حينما يتعطل ميكروبيوم الجسم؛ تظهر الأعراض.. فهل أنتم بخير؟.. «الميكروبيوم» ربما سمعتم عنه من قبل، لكن هناك الكثير الذي لا يزال مجهولاً. إنه ثورة في الطبّ، حيث يتم علاج البكتيريا باستخدام بكتيريا أخرى، وهذا التقدم هو نتاج للبحث العلمي المستمر، والتجارب المتواصلة. يُقال: إن الطب كان معدوماً؛ فأوجده أبقراط، وميتاً فأحياه جالينوس، ومشتتاً فجمعه الرازي، وناقصاً فأكمله ابن سينا. اليوم، يدفع «الميكروبيوم» الأطباء إلى البحث عنه عند تشخيص الأسباب، والبحث عن العلاجات المناسبة.
دعونا نكتشف عالم «الميكروبيوم» مع الطبيبين: براناب غياوالي، استشاري أمراض الجهاز الهضمي في «مبادلة للرعاية الصحية» بدبي، وليث الربيعي، استشاري أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى «هيلث بوينت».
«الميكروبيوم» يشبه عالماً صغيراً، ومعقداً بعض الشيء، فهو يعيش داخل أجسام الكائنات الحيّة كافة، حيث يمكن لأيّ خللٍ في توازنه أن يؤدي إلى اضطرابات صحيّة وحيوية متنوعة. بمعنى آخر، يشمل هذا «الميكروبيوم» مجموعة من البكتيريا والفطريات والفيروسات، التي تؤثر بشكل مباشر، سلباً أو إيجاباً، في عملية هضم الطعام، وامتصاص العناصر الغذائية، وتوازن الجهاز المناعي، وحتى المزاج والصحة النفسية والجلدية، وقدرة الجسم على مكافحة الأمراض المعدية.
لذا، قد يكون من الضروري أن نسأل: هل «ميكروبيوماتنا» بحالة جيدة؟
نعم، هناك ارتباط شديد بين «الميكروبيوم»، وما يصيبنا من أمراض؛ لهذا كان لا بُدّ من العمل على تغيير تركيبة البكتيريا لدى الإنسان؛ بغية مكافحة المرض الذي يعانيه. يعني، بكلامٍ آخر، تطبيق مقولة أبو نواس: «وداوني بالتي كانت هي الداء».. فماذا في التفاصيل؟
يؤكد الدكتور غياوالي: «تحسين (الميكروبيوم) يساعد، حتماً، في الارتقاء بالصحة عموماً»، ويشرح: «مهدت التطورات الأخيرة في تقنيات تسلسل الحمض النووي، والذكاء الاصطناعي، الطريق نحو إجراء اختبار فريد للميكروبيوم، عبر استخدام تقنيات التسلسل المتقدمة، التي تحدد التوصيات الشخصية، التي يتعيّن على مقدمي الرعاية الصحية تحديدها لكل مريض. ويُشكّل اختبار (الميكروبيوم) هذا نقلة نوعية كلياً، يجهل معظم الناس ماهيتها». ويستطرد غياوالي: «يضمّ (الميكروبيوم) مجتمعاً واسعاً من البكتيريا والفيروسات والفطريات داخل الأمعاء. وتلعب هذه الكائنات الحيّة الدقيقة، إلى جانب المستقلبات التي يفرزها الجسم، دوراً حيوياً في وظائف الجسم المختلفة، مثل: المناعة، والهضم، وعمل الدماغ، مع ما لذلك من تأثير ودور كبيرين في صحة الجسم وعافيته».
ما رأي الدكتور ليث الربيعي؟.. يقول: «يلعب ميكروبيوم الأمعاء، الذي يضم تريليونات الكائنات الدقيقة، دوراً متقدماً في صحّة الجهاز الهضمي. ويمكن أن يؤدي أي خللٍ في ميكروبيوم الأمعاء، وهي حالة معروفة طبياً باسم اختلال التوازن البكتيري (ديسبيوسيس)، إلى الانتفاخ، وظهور أعراض الجهاز الهضمي الأخرى، كما يمكن لعوامل، مثل: مرض السكري، والكبد الدهني، والتهاب القولون، أن تؤثر في تكوين (الميكروبيوم). وهنا، لا بُدّ من القيام باختبارات تشخيصية؛ لتقييم التغيرات في ميكروبيوم الأمعاء، وتحديد الأنماط غير الطبيعية، التي تساهم في حدوث الانتفاخ».
