تيجان من الألماس، خواتم وأساور مرصعة بالأحجار الكريمة، عقود من صفوف اللؤلؤ وبروشات ثمينة، صممتها كبرى دور المجوهرات الأوروبية؛ تزينت بها الملكات والأميرات والنجمات العالميات. لكن هذه القطع النفيسة تحولت إلى تحف فنية تتوارثها الأجيال، أو تباع في المزادات العلنية بأسعار باهظة، ليس لقيمتها المادية فحسب، وإنما أيضاً لما تحويه من تفاصيل ترتبط بحكايات وأسرار تزيد قيمتها المادية، وتضيف إلى سحرها ألقاً ملكياً.. «زهرة الخليج» تأخذكم في رحلة، تستكشف فيها بعضاً من أروع هذه المجوهرات، وأحلى قصصها.
بروش زهرة الفاوانيا:
عرفت الملكة نازلي، زوجة الملك فؤاد، بحبها لمجوهرات دار «Van Cleef & Arpels»، وشكلت المجموعة التي امتلكتها إحدى أبرز مجموعات المجوهرات في العالم، وأكثرها إثارة على الإطلاق. وقد كلفت نازلي العلامة الفرنسية (الشهيرة بصناعة المجوهرات) بتشكيل قطع ثمينة عدة لها ولبناتها. إعجاب الملكة بتصاميم الدار الفرنسية الشهيرة انتقل إلى ابنتها الأميرة فوزية، التي كلفت الدار بصنع بروش مميز، فابتكرت الدار لها دبوساً أطلقت عليه اسم «بروش زهرة الفاوانيا» من مجموعة «بيفوان» عام 1937. لم يكن دبوساً عادياً بالنسبة إلى الدار الفرنسية العريقة، إذ صنعته بتقنية «Mystery Set»، التي استخدمتها لأول مرة عام 1933. وتعتمد هذه التقنية على تغطية المعدن الثمين بالأحجار الكريمة بالكامل، لدرجة أنه لا يعود ظاهراً للعيان. ويتكون البروش من قطعتين: إحداهما مزينة بزهرة متفتحة، والأخرى بزهرة منغلقة. وهو اليوم من روائع المجموعة الخاصة لدار «Van Cleef & Arpels». وصنع البروش من 706 قطع من حجر الياقوت البورميزي الأحمر بعيار 71 قيراطاً، على شكل بتلات الزهرة، و239 ألماسة بعيار 29.72 قيراطاً، مثبتة على قاعدة من البلاتينيوم.
تاج زهرة اللوتس:
عام 1923، تلقت الملكة الأم (إليزابيث) ملكة بريطانيا، لاحقاً، عقداً من الألماس واللؤلؤ، هدية من جورج السادس بمناسبة زفافهما. لكن يبدو أن العقد لم يعجبها، إذ سرعان ما طلبت من دار «Garrard» للمجوهرات تحويل العقد إلى تاج عرف باسم «تاج زهرة اللوتس». ارتدت الملكة الأم التاج مرات عدة، وكانت غالباً تضعه منخفضاً على جبهتها، كما كانت الموضة رائجة آنذاك. وفي عام 1937، أعارت التاج إلى شقيقتها الكبرى، بمناسبة تتويج زوجها جورج السادس ملكاً.
وقبل أن ترتديه دوقة كامبريدج، في إحدى المناسبات الرسمية عام 2015، كان تاج زهرة اللوتس قد زين رأس الأميرة مارغريت، ابنة الملكة الأم. وفي عام 1993، أعارت مارغريت التاج إلى خطيبة ابنها سيرينا ستانهوب؛ لتضعه في يوم زفافها. ويبدو أن التاج أعيد إلى صندوق مجوهرات القصر الملكي قبل وفاة الأميرة مارغريت؛ لأن تاج زهرة اللوتس شوهد يزين رأس دوقة كامبريدج، كيت ميدلتون، في مناسبتين رسميتين، إحداهما خلال المأدبة الرسمية التي أقيمت في قصر باكنغهام على شرف الرئيس الصيني.
الياقوت الأزرق:
أهدت الملكة الأم إليزابيث، ملكة بريطانيا، دبوساً للصدر من الذهب الأبيض المرصع بصفين من الألماس، يتوسطه حجر ضخم من الياقوت الأزرق، إلى الأميرة الراحلة ديانا، بمناسبة زفافها إلى الأمير تشارلز عام 1981. لكن «أميرة الشعب والقلوب» ارتدت الدبوس مرتين فقط، قبل أن تطلب تحويله إلى عقد للعنق، مكون من سبعة صفوف من اللؤلؤ. وبات هذا العقد المفضل لدى ديانا، إذ ارتدته أكثر من مرة، وكان القطعة الوحيدة من المجوهرات التي واصلت ارتداءها بعد إعلان الأمير تشارلز خيانته لها، وانفصالها عنه. ومن المرات الشهيرة، التي شوهدت فيها ديانا ترتديه عام 1985، عندما رقصت مع النجم الأميركي جون ترافولتا في البيت الأبيض. وفي عام 1994، ارتدته مع ما عرف وقتها بفستان الانتقام من تشارلز وخيانته. وآخر مرة شوهدت فيها الأميرة ديانا تضع هذا العقد كانت خلال حفل «Met Gala» في نيويورك عام 1996. واليوم ورث الأميران وليام وهاري عقد ديانا المفضل، لكن لم نشاهد واحدة من زوجتيهما ترتديه.
