منى الكندي: جائزة محمد بن راشد للغة العربية غيَّرت حياتي
شخصية قيادية منذ الطفولة، فهي تمسك بمقاليد الأمور بكل شجاعة، وتجيد السيطرة على مجريات الأحداث في أي مجال توجد به. ولم يقتصر شغفها التقني على اختيار تخصص جامعي فحسب، بل استمر معها، ما ساهم في تحقيق إنجازات كثيرة بمجال الذكاء الاصطناعي، والتعليم باللغة العربية. كذلك، هي سريعة التصرف، ومحبة للتجريب، وتؤمن بأفكارها، وإن كانت غير مقبولة من قِبَل الآخرين؛ فالتفاؤل والإيجابية في جيناتها، التي انتقلت إليها من والدها. في عشرينيات عمرها، نالت أولى جوائزها، وما زالت تسعى في مجالها بالشغف والتفاني نفسيهما، محققة جوائز جديدة، ومساهمة بكل سخاء في نشر العلم.. «زهرة الخليج» التقت الإماراتية منى الكندي؛ لتتعرف إليها عن قرب، وتدخل إلى عوالمها الملهمة؛ فكان هذا الحوار:
نافذة ممتدة
عن بداياتها، التي هيأتها لما أصبحت عليه الآن، تحدثنا منى: «درست (الثانوية) في مدرسة فاطمة بنت الخطاب، أشهر مدارس مدينة العين، فكانت بمثابة صقل لشخصيتي القيادية، ورغم أنني تخرجت بمتوسط الدرجات، فإنني كنت دائماً محط اهتمام المعلمات، في تنظيم الفصول، ورعاية الطالبات».
وبمجرد انتقالها إلى المرحلة الجامعية، اتسع أفق حياتها، وأيضاً طموحاتها؛ تقول عن تلك المرحلة: «في الجامعة شعرت باتساع الدنيا، وأصبح المجتمع أكبر، وبالتالي الطموح بدأ يكبر. في ذلك الوقت لم تكن النوادي الطلابية متوفرة إلا في السكن الطلابي، فبدأت أنظم نادياً جديداً مع زميلاتي من العين، بغض النظر عن تخصصاتنا؛ ما أسهم في اتساع دائرة معارفي، والاستفادة من التجارب المتنوعة». وتابعت: «سعيت، مع زميلاتي، إلى تأسيس نادي (بصمة نجاح في جامعة الإمارات)، النادي الذي بدأت فكرته عام 2006، ولم يتم الاعتراف به حتى 2008، وكان محطة مهمة وملهمة في حياتي». وتكمل منى الكندي: «الجامعة كانت نافذتي الممتدة على العالم، إذ كانت لديَّ أنشطة أخرى، أقوم بها بعد انتهاء يومي الدراسي، فكنت أذهب إلى الجامعة الساعة الـ7 صباحاً، وبعد انتهاء محاضراتي أتوجه إلى مركز لتحفيظ القرآن. وفي الأيام الأخرى، كنت أشارك في فعاليات مختلفة، مثل: المسرحيات، وأنشطة جمعية النهضة الظبيانية، ولطالما حظيت بدعم أمي، ما جعلني أستمر في ما أفعله».
وأضافت الكندي: «أصبحت جزءًا من كيان الجامعة؛ ما جعلني مرشحة للعودة بعد التخرج كمعيدة»، وتبين: «من المفارقات الجميلة في حياتي، أنه تم رفضي من قِبَل كلية المعلومات التقنية في الجامعة كطالبة، لكنها في عام 2020 استقبلتني كضيف شرف؛ لعرض ابتكاري لديها، فرفضها لي لم يمنعني من إكمال طريقي؛ فظل شغفي يرافقني، فقد لا يكون تخصصي الذي أردته، لكنه شغفي الذي استمر معي».
الجائزة الأولى
بعد تخرجها في الجامعة، بدأت ملامح طموح منى تتضح أكثر، وعن هذه المرحلة تخبرنا: «بعد تعييني معيدة في جامعة الإمارات؛ صرت مُحَاضِرَةً في (وحدة المتطلبات الجامعية) عام 2013. بعدها بأقل من عام، انتقلت إلى (مركز التعليم المستمر) في الجامعة نفسها، بقسم اللغة العربية، فعملت هناك في مركز كفاءات اللغة العربية، قسم الاختبارات، وظللت أعمل فيه حتى عام 2020. وقد اكتسبت، خلال تلك السنوات، خبرةً ومعرفة ومهارات، أهلتني لأرسم ملامح المرحلة اللاحقة من حياتي».
