لغتنا العربية كنز ثقافي غني، يساهم بشكل كبير في تطوير ذكاء الأطفال، وتوسيع مداركهم، ومعرفتهم الثقافية، والإبداعية، لما تحويه من مفردات كثيرة، وتعابير غنية، تعزز فهمهم للعالم من حولهم، وتمكنهم من اكتساب مهارات الاستيعاب، والتحليل، والتفكير النقدي، والاتصال بجذورهم، وفهم تراثهم الثقافي واللغوي بشكل أعمق. هذا ما أكدته ثلاث كاتبات إماراتيات، متخصصات في أدب الطفل، هن: الشيخة مريم صقر القاسمي، وعائشة الشيخ، وفاطمة العليلي، اللاتي شددن، لـ«زهرة الخليج»، على أهمية تعزيز اللغة العربية من خلال كتب الأطفال؛ لتنشئة جيل قادر على التواصل والتعلم، كما تحدثن عن كيفية بناء جيل يمتلك القدرة على تذوق جماليات اللغة العربية، وبعض النصائح التي تحبب اللغة العربية إلى الأطفال.. تالياً نص الحوار:

  • مريم‭ ‬القاسمي‭

مريم‭ ‬القاسمي‭ :‬قراءة‭ ‬الكتب‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬تمنح‭ ‬أطفالنا‭ ‬الشعور‭ ‬بالانتماء‭ ‬

أكدت الكاتبة، الشيخة مريم صقر القاسمي، أن تعزيز حضور اللغة العربية لدى الأطفال، يكمن في التواصل عن طريق القراءة والكتب المصورة، فعندما يقرأ الأطفال كتباً باللغة العربية يتعلمون كيفية التعبير عن أفكارهم، ويطلعون على تراثهم وثقافتهم، ويُبث بداخلهم الشعور بالانتماء إلى مجتمعهم، مشيرة إلى أن المحتوى المصمم بعناية يمكّن الأطفال من تعلم الكلمات والجمل بشكل سهل ومبسط، كما تمثل نافذة يعرفون من خلالها قيم وتقاليد الثقافة العربية، ما يعزز لديهم الرغبة في التفاعل بشكل أعمق مع اللغة والأدب العربيين، ويجعل تعلمهم للغة أكثر إثراءً وإمتاعاً.

وأوضحت أن اللغة العربية أساسية في كل القصص التي تكتبها، رغم إضافة ترجمة بـ«الإنجليزية» في الكتاب نفسه. وقد يختلف نظام الكتابة والنحو في اللغات المختلفة، وبالتالي فإن كتب الأطفال باللغة العربية تستخدم أنماطاً وتعابير خاصة، وهذا يعني أن الأطفال سيتعلمون تعابير جديدة، وسياقات جديدة للغة العربية.

ولفتت إلى أن الكتب تمنح الأطفال القدرة على التعبير عن أنفسهم بطرق إبداعية، من خلال قراءتهم رحلات الشخصيات في هذه القصص، ومواجهتهم التحديات، وحل المشكلات، ما يمكن الأطفال من الاستلهام وتطبيق هذه الأفكار في حياتهم اليومية، ما يعمل على تنمية مهارات التفكير النقدي لديهم، ويشجعهم على التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بأساليب مختلفة.

وأضافت: «سلامة وقوة حضور اللغة العربية في كتب الأطفال تصقلان المواهب اللغوية، وتعززان فنون الإدراك لدى الأطفال، وتجب ملاحظة أن اللغات جميعها لها سحرها، وميزاتها الفريدة، التي تجعلها مهمة وجميلة في حد ذاتها. لكن بالنسبة لي، تعتمد اللغة العربية على نظام جذور ركيزة، حيث تتألف الكلمات من جذور ثابتة، يتم تغييرها بواسطة الزمن والتصريفات؛ لتشكيل معانٍ مختلفة، ما يعطي اللغة العربية مرونة في الصياغة وتكوين الكلمات، ويميزها عن اللغات الأخرى؛ لذا تطور اللغة العربية ذكاء الطفل، وتوسع إدراكه ومعلوماته الثقافية والإبداعية».