بروش الفيونكة:
بعد عامين من زواجها من الإمبراطور نابليون الثالث، طلبت الإمبراطورة أوجيني من الجواهرجي الفرنسي، فرانسوا كرامير، تحويل مشبك حزام على هيئة فيونكة مرصع بـ2600 حجر ألماس إلى بروش يعلق بالصدر، كما طلبت أن يضيف إليه 6 شراشيب من الذهب والألماس. كانت هذه القطعة الثمينة واحدة من القطع العديدة التي تركها نابليون وأوجيني خلفهما، بعد نفيهما عام 1871، وواحدة من القطع التي قررت الحكومة الفرنسية بيعها في مزاد علني عام 1887.
بيع بروش الفيونكة مقابل 42 ألف فرنك فرنسي، وقد اشتراه صائغ فرنسي لصالح كارولين شيرمرهورن أستور، وهي عميدة مجتمع نيويورك، وحامية روائع العصر الذهبي للمدينة. أضافت كارولين البروش إلى مجموعة مجوهراتها، وبقي بروش أوجيني مع العائلة لمدة قرن من الزمن، وأصبح يعرف باسم «بروش السيدة أستور الألماسي». وفي أبريل 2008، قبل فترة الركود مباشرة، عرض البروش للبيع بمزاد كريستيز في نيويورك، عن طريق صائغ مجوهرات آخر يدعى رالف إسمريان. تنبهت إحدى الجمعيات، التي تعرف باسم «أصدقاء متحف اللوفر» إلى علاقة البروش بالإمبراطورة أوجيني، فقررت شراءه، لكنَّ معركة قضائية تورط فيها الصائغ إسمريان أدت إلى إلغاء المزاد. وبعد وساطة رئيس دار المزادات العالمية كريستيز في أوروبا، تم تنظيم عملية بيع خاصة، ونجحت «أصدقاء متحف اللوفر» في شراء بروش الفيونكة، الخاص بالإمبراطورة أوجيني بسعر 11 مليون دولار، وضمه إلى قطع أخرى من مجوهرات الإمبراطورة التي يملكها المتحف.
ألماس الزفاف:
يوم زفافها عام 1862، تلقت ملكة الدنمارك، ألكسندرا، طقماً من الألماس واللؤلؤ ضم تاجاً وبروشاً وقلادة وقرط أذن، هدية لها من زوجها إدوارد السابع. ارتدت ألكسندرا القلادة والبروش وقرط الأذن يوم زفافها، لكنها زينت شعرها بالزهور بدل التاج الذي اختفى بعد مدة عن الأنظار، وظل مصيره محاطاً بالغموض، إلى أن تم الكشف عن مصير هدية الزفاف هذه، وعرف التاج باسم «Rundell»، على اعتبار أنه صنع من قبل دار «Rundell & Bridge»؛ ليتبين لاحقاً أن دار «Garrard» هي التي صنعته مع بقية القطع المكملة له.
لكن اللافت في الأمر أن التاج كان مصنوعاً بالكامل من الألماس، ولم يأتِ متطابقاً مع بقية قطع الطقم المصنوعة من اللؤلؤ والألماس، وهذا يفسر عدم ارتداء الملكة ألكسندرا التاج يوم زفافها. فالتاج رصع بثلاثة صفوف من الألماس على شكل عقدة وزهرة «Fleur-De_Lis»، في حين أن بقية القطع رصعت بحبات اللؤلؤ على شكل زهور، وأزرار، وحبة كمثرى. كان التاج عبارة عن قطعة متعددة الاستخدامات، يمكن تنسيقها أو دمجها مع قطع أخرى، أو تركيب عناصر إضافية. أما القلادة، فكانت ترتديها الملكة مع مجموعة قلائد أخرى، وغالباً تكون معلقة بدلايات إضافية. أما قرط الأذن، فاختارت ارتداءه عام 1864، لالتقاط صورة رسمية لها. أما البروش، فارتدته بكل أشكاله. وكانت ألكسندرا العضو الوحيد في العائلة الملكية، التي تم تصويرها مرتدية تاجها. بعد ذلك، اختفى التاج وظن الكثيرون أنه منسي في خزائن أقبية المجوهرات، وقد يظهر مرة أخرى بشكل ما في يوم من الأيام، إلا أن كتاب «ألماسة الملكة» للكاتب هيو روبرتس، كشف عن مصير قطع مجوهرات هدية زفاف ألكسندرا، فذكر روبرتس أنه رغم عدم ترك ألكسندرا وصية لها عندما توفيت عام 1925، فإنها أشارت إلى رغبتها في منح بناتها بعضاً من مجوهراتها. وقد ورثت الأميرة فيكتوريا تاج «Garrard» هدية الزفاف. لكن لسوء الحظ يشير روبرتس إلى أن فيكتوريا تخلصت من التاج في مرحلة ما.
ومع تبدد الآمال في العثور على التاج، كانت بقية قطع الطقم الهدية من مجوهرات ألكسندرا في أمان بين أيدي العائلة الملكية البريطانية. فقد ورثت الملكة ماري العقد والقرط والبروش عند وفاة ألكسندرا. وأعطت الملكة ماري القلادة لابنتها الملكة إليزابيث الأولى، وأصبحت هذه القطعة من قلائد إليزابيث المفضلة، والأكثر ارتداء. وفي نوفمبر 1947، اختارت الملكة الأم أن ترتديه في حفل زفاف ابنتها الملكي في وستمنستر، وتركته لابنتها الكبرى الملكة إليزابيث الثانية في عام 2002. وشوهدت دوقة كامبريدج ترتدي العقد ذاته. أما قرط الأذن والبروش، فقد ورثتهما الملكة إليزابيث الثانية مباشرة من جدتها الملكة ماري، عام 1953.