محمود شوبّر: لا قيمة للوحةٍ لا تثير التساؤلات

الفنان أبو عبدالله، المعروف أيضاً باسم د. محمود شوبّر، هو أحد أبرز الأسماء في المشهد الفني العربي المعاصر، فقد تميزت لوحاته بجمعها بين الأصالة والحداثة، ووضع جُلَّ اهتمامه في إيصال الفكر العربي الأصيل إلى لوحاته، وتحريك شخوصها في مساحة الزمن المعاصر، برشاقة المبتكر، وشاعرية «ابن بابل»، وبفكر يرى أن

الفنان أبو عبدالله، المعروف أيضاً باسم د. محمود شوبّر، هو أحد أبرز الأسماء في المشهد الفني العربي المعاصر، فقد تميزت لوحاته بجمعها بين الأصالة والحداثة، ووضع جُلَّ اهتمامه في إيصال الفكر العربي الأصيل إلى لوحاته، وتحريك شخوصها في مساحة الزمن المعاصر، برشاقة المبتكر، وشاعرية «ابن بابل»، وبفكر يرى أن هذا ما يجب أن يكون عليه الفن؛ لإيصال رسالته المحلية إلى الآخر الأجنبي.. في هذا الحوار، نستكشف مع الفنان رؤيته الإبداعية، وتجربته الفريدة في رسم معالم الهوية العربية.

  • محمود شوبّر: لا قيمة للوحةٍ لا تثير التساؤلات

شرارة الإبداع

بدايةً.. حدثنا عن شرارة الإبداع لديك، وبداية اتقادها!

 هذه الشرارة كانت متوفرة بحكم الأسرة التي نشأت فيها؛ فوالدي درس الفن في إيطاليا، وأذكر أننا في ذلك الوقت، حينما كان مسافراً، وكنت في الصف الأول الابتدائي، لم نكن نملك وسائل اتصال به سوى الرسائل البريدية، وكانت العائلة تسكن في بيت واحد، على مساحة واسعة، كما الأسرُ القديمةُ. فكنا نبعث إليه رسائلنا، على شكل مجلة سميناها «رسالة سلام»، وكنت أضع فيها رسوماتي؛ لكي يراها، وأخبره - بشكل غير مباشر - بأنني سأصبح رساماً مثله. وبالإضافة إلى أبي، كان عمي، وقتها، طالباً في معهد الفنون الجميلة، وعمي الآخر مدرس رسم، وعمتي خريجة «فنون جميلة»، وإخوتي الأصغر مني كانت لهم صلة بالفن؛ لذا موضوع الشرارة الأولى للإبداع امتداد للأسرة، أو البيئة المحيطة بي، فهي التي هيأت لي هذا الأمر، فكان شغلي الشاغل هو تقليد والدي لأصبح مثله، الأمر الذي تمردت عليه حينما كبرت، حيث لاحظت أن أبناء المشاهير من الفنانين، تكون حظوظهم في الانتشار قليلة، إذ يبقى اسم الأب مرتبطاً بهم، فيقال: «هذا ابن فلان»؛ كلما قدم عملاً جيداً، مهما بذل فيه من جهد، فاستغنيت عن اسم أبي، واحتفظت باسم العائلة، لكي أعطي المتلقي والناقد وفاحص العمل الفني مجالاً؛ ليرى العمل بعيداً عن انتمائي إلى الأسرة الفنية، وتجنباً للمجاملة.

