مبنى غرفة تجارة وصناعة أبوظبي.. رمز للتنمية والابتكار
التراث ليس مقتصراً على الماضي البعيد، وإنما يمتد أيضاً إلى الوقت القريب. ومن هذا المنطلق، جاءت مبادرة الحفاظ على التراث الثقافي الحديث، التي أطلقتها، مؤخراً، دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وتشمل 64 معلماً وموقعاً ومبنى تراثياً حديثاً في الإمارة.. في هذه الزاوية نستعرض أهمها.
لكل مبنى شيّد في مدينة أبوظبي، خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، بصمة فريدة ارتبطت بذاكرة المجتمع، فإلى جانب قيمتها الهندسية، تسهم هذه المباني في تكوين المجتمع، وتعزيز روح الانتماء والهوية، ومبنى غرفة تجارة وصناعة أبوظبي واحد من تلك المباني، التي تحمل قيمة تاريخية واقتصادية واجتماعية، فاستحق - بجدارة - أن يكون ضمن قائمة الحفاظ على التراث الثقافي الحديث، التي أصدرتها دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، العام الماضي.
يبرزُ مبنى غرفة تجارة وصناعة أبوظبي شاهداً حياً على مسيرةِ التطورِ الاقتصادي لإمارةِ أبوظبي، فهو يجسد رؤية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أصدر، عام 1969، مرسوماً أميرياً؛ بصفته حاكماً لإمارة أبوظبي، ينص على إنشاء غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، نظراً لأهمية مثل هذه المؤسسات في لعب دور محوري لتعزيز التنمية الاقتصادية، من خلال تمثيل مصالح الشركات الخاصة العاملة في الإمارة، ودعم نموها، وحماية مصالحها، فضلاً عن تعزيز الابتكار، وريادة الأعمال، وجذب الاستثمارات الأجنبية.
رمز للتنمية
وتأكيداً على أهمية الدور، الذي تؤديه غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، كان لا بد من تشييد مبنى خاص بها، يرمز إلى طموحات إمارة تريد أن تصبح مركزاً تجارياً عالمياً. واختار القيمون على المشروع الموقع، وناقشوا المناقصات؛ لاختيار الأنسب لتشييد المبنى. وفي عام 1980، افتتح المبنى ذو التصميم المبتكر في موقع استراتيجي على كورنيش العاصمة؛ ليصبح المبنى المكون من 21 طابقاً، جزءاً أساسياً من أفق كورنيش المدينة، ورمزاً للتنمية الاقتصادية، والتطور الاجتماعي في الإمارة.
بساطة التصميم
إذا سرت على الكورنيش، ونظرت باتجاه المبنى، ستلاحظ وقوفه شامخاً، وسط الأبراج الشاهقة المحيطة به، التي تغطيها واجهات زجاجية عصرية، تعكس ضوء الشمس ببريق مبهر، متباهياً ببساطة تصميمه الخالي من الألوان والزخارف، ومعتمداً على قوة خطوطه الهندسية الواضحة، ومثيراً التساؤل حول قيمة الجمال في عصر السرعة والابتكار، فهل تقاس قيمة المباني بزخرفاتها وزجاجها المبهر، أم ببساطة تصميمها وقوته، وقيمتها التاريخية ورمزيتها، ومدى ارتباطها بوجدان المجتمع؟
ويجذب مبنى غرفة تجارة وصناعة أبوظبي الأنظار إليه، ببساطة تصميمه المعماري العصري؛ فهو ذو شكل أسطواني مضغوط قليلاً، وواجهته مكونة من نوافذ مستطيلة عدة، تغطي تقريباً مساحتها؛ فتبدو كأنها شبكة، ما يسهم في مظهر أنيق ومعاصر، رغم مرور أربعة عقود على بنائه.
ولا يمكن عدم ملاحظة المبنى وسط بقية المباني، بفضل الجزء العلوي من واجهته، المزين باسم الغرفة باللغتين العربية والإنجليزية، وشعار الغرفة باللون الأخضر على خلفية باللون البني كما رمال الصحراء، ما يضفي لمسة من الأهمية الثقافية على جمالية التصميم الهندسي، ويذكّر ببطاقة التعريف التي يعلقها موظفو المؤسسات والشركات على صدورهم، تعريفاً بهويتهم، وتأكيداً على انتمائهم إلى هذه المؤسسة أو تلك، فالمبنى هنا يبدو كأنه يعلن عن هويته، ويؤكد انتماءه إلى أبوظبي.
أما قاعدته، فتتميز بأقواس شاهقة جميلة، خالية من الزخرفات، فهي مستوحاة من العمارة الإسلامية، وشهادة حية على الهندسة المعمارية السائدة في ذلك الوقت، التي تمثلت في دمج الحداثة والتراث، حفاظاً على هوية المدينة.
قيمة تاريخية
يجسد مبنى غرفة وتجارة أبوظبي قيمة الصمود والخلود في زمن سريع التغير، فبساطة خطوطه الهندسية المتقنة تثير مشاعر الإعجاب والتقدير، وتضفي عليه قيمته الفريدة، فهو رمز للتنمية المستدامة للإمارة، وواجهة لدور القطاعِ الخاص في تعزيز اقتصاد المدينة. كما يمثل إبداع الإنسان الإماراتي، وقدرته على استغلال الموارد المتاحة؛ لبناء صروح حضارية، تتخطى حدود الزمان، مجسداً طموحات شعب مصمم على بناء مستقبل مشرق.