«الميكروبيوم» عالم مذهل في حد ذاته، فكلما تعمقنا في دراسته، ظهرت حقائق جديدة في عالم الطب.. فما أحدث الاكتشافات العلمية؟
الدكتور غياوالي يشير إلى «أهمية (الميكروبيوم) في تحسين جودة حياة المصابين بمتلازمة القولون العصبي، وفي حالات أمراض المناعة الذاتية، والاضطرابات العصبية». بينما يوضح الدكتور الربيعي: «دور (الميكروبيوم) في تحفيز الجهاز المناعي، وتكسير المركبات السامة، وتصنيع بعض الفيتامينات، والأحماض الأمينية، مثل: فيتامينَيْ: (ب)، و(ك). على سبيل المثال، الإنزيمات اللازمة؛ لتكوين فيتامين (B12) موجودة فقط في البكتيريا، وليست في النباتات أو الحيوانات. ويتم امتصاص السكريات، مثل: سكر المائدة، وسكر الحليب، بسرعة في الجزء العلوي من الأمعاء الدقيقة، في حين أن الكربوهيدرات الأكثر تعقيداً، مثل: النشويات، والألياف، يتمّ هضمها بسهولة، وقد تصل إلى الأمعاء الغليظة، حيث تساعد الكائنات الحية الدقيقة في تحطيمها، باستخدام إنزيماتها الهاضمة. أما الألياف غير القابلة للهضم، فقد تختمر، وتنتج الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، التي يمكن للجسم استخدامها كمصدر غذائي، وتلعب أيضاً دوراً في وظيفة العضلات، وربما في الوقاية من الأمراض المزمنة، مثل: السرطان، واضطرابات الأمعاء».
وكلما سمعنا عن تركيبة الجسد؛ تتجدد فينا الدهشة. فلنتابع الإصغاء إلى الدكتور ليث، الذي يقول: «بالإضافة إلى الجينات العائلية، والبيئة، واستخدام الأدوية، يلعب النظام الغذائي دوراً كبيراً في تحديد أنواع الكائنات الحيّة الدقيقة، التي تعيش في القولون. كلّ هذه العوامل توفر بيئة فريدة للميكروبيوم، تختلف بين شخص وآخر. ويؤثر النظام الغذائي الغني بالألياف في نوع الكائنات الحيّة الدقيقة بالأمعاء وكميتها، فلا يمكن تكسير الألياف الغذائية وتخميرها إلا بواسطة إنزيمات تفرزها الكائنات الحيّة الدقيقة، التي تعيش في القولون، ويتم إطلاق الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة نتيجة عملية التخمر هذه. ومن شأن ذلك، تقليل الرقم الهيدروجيني للقولون، الذي يحدد، بدَوْره، نوع الكائنات الحيّة الدقيقة الموجودة، التي من شأنها البقاء على قيد الحياة في هذه البيئة الحمضية، كما أن انخفاض الرقم الهيدروجيني يَحُدُّ من نمو بعض البكتيريا الضارة». ويستطرد: «كشفت الأبحاث المتزايدة حول الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة عن آثارها الواسعة في الصحة، خاصة لجهة تحفيز نشاط الخلايا المناعية، والحفاظ على مستويات الدم الطبيعية للسكر في الدم، والكوليسترول».
فلننتبه، من الآن فصاعداً، إلى ميكروبيوم الجسد.. ولننتبه إلى الأطعمة التي تعزز وجود «البريبايوتك» الطبيعي في أجسامنا، وبينها: الثوم، والبصل، والكراث، والهليون، والهندباء، والخرشوف، والموز، والفاكهة، والخضار، والحبوب الكاملة، ومنها: القمح، والشوفان. فإذا شعرتم بتوعكٍ، فضعوا نصب العينين حال «الميكروبيوم» لديكم، فهو يعتبر بيئة ديناميكية حية، تتغير بوتيرة يومية، وأسبوعية، وشهرية، بحسب النظام الغذائي، والأدوية، والتمارين الرياضية، وعوامل أخرى إضافية أيضاً.
