«هل أدركت الكرسي الأخير؟!»، كان الجواب (لا) وقتها!.. هل أخبرتك عن الطفلة ذات الوزن الزائد، التي كانت تحب لعبة «الكراسي الموسيقية» مع رفقائها؟!.. هل أخبرتك أنها كانت تتعمد دوماً أن تبطئ في حركتها كي تراهم يفرحون بالمكسب؟! كانت تنظر للكراسي التي امتلأت بهم مع انتهاء اللحن فيمتلئ قلبها هو الآخر بشعورها بالرضا! هل تعرف كم كانت جميلة ضحكتها وهي تصفق بكفيها بعد انتهاء اللعبة رغم خسارتها؛ فقط لأنهم يضحكون؟! ضحكة كانت تشبه جنة روحها وقتها، وهي لا ترى تنازلها إلا جناحاً جديداً يضاف للملاك الذي يبتسم لها.. ضحكة فقدتها بعدها في آخر مرة لعبت معهم، عندما وصفوها بـ«البدينة الخاسرة دوماً، بسبب ثقل حركتها»! هل تتعجب إذن لو رأيتها بعدها تقص كل الأجنحة، وتهبط من عليائها إلى الأرض؟! 

«هل أدركت الكرسي الأخير؟!».. 

بعدها صار الجواب (نعم).. كبرت الصغيرة وظنت أنها تعلمت الدرس.. (التنازل الأول ما هو إلا ركلة قدم تدحرجك من أعلى السلم لآخره!).. بقيت اللعبة كما هي في رأسها.. لم تختفِ الكراسي، وإن تغير اللاعبون! الإيقاع المجنون يتردد دوماً في أذنيها، يدعوها للدوران لاهثة كي لا يفوتها الكرسي.. لم تنتبه إلى أنها حتى ما عادت تلعب بشرف.. تعلمت كيف تدفع هذا، وتعرقل ذاك.. المهم ألا ينتهي اللحن إلا وقد جلست ظافرة على الكرسي الأخير.. كسبت اللعبة لكن خسرت ضحكتها! بدت وكأنها صارت تحمل مخلب يعرف كيف يؤذي كي ينتصر! 

«هل أدركت الكرسي الأخير؟!».. 

(لا يهم!).. اليوم أراها وصلت حقاً للجواب المثالي.. نضج قلب الأنثى داخلها.. لا يزال اللحن يتردد لكنها تعلمت كيف تضبط إيقاعه.. صارت هي من تحدد عدد الكراسي بالضبط.. تارة تختار بإرادتها التنازل لمن يستحق، موقنة أنه أهلٌ لرحيق تضحيتها.. بينما تدفع برفق من لا يليق بها أن تلعب معه.. صارت تدرك أن بعض التنازل رفعة.. وبعض العطاء إثم.. والعبرة دوماً بالأرض التي تتلقف عطايا غيثها.. أجل.. حلالٌ مطرها على كل وادٍ خصيب.. حرامٌ على كل أرض بور!