عتيقة المحيربي: تجارب الجدات في اكتشاف خيرات الطبيعة كنوز ثمينة

«الطب الشعبي» مهنة متأصلة ومتوارثة في المجتمع الإماراتي، ووظيفة إنسانية مارسها الأجداد بالخبرة والتجربة، ما عكس مدى نجاح الأسلاف في إيجاد حلول لمختلف التحديات التي كانت تعترضهم في ذلك العهد، وبفعل ذكائهم تصدوا للأمراض وعالجوا حتى المستعصية منها. وقد استثمروا خيرات الطبيعة، واجتهدوا حتى راكموا خبرات

«الطب الشعبي» مهنة متأصلة ومتوارثة في المجتمع الإماراتي، ووظيفة إنسانية مارسها الأجداد بالخبرة والتجربة، ما عكس مدى نجاح الأسلاف في إيجاد حلول لمختلف التحديات التي كانت تعترضهم في ذلك العهد، وبفعل ذكائهم تصدوا للأمراض وعالجوا حتى المستعصية منها. وقد استثمروا خيرات الطبيعة، واجتهدوا حتى راكموا خبرات كبيرة بمجال الطب التقليدي. تحكي الوالدة عتيقة المحيربي، حامية التراث بمركز الصناعات التراثية والحرفية، التابع للاتحاد النسائي العام، التي تشربت صناعة العلاجات الشعبية التقليدية من والدتها، عن أهمية التداوي بالأعشاب قديماً لعلاج الكثير من الأمراض.

وأكدت الوالدة عتيقة المحيربي، في حديثها لمجلة «زهرة الخليج»، أن التجارب الحياتية التي خلفتها الجدات تعتبر كنوزاً ثمينة، لابد من الرجوع إليها والاستفادة منها، لاسيما أن الطب الشعبي يعد من أهم التجارب التي توارثتها الأجيال من خلال انتقال المعلومات الطبية و«الصنعة» الشعبية من أساليب وطرق علاجية مختلفة، خصوصاً أن الأجداد وجدوا في تلك العلاجات الشعبية سبيلهم شبه الوحيدة للتداوي من الأمراض، والحيلولة دون تفاقمها.

  • عتيقة المحيربي

كيف كانت نشأتك؟

نشأت في أسرة محافظة على العادات والتقاليد والسنع الإماراتي، وكنت البنت الوحيدة لأمي فحرصت على تعليمي أصول الضيافة وإعداد الطعام الشعبي، كما زرعت بداخلي منذ الصغر قيم التراحم والألفة بين الأهل والصدق والوفاء وكذلك حب التطوع وعمل الخير، تلك القيم النابعة من تراثنا وقيمنا الوطنية. وفي عمر الـ8 سنوات، علمتني أمي الحرف التقليدية، مثل: «التلي والخوص والعريش»، وعندما أصبح عمري 10 سنوات أهداني عمي ماكينة خياطة، كنت أخيط بها «سراويل العيد والبراقع والكندورة» لأفراد العائلة، هذا إلى جانب تعلم التداوي بالأعشاب الطبيعية، التي أحببتها كثيراً، وتعمقت في بحر علمها الوفير.

وقاية.. وعلاج

حدثينا عن العلاجات الشعبية التقليدية واستخداماتها القديمة وفوائدها!

لجأ الناس في السابق إلى الاعتماد على الطب الشعبي، بحثاً عن علاج للحمى أو للصداع وبقية آلام الجسد، وذلك في ظل ضيق الإمكانات المتاحة، إذ لم يستسلم سكان الإمارات للعديد من الأمراض التي كانت تهاجمهم، واستعانوا بما هو متاح بالبيئة التي يعيشون فيها من نباتات ومواد مختلفة، ليصنعوا منها علاجات للتداوي بها والوقاية من الأمراض، وتوجد أنواع كثيرة وأصناف متعددة من العلاجات الشعبية في الإمارات، وهي إما أن تكون عشبية، أو نباتية، أو عبارة عن خلطات ومركبات ومراهم وأشربة وأوراق. ورغم التطور الذي شهدته الحياة، فمازال العديد من هذه العلاجات متداولاً.

