نادية الشامسي: العيد في الإمارات.. طقوس فريدة وتلاحم مجتمعي
باحتفال ينبض بالفرح، ويوقظ الذكريات.. تستقبل دولة الإمارات العيد بطقوس تحفل بمآثر الآباء والأجداد، وعادات وتقاليد أبناء الإمارات، التي تحظى بروابط وثيقة، تجمعهم مع بقية الشعوب العربية والإسلامية، حيث تعم بهجة العيد الأرجاء، وتتجلى من خلال ابتسامات الأطفال، وتبادل التهاني والزيارات، والتلاحم الاجتماعي. تحدثت الوالدة، نادية الشامسي، حامية التراث بمركز الصناعات التراثية والحرفية، التابع للاتحاد النسائي العام، في حوارها مع «زهرة الخليج»، عن خصوصية عيد الأضحى، وتفرده بطقوس تميزه عن عيد الفطر، لكن تبقى البهجة عنصراً مشتركاً بينهما، بأن عيد الفطر يتميز بالملابس الجديدة، والتزين بالحناء والمشغولات الذهبية، والاستمتاع بالألعاب الشعبية، والفوالة والعيدية. بينما يتميز عيد الأضحى بذبح الأضاحي، وتجهيز اللحم والبهارات، بطرق تقليدية تجمع الأسرة، وتعزز الروابط الأسرية والاجتماعية، حيث كانت النساء يجتمعن في بيت واحد؛ لدق الملح الخشن، الذي يجلبه الرجال من البحر؛ لتمليح اللحم، إضافة إلى دق البهارات، وتنظيف البيوت، وخياطة الملابس، وطهي اللحم على الحطب.. تالياً نص الحوار:
ما الصور العالقة بذاكرتك عن طقوس العيد؟
(تبتسم) تتجلى صور جميلة عدة في ذاكرتي حول طقوس العيد، بدءاً من انتظار صباح العيد بفارغ الصبر؛ لارتداء الزي الجديد، إذ كنا نضع الملابس الجديدة تحت الوسادة؛ لنرتديها في الصباح المبكر؛ استعداداً لصلاة العيد، وصولاً إلى لحظة تبادل التهاني، والحصول على العيدية، والذهاب وقت العصر إلى ساحة اللعب، حيث كنا نستمتع بأجواء «المريحانة»، والأجواء الدافئة لزيارة الأهل والأصدقاء، وكذلك بمشاهدة «العيالة»، وهي تؤدي الشعر، والنشيد المُغنى. وكان الأجداد يحرصون على جلب الأضاحي إلى البيت؛ ليفرح بها الأطفال حينما يجتمعون ويلعبون. كانت أياماً جميلة بكل تفاصيلها البسيطة، ومشبعة بالقيم والمعاني، فننهل من شعائرها مفاهيم: التراحم، والتسامح، والود، تلك المفاهيم التي أسعى إلى ترسيخها داخل أسرتي؛ ليتعلم الأحفاد السنع الإماراتي، ويفهموه ويتعلقون به، ويوقنون أن مفهوم العيد لا يقتصر على الثوب الجديد، بقدر ما هو مشاركة وتواصل مع الأهل، وفهم مقاصد هذه المناسبة الدينية الجليلة، ومنهجها.
روابط إنسانية
ما السمات البارزة، التي ارتبطت بالعيد في الإمارات؟
التجمع العائلي، والاجتماع مع الأصدقاء، وصلة الرحم، وتعزيز الروابط الإنسانية، وتبادل زيارات المعايدة.. كلها سمات ارتبطت بالعيد، إضافة إلى بقية طقوسه، ومظاهره الاحتفالية، التي تجلب معها الفرح والسرور إلى نفوس الصغار والكبار، على حدٍّ سواء.
حدثينا عن أجواء عيد الأضحى قديماً!
