ندى الحاج: بيتنا كان مسرحاً دائماً.. أكتب فصوله وأمثلها

«لولا الأدب والفنون؛ لتسطحت الحياة، وتحوَّل الإنسان إلى آلة جرداء خالية من أي معنى».. بهذه الكلمات، التي تعيدنا إلى الفلسفة، وعمق الكتابة، بدأت الشاعرة والإعلامية ندى الحاج كلامها، وهي تحمل كتاب «وردةُ الذهب»، الذي قامت بإعداده، بمبادرة من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون. أن تأتي الشاعرة؛ لتتحدث عن مح

«لولا الأدب والفنون؛ لتسطحت الحياة، وتحوَّل الإنسان إلى آلة جرداء خالية من أي معنى».. بهذه الكلمات، التي تعيدنا إلى الفلسفة، وعمق الكتابة، بدأت الشاعرة والإعلامية ندى الحاج كلامها، وهي تحمل كتاب «وردةُ الذهب»، الذي قامت بإعداده، بمبادرة من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون. أن تأتي الشاعرة؛ لتتحدث عن محطات في تجربة والدها الشاعر أنسي الحاج، فهي مناسبة حقيقية للاطلاع - عن قرب - على تجربتها، وخصوصية البيت الذي عرفت فيه نور الكلمة. وكم هو جميل أن تكون ابنةُ الشاعر شاعرةً، لها بصمتها، وحساسيتها؛ لهذا ليس غريباً أن تحمل بصمتها الخاصة، وأسئلتها حول الشعر والوجود والكون. وكما تحمل تجربة ندى الحاج صورة الأب، فهي تحمل، كذلك، صورة الأم التي كانت تمسك بيدها إلى المسرح؛ لتدخل بعدها «لعبة التمثيل»، وتطلع على نصوص مسرحيات عالمية، وتمارس الصحافة الثقافية، فتحضر بيروت، وتحولات الفصول في نصوصها: «عابر الدهشة»، و«خطوات مِن ريش»، و«تحت المطر الأزرق»، والكثير.. «زهرة الخليج» التقت ندى الحاج، أثناء زيارتها إلى أبوظبي، فتحدثت عن خصوصية البيت الذي تربت فيه، وحفاظها على إرث والدها الأدبي، ورؤيتها الأدبية الخاصة:

  • ندى الحاج: بيتنا كان مسرحاً دائماً.. أكتب فصوله وأمثلها

حدثينا عن ابنة الشاعر، وهي تروي أهم محطات تجربة والدها!

كوْني ابنة الشاعر أنسي الحاج، فقد كان لهذا دور محوري في تكويني منذ طفولتي وحتى اليوم؛ لأنني أدرك أهمية هذا الأمر، الذي أسعى باستمرار إلى صقله، عبر خطوات أنجزها للحفاظ على إرث والدي منذ رحيله الجسدي، وإبقاء شعلته الأدبية متقدة؛ من خلال إعادة إصدار كتبه الشعرية والنثرية، وبعض كتاباته غير المنشورة، التي أوصاني بها. 

مسؤولية أدبية

جاء حديثك عن سيرة والدك منسجماً مع شعار معرض أبوظبي الدولي للكتاب «هنا تسرد قصص العالم».. كيف ذلك؟

صدر، أواخر شهر أبريل 2024، عن دار «المتوسط»، كتاب مختارات أنسي الحاج الشعرية بعنوان «وردةُ الذهب»، الذي قمتُ بإعداده بمبادرة من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون. وكان حاضراً في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2024، حيث أقيمت ندوة حوارية بيني وبين الشاعر والناقد سامح كعوَش، حول علاقتي الإنسانية بوالدي ومنجزه الشعري، في ريادة حركة قصيدة النثر منذ ستينيات القرن الماضي، تلاها توقيعي للكتاب ضمن مبادرة «رواق الأدب والكتاب». وأشكر، بهذه المناسبة، مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون على مبادرتها الغالية.