  • شرارة الإبداع

ما حكاية بيان «الشوبرياليزم»، الذي أصدرته عام 2020؟

 على الصعيد الثقافي، اعتدنا استيراد أشياء جاهزة ومعلبة وتداولها، وقد يكون تداولنا لها بوعي عالٍ ومتقدم، لكنها تبقى أفكارنا غير الأصيلة، فهي ابنة بيئة وزمان ومكان تختلف عنا، فكان هذا ما يشغلني حين البحث في ميدان اختصاصي (الفنون التشكيلية)، خاصة خلال دراستي للماجستير والدكتوراه، واطلاعي على كل الهوامش والأطروحات والرسائل المتعلقة بهذا الشأن، وكان أكثرها لأوروبا، بمعنى أنه كانت هناك هيمنة كاملة على تصدير الأفكار وتناقلها، بين العاصمتَيْن: (روما، وباريس). وكذلك الألمان، الذين كان لهم دور من خلال الفلاسفة المنظّرين للرأي الجمالي. أما نحن كعرب، فلم يكن لنا هذا الحضور، فأثار اهتمامي هذا الأمر جداً، وظللت أحاور نفسي في محاولة للوصول إلى نتيجة. لقد لاحظت أن لدينا في الثقافة العربية أموراً مهمة كثيرة، منها الشعر، الذي سميناه «ديوان العرب»، فتاريخهم ووقائعهم العظيمة حفظت فيه. بالإضافة إلى هذا شغلتني مسألة كون الشاعر فارساً دائماً، وأنه محط احتفاء القبيلة حين ولادته، ويمنح مكانة مميزة؛ لكونه بمثابة «وزارة إعلام ودفاع» لها، وأن القصائد كان يتم تداولها بشكل مسموع. ظللت أبحث في هذا الميدان، حتى وصلت إلى المعلقات، وإلى عنترة تحديداً، وقصة حبه الجميلة لعبلة، التي تتسم بالوفاء، وكل المعاني التي يمكن أن تعيش معنا الآن، رأيتها قصة متكاملة مبنى ومعنى، فتبلورت فكرة مشروع «عنترة»، الذي عملت عليه خلال عامَيْ: 2019، و2020، وأرفقت أعمالي فيه ببيان أصدرته عام 2020، سميته بيان «الشوبرياليزم»، وهو بيان فلسفي أشبه بالتيار والحركة الفنية الجديدة، يستفيد من الثقافة العربية وبيئتها، ويهتم بالأطروحات الثقافية الجمالية من وجهة نظر عربية. كمتلقٍّ وفنان، أومن بأنه من خلال ثقافتنا، نستطيع إيصال كل الرسائل إلى الآخر، والفن جزء مهم من الثقافة، لذلك علينا أن نقدمه بالطريقة التي يستحقها.

  • غياب فلسفي

غياب فلسفي

هل ترى إمكانية قيام مدرسة فنية عربية.. جديدة وأصيلة؟

عند دراسة التاريخ الفني العربي، نجد أن هناك غياباً فلسفياً وتنظيرياً في هذا الجانب على عكس الغرب، فالمدارس الغربية حينما قامت، ومنها: الكلاسيكية، والواقعية، وصولاً إلى الانطباعية، في عصور مختلفة، مثل: الباروك، والقوطي، والنهضة مثلاً، كانت ترافق حركتها الزمانية حركة الحياة والمجتمع، إذ إن حركة الوعي داخل المجتمعات تتماهى مع حركة الفن والثقافة، وبما أن الغرب كانوا قادة ما يسمى «عصر التنوير» (عصر الاكتشافات)، كانت كل الأشياء التي تأتي من قِبلهم لا يمكن الاعتراض عليها، إذ صارت جزءاً من حياتنا، مثل: التلفزيون، والكاميرا، وغيرهما. فهم يشكلون المدرسة الخاصة بهم، وينظّرون لها، وبالتالي ترسخت أقدامهم على الساحة. أما في الجانب العربي، فإننا لم نصدر بياناً عربياً فلسفياً فنياً خاصاً، وهذا ما نفتقر إليه لإنشاء مدرسة فنية عربية بالكامل، فكل ما لدينا أحضره فنانون ابتعثوا للدراسة في الخارج أيام تأسيس الدول بعد الاستقلال، ورجع كل منهم حاملاً تجربة وفكر أستاذه، ووظفهما في أعماله. ونحن بذلك نتجاهل قضية مهمة، هي أننا كعرب كان لدينا فنٌّ حقيقي في عصر الدولتين الأموية والعباسية، لكننا لم نستفد من هذا الأمر، ولم نوظفه بطريقة حقيقية، ننظّر لها، فتردم الهوة الفكرية الفلسفية الموجودة بيننا وبين الفن وأصالة هويته. فالفن وسيلة لإيصال صوتنا وفكرنا إلى الآخر، لذلك يجب أن يتسم ب«المحلية».

  • لا قيمة للوحةٍ لا تثير التساؤلات

شاركت في مهرجان «أيام العربية» الذي أقيم بأبوظبي، وكان «الدبدوب الأحمر» حاضراً بقوة إلى جانب عنترة، فما قصته في لوحاتك؟

لوحاتي التي شاركت بها، هي من مشروعي، الذي كنت أعمل عليه لمدة خمس سنوات. والشخصيتان الرئيسيتان فيه، هما: «عنترة»، و«عبلة»، ودعمتهما بأشياء أخرى؛ لإثارة الدهشة في الرسومات، فاخترت «الدبدوب الأحمر»، الذي صار في مجتمعاتنا دلالة على الحب الذي يتبادله العشاق؛ فاستخدمته كأيقونة تستفز المتلقي، وتسحبه إلى منطقة الدهشة، وتثير لديه التساؤلات؛ لأن اللوحة التي لا تستدعي سؤالاً لدى المتلقي - بالنسبة لي - لا قيمة لها. «الدبدوب الأحمر» جزء من الواقع الزماني الذي نعيشه الآن، فكان ما يشغلني في العمل هو كيفية تسييل الزمان داخل السطح التصويري للوحة، بحيث يكون غير محدِّد لي، ويتيح التحرك برشاقة في المساحة والابتكار.

  • تسييل الزمان داخل السطح التصويري للوحة