وتابعت: «علينا أن نهتم جميعاً بمشاركة الأطفال في الأنشطة الثقافية والتعليمية، وتنظيم مسابقات ثقافية، كما يجب أن نعود الأطفال على اقتناء الكتب، ومداومة القراءة باللغة العربية، وكذلك استخدام التطبيقات والبرامج التعليمية، فالعديد من التطبيقات والبرامج التعليمية الموجودة على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، تهدف إلى تعليم الأطفال اللغة العربية بطرق مبتكرة وممتعة، وإذا لم يستجب الطفل في البداية؛ فمن المهم التكرار والاستمرار، مع الحرص على أن نتبع الطرق التشويقية حتى يُقبل الطفل على اكتساب اللغة العربية بكل حب. ومن جانب آخر، يجب على أولياء الأمور أن يكونوا قدوة لأبنائهم، ويواظبوا على التحدث باللغة العربية في التعاملات الحياتية، حتى يسهل على أبنائهم التواصل والتفاعل مع أفراد المجتمع بشكل أسهل وأفضل».

  • عائشة‭ ‬الشيخ‭

عائشة‭ ‬الشيخ‭ :‬التحدث‭ ‬بـاالعربية‭ ‬مدعاة‭ ‬حقيقية‭ ‬للتفاخر

قالت الكاتبة عائشة الشيخ: «عندما نتحدث عن حضور اللغة العربية في وقتنا الحالي، فعلينا أن نبحث عن سبب ضعف أطفالنا في لغتنا الأم، فعدم قيام المدرسة بدورها هو أحد أهم الأسباب في ما وصل إليه وضع لغتنا الآن. كما أود أن أركز في حديثي على دور الأهل، الذين يمثلون المسبب الرئيسي، وهذا يرجع إلى تحليلات عدة من وجهة نظري، منها أن بعض الأهالي جعلوا التحدث باللغة الإنجليزية أداة للتفاخر والمباهاة، رغم أنني أرى أن (الإنجليزية) لم تعد لغة النخبة، إذ أصبحت لغة العامة؛ فمعظم أفراد المجتمع بجميع أطيافهم يمكنهم التحدث بها؛ لذلك في يومنا هذا أجد أن التحدث باللغة العربية مدعاة حقيقية للتفاخر، وسرٌّ للتميز، وعلى الآباء والأمهات أن يتوقفوا قليلاً ليتساءلوا عما يمنع من إجادة اللغة العربية أولاً، ثم تأتي بقية اللغات بعد ذلك، وهذا سيكون أسهل على الأطفال».

وأضافت: «يكمن السبب الثاني في تشجيع الأهالي أولادهم على التحدث طوال الوقت باللغة الإنجليزية، اعتقاداً منهم بأن إتقان الأبناء للغة الإنجليزية هو السبيل المثلى لضمان الوظائف المرموقة في المستقبل. رغم أن هذا الأمر غير صحيح، لأنهم - بمنتهى البساطة - يدرسون في المدرسة (ما يكفي وزيادة). وهنا، دعوني أطرح سؤالاً: هل رأيتم عائلة فرنسية تتحدث مع أبنائها بالإيطالية طوال الوقت؛ لرغبتها في أن يعملوا هناك مثلاً؟.. فلماذا نرغم الصغار على التحدث بغير لغتهم منذ ميلادهم من أجل الوظيفة؟.. قد يُصدم الناس في المستقبل بأن من شروط التوظيف إجادة (العربية)! نعم قد يحدث ذلك، وقد تظهر الحاجة أكثر إلى مجيدي اللغة العربية بشكل عام، في مجالات: الترجمة والآداب والقانون، وغيرها، وقد تصبح هذه الوظائف هي الأعلى أجراً، فكيف سيتعلم ابنك هذه اللغة من جديد بعد أن فقدها تماماً؟.. فمن يفعل ذلك عليه أن يعي أنه قد يتعرض للوم من أبنائه يوماً ما؛ لأنه أفقدهم لغةً عزّ من يعرفها بقواعدها وأصولها في الزمن القادم، وأصبح حاملوها الأكثر حظاً في مجال المال والأعمال والوجاهة الاجتماعية».