وعن الطموح والعطاء، تضيف: «إذا شعرت بأن عطاءك في المكان، الذي تعمل به قد بلغ مداه، فعليك أن تفكر في خطوة جديدة، فهناك من يأنس بالبقاء في منطقة الراحة، تلك المنطقة التي لا تعجبني، وأشعر بأنها خطر يحدق بي، ويجب عليَّ الهروب منها، مستجيبة لـ(جرس الإنذار) الذي يرن برأسي حال دخولها، وهذا الهروب جزء من شخصيتي، ليس على مستوى العمل فحسب، وإنما بشكل عام، فحينما أعتاد أمراً ما أكسره؛ لذلك تركت العمل في المركز، الذي كانت سنوات عملي فيه محطة فارقة في حياتي؛ فخلالها حظيت بالمشاركة في أول جائزة بحياتي، هي جائزة محمد بن راشد للغة العربية، عام 2015، حيث عملت بكل ما أوتيت من قوة على المشروع الفائز بالمركز الأول. وقد غمرني سعادةً تكريمُ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، رغم أنني لم أكن الشخص الرئيسي في الجائزة، بل كنت مساهمة فقط، ما جعلني أشعر بقدرتي على الوصول إلى أشياء أكبر، فحينها كنت أبلغ 25 عاماً، فقررت التخطيط لأمور أكبر، تتجاوز طموح الفوز بجائزة إلى التفكير في تغيير ملامح التعليم إلى الأفضل. من هنا، تكوَّنت لديَّ ملامح أخرى، وبدأت التفكير في رفع مستوى سقف طموحاتي». واختتمت حديثها بتأكيد طموحها المستمر، قائلة: «هذه التجربة جعلتني أتطلع، دائمًا، إلى التحديات الجديدة، والتطور المستمر، وأنا متحمسة لرؤية ما ينتظرني في المستقبل».
ابتكار.. وتجارب
اتخذت منى خطوات جريئة، تعكس حبها للتجريب، وتطلعها الدائم نحو التطور؛ فبعد تخرجها في جامعة الإمارات، انتقلت إلى العمل في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، فتروي تجربتها هذه، قائلة: «انتقلت إلى جامعة لم أكن أعرف عنها شيئًا، وواجهت هذا التحدي بروح المغامرة، فهذه هي روحي الملهمة، التي أجدها لدى والدي، فهو قدوتي في الإقدام وعدم اليأس. منذ ذلك الحين، بدأت رحلة الابتكار والتجارب، التي ملأت حياتي إنجازات ملهمة».
وخلال السنوات، من 2020 إلى 2024، حققت منى إنجازات كثيرة. ففي عام 2021، سعت إلى الحصول على دبلوم لمشروع مبتكر، لم يعترف أحدٌ به منذ عام 2015، حيث عرضته كمشروع تخرج في جامعة حمدان بن محمد الذكية. وكذلك، عملت على تطبيق يستخدم نظام الواقع الافتراضي؛ لإنشاء مدن تعليمية للمستقبل، وقدمته بمعرض المرأة المخترعة في كوريا، وعن ذلك تقول: «المشروع يتناول فكرة مدن تعليم المستقبل، فقد عملت على تطبيق يعمل بنظام نظارات الواقع الافتراضي، وأنشأت فيه فصلاً دراسياً، وممراً، وردهة مطاعم، فمثلاً يسجل الطالب في فصل افتراضي، يمكن أن يكون أستاذه سيبويه، أو ابن خلدون، وذلك بعد ضخ كل البيانات الخاصة بهذه الشخصيات في التطبيق عن طريق الذكاء الاصطناعي بما يتناسب مع الجيل الجديد وفهمه، مع الاحتفاظ بالمصطلحات العلمية الخاصة بهذه الشخصيات، وبهذا نكون كسرنا (الحاجز الزمكاني)، وأعدنا إحياء العلوم ونشرها، واستئناف الحضارة التي نُسيت، ولم تعد كتبها تُقرأ». وتردف الكندي: «شاركت في هذا المشروع عن طريق عضويتي في مخترعي مجلس التعاون الخليجي في كوريا، خلال ملتقى معرض المرأة المخترعة، حيث فعلت كل ما بوسعي للمشاركة، وحصلت بعد التقييم على الجائزة الذهبية، وكنت المرأة الوحيدة التي حصلت على براءة اختراع من مركز براءة الاختراع في كوريا، من بين 365 مشاركاً».
عام 2023، قامت منى ببحث حول أوامر التوجيه في الذكاء الاصطناعي الإنشائي، وتوضح: «توصلت إلى نظرية جديدة تسمى (الجينوم اللغوي)، تهدف إلى صنع خرائط جغرافية لغوية معتمدة على كل المعاجم اللغوية العربية الموجودة لديها، كما يمكنها تشخيص المشكلات اللغوية وتحليلها؛ بهدف إفادة الأجيال الجديدة، والمساعدة في الدراسات اللغوية المختلفة. وقد قدمت هذه النظرية في مؤتمر اللغة العربية والذكاء الاصطناعي بالشارقة خلال أبريل الماضي، وأستعد لتقديمها بمؤتمر في بولندا. فأوروبا موطن اللغويين واللسانيين الكبار، ومنهم تشومسكي، الذي راسلته شخصياً؛ لأخبره بهذه النظرية. كما حصلت على الدكتوراه الفخرية في الذكاء الاصطناعي من (البورد الأميركي - الكندي)، وكرمت بها في ملتقى المبدعين العرب».