إن أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الإنسان، هو العنف المبني على التمييز النوعي، والاستعلاء الجندري، إن صح التعبير، وهنا أصف ذلك العنف، الذي يُمارس على أساس النوع، وأخص المرأة التي مازالت تتعرض للعنف، القائم على الاستعلاء الجندري، في الكثير من أركان العالم.
ترصد إحصاءات منظمة الأمم المتحدة أن 30% من النساء حول العالم يتعرضن للعنف بشكل مختلف، جسدياً أو رمزياً، وهذه نسبة كبيرة تدفعنا إلى التواصل حول دور الوعي الجندري في ممارسة العنف ضد المرأة.
المرأة - منذ بداية الحضارة البشرية، ونشأة المجتمعات الزراعية - تعرضت لتحول نوعي في علاقتها مع شريكها، فبعد أن كانت رفيقة وشريكة في آليات الحياة اليومية؛ عندما كان الإنسان يعيش على الجمع والصيد، وكان هناك توزيع للأدوار بينها وبين الرجل، ويتشاركان معاً حياتهما المجتمعية البسيطة، ثم بعد نشأة المجتمعات الزراعية المعقدة؛ صار ينظر إلى المرأة كجزء من أجزاء الملكية الخاصة للطرف الأقوى، وبدأ يتسلل إلى الضمير الجمعي للبشرية ذلك التمييز الجندري، الذي تطور إلى حالة من الاستعلاء. ومع هذا التحول، اكتسب الشريك الحق الزائف في ممارسة العنف ضد المرأة، تحت الكثير من المسميات، التي تحصنت، أحياناً، خلف التعاليم المقدسة للأديان.
هناك دول كثيرة لديها قوانين تجرم العنف ضد المرأة، مادياً أو رمزياً، لكن تبقى القضية الكبرى ارتفاع نسبة العنف ضد المرأة قائمة في الوعي واليقين لأفراد المجتمع، وبقايا شعور الملكية في الضمير الجمعي لكثير من المجتمعات.
ونحن، في دولة الإمارات، حققنا تطوراً كبيراً في معالجة هذه الإشكالية؛ فلدينا قانون صارم ضد العنف الأسري، ولدينا وعي مجتمعي، عمل على خفض معدلات العنف ضد المرأة إلى أدنى مستوياتها، التي لا تؤثر في السِّلْم المجتمعي.
لكن، هل هذا يجعلنا ننغلق على ذاتنا، ونغمض العين عن المعاناة التي تعيشها المرأة في الكثير من مناطق العالم، ويعرض السلم المجتمعي في تلك المناطق للاعتلال؟!.. وطبقاً لنظرية «تأثير الفراشة»، فإن اهتزاز السلم المجتمعي في بقعة ما من الأرض، سيؤثر بصورة ما في بقية العالم. لا بد أن نشعر بمعاناة شركائنا في الإنسانية، دون انتماء قومي، أو ديني، أو طائفي؛ لأن انتماءنا الأكبر إلى الإنسانية، وأخوّتنا البشرية الجامعة، جزء أصيل من موروثنا القيمي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
في بداية رحلة التعامل الإيجابي، لا بد أن ندرك أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين الأمية، وانخفاض الوعي، وسيادة الأفكار الخرافية، وبين العنف ضد المرأة، الذي يقوم أحياناً على يقين ديني زائف بأحقية الشريك في ذلك.
لذلك، فإن أولى الخطوات هي بناء الحاضنة المجتمعية الواعية، فالقوانين تعمل على معالجة النتائج، والحاضنة المجتمعية الواعية تمنع حدوث المقدمات؛ لذلك يبقى الوعي المجتمعي هو العنصر الأكثر أهمية في منع العنف ضد المرأة.
وكيف يمكن أن نبني حاضنة مجتمعية واعية، في ظل تفشي الأمية المعرفية في الكثير من المجتمعات حول العالم، وهذه الأمية المعرفية هي «الابنة الشرعية للفقر»، الذي تخضع له. لذلك، تبدأ الخطوات من معالجة الفقر، فوفقاً لأحدث إحصاءات «الأمم المتحدة» عن الفقر، فإن ما يقرب من 9.2% من سكان العالم يعيشون في فقر مدقع. ويتركز هؤلاء السكان - إلى حدٍّ كبير - في البلدان النامية، حيث يوجد حوالي 90 % من الذين يعيشون في فقر مدقع بأفريقيا، جنوب الصحراء الكبرى، وجنوب آسيا. و26% من سكان العالم يعيشون في فقر معتدل، أي أن أكثر من ثُلثي سكان العالم يعيشون تحت خط الفقر؛ فكيف يمكن أن يتوفر لهؤلاء التعليم والقراءة المعرفية؛ لتحقيق وعي كافٍ، يحمي المرأة من العنف، ويحمي الإنسان - بصورة عامة - من المعاناة؟!
لذلك، يظل الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة، التي أقرتها «الأمم المتحدة»، هو القضاء على الفقر، وتظل الحقيقة والواقع أن المرأة هي الضحية الأولى للفقر حول العالم، ومن أجل مستقبل أفضل للبشرية؛ لا بد أن تعيش المرأة في أمان وطمأنينة؛ فهي صانعة العالم!