ما مدى مسؤوليتك عن الحفاظ على تراث والدك، ونقله إلى الأجيال؟

 نقل تراث والدي الأدبي إلى الأجيال، هو أقل ما يمكن فعله، حفاظاً على ذكراه الأدبية، ونشر فكره الإنساني الرؤيوي؛ لتعرفه الأجيال من خلال كتاباته الشعرية والنثرية، التي صورت مرحلة ذهبية من «لبنان الثقافة والفن والانفتاح». فكتابات أنسي الحاج سبقت زمنها، ولا تزال حية نابضة تواكب حركة العصر، وتشكل فصلاً مهماً في تاريخ الشعر العربي الحديث. بعد غياب والدي، أصدرتُ له كتاب «كان هذا سهواً» عن دار «نوفل» 2016. ثم أشرفتُ على إصدار أعماله الشعرية الكاملة، عن دار «المتوسط» 2013، ونستعد مع الدار نفسها؛ لإعادة إصدار مقالاته النثرية بأجزائها الثلاثة: «كلمات كلمات كلمات»، تتبعها «خواتم» (1)، و(2)، و(3).

  • وسيلة للتواصل

خصوصية بيتكم.. كيف أثرت نشأتك في تجربتك الحياتية والإبداعية؟

تربيتُ في كنف والدين يعشقان الأدب والفن، وقد كانت الكتابة والشعر والمسرح والموسيقى عناصر أساسية في حياتي، فلم أعرف الواقع خارجاً عنها، إلا حين اندلعت حرب لبنان الطويلة، فكانت الصدمة التي غيرت حياتي وحياة أجيال لبنانية كاملة. لم أتدرج في الحياة بشكل عادي، بل تكيفت معها، ومع آثار الحرب، بكتاباتي التي كانت متنفَساً لي. أحببتُ خشبة المسرح، وخضتُ تجربة التمثيل، وترجمتُ مسرحيات عدة من «الفرنسية» إلى «العربية»، ومارستُ الصحافة الثقافية لمدة ربع قرن، وظل الشعر جوهر حياتي. وحافظتُ على هويتي الشعرية، بعيداً عن تأثير والدي، فهو لم يتدخل أبداً في أسلوبي الشعري، حرصاً منه على تبلور شخصيتي بحرية.

وسيلة للتواصل

ما القصص والذكريات، التي شكلت مسارك الأدبي والثقافي؟

تأثرتُ بالأجواء المسرحية، التي أحاطت بطفولتي ومراهقتي، بمرافقتي والدتي «ليلى» إلى مدرسة المسرح الحديث التي التحقت بها، حيث كانت تؤدي تدريبات على العروض المسرحية الكلاسيكية المترجمة إلى «العربية الفصحى»، بإدارة المخرج منير أبو دبس؛ فكان بيتنا مسرحاً دائماً، أكتب مَشاهد فصوله، وأمثلها.

كيف يكون الأدب وسيلة للتواصل، وتعزيز الثقافة والتراث، وهل هناك دور مجتمعي للشاعر اليوم؟

الأدب دائماً مرآة المجتمع والحياة، يساهم في رقيّهما، ولولا الأدب والفنون لتسطحت الحياة، وتحوَّل الإنسان إلى آلة جرداء خالية من أي معنى. فكيف للحب أن يزهر؛ من دونها؟.. وهل يمكن للمشاعر الإنسانية أن تأخذ حقها في التعبير، لولا هذه الأشكال الأدبية، وتلك الأعمال الفنية، التي خلدتها ولا تزال؟

تكتبين قصيدة النثر، فما خصوصية المرأة في الكتابـة؟

لا أحب التصنيــــفات، سواء فــــــي الشعر أو في غيره، والشعر الذي أكتبه يشبهني كـ«شاعرة امرأة»، وبالتأكيد للمرأة حساسيتها وعوالمها الداخلية، التي قد يشاركها فيها «الرجل الشاعر».