عيد الأضحى، كان يُطلق عليه أيضاً «عيد الحج»، حيث يستعد الأهل لاستقبال الحجاج، الذين كانوا يسافرون على متن السفن، أو على ظهور الإبل. وتكتمل الفرحة بذبح الخرفان؛ احتفالاً بسلامة وصولهم، بينما تتعاون نساء الفريج على إعداد «فوالة العيد»، وخياطة ملابس الأطفال على ضوء «الفنر». وتجهز النساء بعض المأكولات لصباح يوم العيد، مثل: «الخبيص، والهريس، والعرسية، والرقاق، والخمير، والخنفروش»، ثم يعطرن البيوت بالدخون، التي لها مكانة كبيرة في المجتمع الإماراتي.
مما تتألف «فوالة العيد»؟
تتكون من مأكولات تقليدية عدة، مثل: «العصيد، والهريس، والعرسية، والقرص، والرقاق، والبلايط، والخنفروش»، وتعتبر جزءًا لا يتجزأ من تقاليد الاحتفال بعيد الأضحى في الإمارات. وكان الناس قديماً يذبحون أضحيتين، فيوزعون واحدة على الجيران، بينما الثانية تكون لأصحاب البيت؛ لحرصهم الكبير على إسعاد الآخرين، ومد يد العون إليهم، ومن العادات، أيضاً، اجتماع النساء في بيت إحدى الجدات، والرجال في بيت كبير السن، ليتناولوا وجبة الغداء في مجموعات وسط فرحة كبيرة.
هل كانت هناك طرق معينة؛ لطهي اللحم؟
عادةً، تقوم النساء بغسل وتمليح لحم الأضحية، ويضفن حبات تمر في قدر مع البهارات الحلوة؛ لتغلي قليلاً، ثم يتم دهن اللحم بها، ثم يفرشنه على نبات الشوع، أو ورق المانجو، أو الموز، ويغلفنه بالخيش. وفي عمل جماعي، يقوم رجال «الفريج» بتجهيز حفرة كبيرة، تتسع لعدد من الذبائح، يوضع فيها الحطب، وتوقد النار إلى أن يفتر لهيبها، ثم يوضع اللحم داخل هذه الحفرة لمدة 12 ساعة على الأقل؛ ليستمتع الجميع بتناول أطيب أنواع اللحم بعد طهيه.
حلة بهية
حدثينا عن استعدادات المرأة لاستقبال العيد!
تستعد النساء والفتيات للظهور بأبهى حلة، بارتداء الزي التراثي الجميل، وكذلك نقش أيديهن بالحناء الحمراء ليلة العيد، إذ كانت جلسات الحناء في السابق تنثر البهجة في «الفريج»، حيث كانت تجتمع الأمهات والفتيات، قبل العيد بيومين أو ليلة العيد؛ لتخضيب اليدين، والتزين بالنقوش الجميلة، بينما تعمل الجدات على تزيين البنات بالحناء، وربط أيديهن بالقماش؛ ليشكلن نقشة، تتخذ شكلها من ضم اليد. واليوم يرسمن أشكالاً فريدة ومميزة بألوان مختلفة في مراكز التجميل، التي تشهد طلباً، وينتعش سوقها قبل وأيام العيد؛ فلا تكمل زينة المرأة إلا بنقوش الحناء.
هل اختلفت نقوش الحناء القديمة، عن الحديثة؟
لا شك في أن هناك اختلافاً، لكن النقوش القديمة أصبحت موضة رائجة في هذه المناسبة السعيدة، ومنها: «الروايب» لكبيرات السن، بينما تُزين الشابات أيديهن بنقوش خفيفة، مستوحاة من نقوش الجدات، ومنها: «الأهلة»، و«المثلثات»، و«الشراع»، وأخرى عصرية مستوحاة من روح الإمارات، مثل: الفوانيس، والنخيل، وسواها من النقوش التي تم تجديدها بما يتناسب مع ذوق هذا الجيل. بحكم معاصرتي لأكثر من جيل؛ لاحظت أن الإقبال بات كبيراً على تزيين اليدين بالحناء، وتنتشر بأنواعها خلال الأعياد والمناسبات والأمسيات العائلية والتجمعات، وتعتبر رمزاً لعناية المرأة بجمالها، وهي شكل قديم من أشكال الزينة، التي عرفت بتنوعها.