  • الطب الشعبي

ماذا كان يطلق على ممارس الطب الشعبي؟

كان يطلق عليه «المطبب» من النساء والرجال، وكان بمثابة مهنة الطبيب حالياً، وقد حظيت المهنة بتقدير، لما عرف عن «المطببين» من حنكة وقدرة على علاج الكثير من الأمراض حتى المستعصية منها. وكانت لهم دراية بتفاصيل الجسم، وكانوا يحاولون إيجاد الحلول بوصف الأعشاب للعلاج، والضغط على فقرات الظهر لعلاج السعال، أو أسفل القدم لعلاج أمراض أخرى، تلك الخبرة التي اكتسبوها بفعل الممارسة والاحتكاك والاستفادة ممن سبقوهم في المهنة، ولا سيما أن الطب الشعبي أنقذ حياة كثيرين، كالنساء الحوامل المستعصية ولادتهن.

ما النباتات التي كانت تستخدم قديماً للتداوي؟

تعتبر النباتات أغنى مصادر الدواء الشعبي، وتوجد المادة الطبية إما في الأوراق أو الجذور أو البذور أو الأزهار أو الثمار، وأحياناً في العصارة الغليظة التي تنزل من سيقانها عند جرحها. ومن أشهر النباتات الطبية: «اليعَدِة - الحلول - الزعتر - الحَرمل - القَرَط - الحبة الحمراء - الحبة السوداء - المصَوفِة - الأَشخِر - عِرج الحيس - عِرج الصليب - الفوطَن - المُروَخَش - الرمرام - العسبج - العرَش - المحَلَب - الحِلبة - اللومي اليابس - الحنظلان - الزنجبيل - الكركم - البصل - الثوم – التمر».

ما المواد الأخرى التي كانت تستخلص منها المادة الطبية في السابق؟ 

تستخلص المادة الطبية من مصادر طبيعية، هي: النباتات الطبية، وكذلك من الأصماغ: «المُر - الخِيل - الصبر - الظيِّة - اللبان الماكَل - العَنـزروت - المُقْل - الجواشير - العَبَق - الدامر». ومن الزيوت النباتية: حل الحلو (حل السمسم). 

حكمة شعبية

ما الخلطات التي كانت تحضر لتخفيف الآلام؟

تخلط الحبة السوداء والحلبة والزعتر والكركم والحرمل والورد المجفف وأنواع من اللبان، مع الرماد والمر لإزالة أوجاع العظام والمفاصل وأخرى لتخفيف الآلام الناجمة عن وجود حصى الكلى، لكن الاستخدامات محددة ولا مجال للارتجال لأن التجربة وحدها هي المقياس ولا غنى اليوم عن التشخيص المسبق والطب الحديث. وهناك خلطات أخرى تكشف عن الطرق البسيطة التي لجأت العائلات إلى استخدامها لمعالجة الأوجاع السائدة، وبقدر ما كانت الأعشاب تخفف من الآلام بقدر ما تكشف عن الحكمة الشعبية في استنطاق الطبيعة والاستفادة من نباتاتها في العلاج.

  • حاميات التراث

هل تمارسِين التداوي بالأعشاب في وقتنا الحاضر؟

أعمل ضمن مجموعة من حاميات التراث بمركز الصناعات التراثية والحرفية التابع للاتحاد النسائي العام، منذ 35 عاماً للحفاظ على كل ما يعنى بتراثنا الأصيل ولعل من ضمنه الطب الشعبي الذي يعد جزءاً من الموروث الوطني.

ما شعورك كونك واحدة من حاميات التراث اللاتي يحملن مسؤولية نقل التراث للأجيال الجديدة؟

سعيدة بوجودي في هذه البيئة التي تربطني بالماضي، حيث أمارس يومياً ما أحبه وما يعود بي إلى ذاكرة الطفولة، حيث تعلمت حب بلادي الذي أربطه بالعلم كرمز متغلغل في الأعماق، وهذا ما أشعر به أيضاً عندما أشارك في المهرجانات والمعارض داخل الدولة وخارجها، حيث أشرح بكل اعتزاز عن دولتي وتملؤني مشاعر الفخر عندما أرى العلم يرفرف شامخاً في سماء البلدان الأجنبية المحتضنة لهذه المهرجانات أو المعارض التي تحتفي بالتراث. كما أشعر بسعادة غامرة عندما نجوب مدارس الدولة لتعليم بنات الوطن السنع الإماراتي الأصيل، وتعريفهن بالحرف التقليدية الشعبية، في إطار سعي الاتحاد النسائي للمحافظة على التراث جيلاً بعد جيلِ.