كيف كان ينظر أنسي الحاج إلى نصوصك الشعرية؟

رافق والدي خطواتي الأولى في كتابتي الشعرية، دون أن يتدخل في قصائدي، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فقد كان يحترم مساحتي التعبيرية، وشخصيتي الأدبية، وكان دائماً فخوراً بي، كما عرفت من بعض أصدقائه في ما بعد. ومنذ رحيله، أصدرتُ: «تحت المطر الأزرق» 2015، و«عابرُ الدهشة» 2020، و«خطواتٌ من ريش» 2023، ورغم ذلك رافقني حضوره في كتبي هذه، أقوى من سابقها. 

  • الشعر يصل إلى جمهور أوسع بالغناء

هل يساعد غناء قصائدك في تعزيز مكانتك كشاعرة؟

لا شك في أن الموسيقى والشعر يترافقان بقوة حال لقائهما على الموجة نفسها؛ فالشعر يُقرأ بإصغاء القلب، ويُسمع عبر صوت قارئ متذوق، كما يحلِّق على أجنحة الموسيقى والغناء الراقي الجميل. ومن المؤكد أن الشعر يصل إلى جمهور أوسع بالغناء، خاصة مع صوت مثل صوت المطربة ماجدة الرومي، والسوبرانو والمؤلفة الموسيقية هبة القواس، اللتين فرحت جداً بالتعاون معهما.

نور الكلمات

ببعد شفاف.. يتداخل في قصائدك الحسّ الفلسفي مع الشعري، ما أكثر التجارب الأدبية التي أثرت فيك؟

قصائدي تعكس رؤيتي للحياة، فلا أكتب للتعبير عن مشاعري وحسب، بل أيضاً عن نظرة وإحساس كوْني بكل ما يحيط بي؛ فالكلمات مفاتيحي، والنور وجهتي. تأثرت بتجربة والدي أنسي الحاج؛ لأني عرفته كإنسان عن قرب، وأُعجبتُ بلغته التي ابتدع بها جواهر تشبهه نثراً وشعراً، وفتحَ بها أوسع الآفاق. كما تأثرت بالشاعرة اللبنانية الفرنكوفونية ناديا تويني، تلك الإنسانة الرائعة التي تجمع في شخصيتها وشِعرها بين العمق والرقة والقوة الداخلية، وقد ترجمتُ - بمشاركة الأديبة مي منسي - ديوانها «محفوظات عاطفية لحرب في لبنان»، من «الفرنسية» إلى «العربية». 

كشاعرة.. ما التحديات التي تواجهينها في عالم الأدب، وكيف تتجاوزينها؟

التحدي موجود كي نواجهه، ونكتشف من خلاله قدراتنا. لكنني بطبعي لا أتحدى الآخر، بل أتحدى نفسي. ولا أبحث عن الشهرة، بل أكتب في عزلة الظل، وما يهمني هو أن أتطور وأتجدد، وأكتشف وأتواصل من خلال شعري، الذي ينطلق من الذات؛ ليلتقي الآخر، ويعانق الكون.

كيف توازنين بين حياتك الشخصية والمهنية؟

لا يمكن أن أفصل بين حياتي الشخصية والمهنية كشاعرة وكاتبة؛ فالحالة الشعرية تسكنني على أرض الواقع اليومي، كما في أحلامي؛ والشعر حاضر في كل شيء، فهو يكمن في الحياة بتفاصيلها، والتعامل مع الذات والآخرين، في الإحساس بالأشياء، والترقب والإصغاء إلى التموجات والفصول وتعاريجها ومفاجآتها. 

هل لدى ندى الحاج عادات تساعدها على الإبداع والكتابة؟

التأمل والمشي في الطبيعة، وكذلك السفر، والاستماع إلى الموسيقى، والسكينة التي يمنحني إياها الليل للقراءة والكتابة، والأهم التجربة التي منها يولد الشعر، فتتجدد جذوته.