ماذا نفهم من كل ما سبق؟
«الميكروبيوم» هو بيت القصيد، الذي يرتبط به كثير من الأمراض، مثل: السرطان، والسكري، والسمنة. إنه مجموعة من الميكروبات، التي تعيش بشكل طبيعي في أجسامنا، وعليها، ومنها ما هو مفيد، وما هو ضار. لذا، من الآن فصاعداً، لا تتجاهلوا ميكروبيوماتكم، وفكروا فيها حينما تشعرون بخللٍ أو توعكٍ أو عَرَض ما، وليكن «الميكروبيوم» تحت المجهر.
5 أسئلة.. وأجوبة
«الميكروبيوم».. لسان حال الجسد
1 . كيف يؤثر «الميكروبيوم» في الجسم؟
- يوازي عدد الميكروبات في الجسم عدد الخلايا البشرية، ويتنوع «الميكروبيوم» البشري بحسب موقعه في الجسم، مثل: الأمعاء، والجلد، وتجويف الفم، والأنف. ويتشكل «ميكروبيوم» كل إنسان في السنوات الأولى من حياته، لكنه يمكن أن يتغير مع مرور الوقت؛ استجابة لعوامل، منها: النظام الغذائي، والأدوية، والتلوث. لذا، عند الشعور بخلل صحي، ينبغي التفكير في حالة «الميكروبيوم».
2 . هل التوتر والإجهاد يؤثران في طبيعة «الميكروبيوم» بالجسم؟
- أظهرت دراسة على الفئران أن الإجهاد المزمن يمكن أن يزعزع ميكروبيوم الأمعاء، ما يؤدي إلى زيادة الوزن، وتطور السمنة، وطبيعة تخزين الدهون، وربما تطور حالات سرطانية مرتبطة بذلك. وهناك تفاعل مستمر بين الأمعاء والدماغ عبر ملايين الخلايا العصبية، وعند الشعور بالتوتر والاكتئاب والقلق، تحدث تغييرات معينة في ميكروبيوم الجسم.
3 . ماذا عن تأثير «الميكروبيوم» في صحّة البشرة؟
- يساهم توازن «الميكروبيوم» بالجسم في الحفاظ على صحة البشرة، وأي خلل فيه يمكن أن يؤدي إلى مشاكل جلدية. على سبيل المثال، قد تؤدي زيادة البكتيريا المسببة للبثور إلى ظهور حب الشباب، وترتبط حالة الإكزيما الجلدية التحسسية بتغيرات «الميكروبيوم».
4 . هل هناك علاقة بين الخلل الذي يصيب «الميكروبيوم»، والحساسية، والأمراض المناعية؟
- يمكن أن يكون «الميكروبيوم» أحد أسباب ارتفاع حالات الحساسية والربو، ويؤدي خلله إلى مهاجمة الجهاز المناعي أجزاءً معينةً من الجسم، ما يسبب أمراضاً، منها: الألم العضلي الليفي، والذئبة، والتصلب المتعدد، والتهاب المفاصل الروماتويدي، والسكري من النوع الأول.
5 . هل يرث الإنسان «الميكروبيوم» الخاص به من والدَيْه؟
- ميكروبيوم الجسم مثل بصمة الإصبع، فهو فريد لديكم. ومن يولد «قيصرياً»، دون المرور بقناة الولادة الطبيعية، يأخذ من ميكروبيومات والدته. وبدأ العلماء والباحثون في تسخير قوة «الميكروبيوم» في علاج السرطان أيضاً، مع العلاج المناعي في الجسم، لتدمير الخلايا الخبيثة. وهم يعملون على ابتكار أدوية «ميكروبيوم» تعطى إلى جانب العلاجات السرطانية.