وتابعت: «هناك نقطة مهمة، أيضاً، حينما نجد أن بعض الناس كلما دخلوا محلاً أو مطعماً، تحدثوا مع العاملين بـ(الإنجليزية)؛ بحجة أنهم لا يعرفون (العربية)، رغم أنه من الأفضل أن نجرب استخدام بعض الكلمات العربية البسيطة، مثل: (مرحباً، وشكراً، وصباح الخير)، فهي كلمات جميلة ولطيفة، وأكثر الأجانب يفهمونها، فقد دخلت مكاناً مرة، وقلت: (مرحباً)، فرد الموظف الصيني، قائلاً: (مرحبتين)، وإذا طُلب مني رقم هاتفي فإنني أسرده بـ(العربية)، وأتفاجأ حينما أجد الآخرين يعرفون الأرقام من واحد إلى عشرين، والذين لا يعرفونها يريدون أن يعرفوها، ويفرحون بذلك. في النهاية، نحن مبالغون جداً في هذا الموضوع، والزيادة مثل النقصان، فعلينا الاعتدال، ووضع أبنائنا على الطريق الصحيح، وترسيخ لغتنا العربية لديهم من أجل مستقبل أفضل». 

  • فاطمة العليلي

فاطمة العليلي: تجب تنشئة جيل قادر على تذوق جماليات «العربية»

تحدثت الكاتبة فاطمة العليلي عن العلاقة بين تعليم اللغة العربية للأطفال، وتعزيز الهوية الثقافية الوطنية والعربية لديهم، فقالت: «هناك علاقة وثيقة بين تعلم اللغة العربية، وتعزيز الهوية الثقافية العربية. فاللغة جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية، وتعلم اللغة العربية يمكن أن يساعد الأطفال على التواصل مع تراثهم الثقافي، والفهم الأعمق لقيمهم وتقاليدهم، فاللغة العربية تحمل في طياتها تراثاً ثقافياً غنياً من الشعر والأدب والفلسفة. وتعلم اللغة العربية يمكن أن يفتح أمام الأطفال أبواباً لاكتشاف هذا التراث بشكل عميق، فذلك يمكنهم من توسيع معرفتهم الثقافية، وزيادة إدراكهم للقيم والمفاهيم المتعلقة بتاريخهم وتراثهم».

وأكدت أهمية تنشئة جيل قادر على تذوق جماليات اللغة العربية، مشيرة إلى أن الأمر يتطلب استراتيجيات تعليمية متنوعة، منها تقديم قصص وكتب ثرية، إذ يجب علينا توفير كتب تحتوي على نصوص أدبية جميلة، وقصص رائعة تجذب الأطفال وتلهمهم. هذه القصص يمكن أن تجذبهم إلى اللغة العربية، وتجعلهم يعرفون جمالياتها، كما يمكننا تعزيز الاستماع والتحدث باللغة العربية، حيث يجب علينا تشجيع الأطفال على الاستماع إلى الشعر والقصص والأدب العربي، فكل هذا يساهم في تطوير مهارات النطق والفهم، وكذلك على الأهل والمعلمين تشجيع الأطفال على تعلم اللغة العربية، حيث يمكن إشراكهم في أنشطة تعليمية، وتوجيههم نحو الاستمتاع باللغة والأدب العربيين، ما يساعد في تحفيز الفضول والحب لديهم تجاه هذه اللغة الغنية، وثقافتها الثرية.

وعن نصائحها لنحبب الأطفال باللغة العربية، قالت: «يمكننا أن نقدم لهم قصصاً بها مغامرات شيقة، وشخصيات مثيرة للاهتمام من البيئة العربية، كما يمكن إشراكهم في أنشطة ثقافية عربية، كزيارة المتاحف ومعارض الكتب، والندوات الأدبية والثقافية، ويمكن كذلك تحفيزهم بالمكافأة والتقدير، وذلك عندما يحقق الأطفال تقدماً في تعلم اللغة العربية. وأخيراً، نعمل على توجيههم إلى الثقافة العربية، وتعريفهم بالأدباء والشعراء العرب، وقصص نجاحهم».