلاقات.

• عابر: قد يكون فقدان الشغف مؤقتاً ومرتبطاً بعوامل خارجية، مثل: التوتر أو الإرهاق أو تغيرات الحياة.

• أعراض معزولة: تتضمن عادةً انخفاض الحافز أو الاستمتاع، وقد لا تؤثر في المزاج العام أو الأداء.

الاكتئاب

• الاستمرارية: يتسم الاكتئاب بمشاعر دائمة من الحزن، أو الفراغ، أو التهيج، وغالباً تستمر لمدة أسبوعين على الأقل.

• التأثير الشامل: يؤثر الاكتئاب في جوانب مختلفة من الحياة، بما في ذلك: العلاقات، والعمل، والصحة البدنية.

• الأعراض البدنية: قد يشمل الاكتئاب تغيرات في الشهية، واضطرابات في النوم، والتعب، وأعراضاً بدنية أخرى.

• الأفكار السلبية: غالباً تراود المشاعر السلبية الأشخاص المصابين بالاكتئاب، عن أنفسهم، والعالم، والمستقبل.

• التداخل مع مهام الحياة اليومية: يعيق الاكتئاب أداء المهام اليومية بكفاءة، وقد يسبب عزلة الشخص عن الأنشطة الاجتماعية، أو عزوفه عن أداء مسؤولياته.

واختتمت فيرجيني ميبارك بالتأكيد على أهمية طلب المشورة، والدعم المتخصص، عند ظهور أعراض فقدان الشغف، وحتى الاكتئاب، وتأثير هذه الأعراض في الحياة اليومية. ويمكن لمقدم الرعاية المؤهل إجراء تشخيص دقيق، وتطوير خطة علاجية مناسبة لحالة الشخص، تكون سلوكية أو دوائية، أو تجمع بين الاثنتين.

  • فقدان الشغف.. عندما تخبو «شعلة الحياة»!

الأسباب

فقدان الشغف يحدث لأسباب عدة، تغطي الجوانب النفسية والبيولوجية والبيئية. ويمكن لفهم أسبابه المحتملة أن يساعد في معالجته، والتصدي لمسبباته. وقسمت فيرجيني ميبارك أسباب فقدان الشغف إلى ثلاث مجموعات رئيسية، هي:

• العوامل النفسية والبيولوجية

- التوتر والإرهاق: يمكن للتوتر المزمن، والإرهاق في العمل، أن يقودا إلى اضطرابات نفسية وعاطفية، بجانب استنزاف الشغف، وقتل الحافز.

- مشاكل الصحة النفسية: يمكن لحالات صحية نفسية، مثل: الاكتئاب والقلق، أن تقلل الاهتمام، وتقود الشخص إلى عدم الاستمتاع بالأنشطة، التي أحبها سابقاً.

- الاختلالات الكيميائية العصبية: يمكن أن تؤثر اختلالات الناقلات العصبية، مثل: «السيروتونين» و«الدوبامين»، في المزاج والحافز.

• أثر الأحداث والتغيرات الكبيرة في الحياة

- يمكن للأحداث الصادمة، والخسارة الشخصية، والتبدلات الكبيرة في الحياة، والانتكاسات الكبيرة، أن تسبب اضطراباً عاطفياً، يؤثر في الشغف، ويقود إلى تراجعه.

- المشاكل الصحية: يستنزف المرض المزمن، أو الحاد، الطاقة النفسية والبدنية، ويؤثر في شغف التفاعل الاجتماعي، وممارسة الحياة اليومية.

• العوامل البيئية والروتين

- الروتين: يمكن أن يؤدي الروتين اليومي إلى الملل والركود، ما يقلل الشغف.

- المؤثرات السلبية المحيطة: يمكن لبيئة العمل السيئة، والمحيط الاجتماعي غير الداعم، أن يسببا التوتر والاستياء.

- عوامل أنماط الحياة: فقدان التوازن الصحي بين العمل والحياة الشخصية، وانخفاض تقدير الذات، من الأمور التي قد تسبب استنزاف الشغف، وفقدانه.