هل يَكْمُنُ في الهامش الخطر أم الأمان؟ 

نبت السؤال مع قدوم مفاجآت الطبيعة في الربيع، ممثلة بعاصفة رعدية على صباح منطقة جلفار، حيث سكني الواقع في أقصى شمال رأس الخيمة، تحديداً على مسافة قريبة من الحدود مع سلطنة عُمان الشقيقة.

وأنا أهم بالخروج إلى إمارة دبي للمشاركة في ندوة ثقافية يزامن عنوانها ومحاورها الحالة الفكرية التي عشتها أثناء القيادة في العاصفة: (الأدب وانتصاره للهامش). تساءلتُ بقلق: ماذا لو انكسر السدّ ومنعتني السيول من الوصول إلى المدينة؟ 

وتجذّر على نحو سريع سؤال ذو طبقة أعمق: في هذه الحالة.. هل نحن على الهامش يا تُرى؟ على حافة الوادي، حافة البلاد، حافة المصير المجهول وقت اشتداد العواصف؟ 

ولا شك أنه توجس قديم زاحف من أقصى ذاكرة الجينات والأسلاف الذين عاشوا في الحِمَى والحدود، وواجهوا كيانات الغزو والحروب المائية والبشرية.

إن الحدود في حقيقتها هي الحِمَى الأوليّ للبلاد، النبض الحساس لوقع الخطر، النابض بالتنبيه والحذر، المكتنز بذاكرة الدفاعات والمواجهة وضراوة الاحتدام مع أهوال الطبيعة والكوارث والنوازل وجنون الحروب البشرية. 

حقيقة.. لا أتصور أنني أسكن هامشاً، بل مركزاً ممهوراً بالعظمة منذ العهد القديم والبعيد وحتى يومنا هذا. ولطالما كانت جلفار المتن في كتاب الأرض، ونوراً وظلاً سحرياً، ولغزاً غامضاً في الوجود. 

وليس الغامض هامشاً كما نعتقد، متى ما استدعته الأفكار وتحرَّكتْ نحوه الأسئلة.

أتساءل حين ترفع الأمواج أصواتها الهادرة على أبواب بلدتي الصغيرة، وأتذكر سلسلة الطمي والأعاصير التي حركت بيوتنا والامتداد الأعظم لسهولنا، وأحالتها إلى مجرد حواف حفرية وتعاريج من الوحول. قريتنا التي كانت في زمنٍ ما مركزاً إقليمياً جاذباً للقوافل وميناءً للبحارة وحلماً للملاحين. تُرى هل يمكن اعتبار القُرى هوامش دائماً مهما بلغ شأو مكانتها وعراقتها التاريخية، مقارنة بالمدن الحديثة ومراكزها المعاصرة؟ فهل كل ما هو محدد وداعم ومنظم يعتبر هامشاً؟ 

بين الهامش والمركز تزاوج أزلي، إذ قبل اختراع الحدود كانت الأطراف منتجة للمراكز، والعكس أيضاً، لقد وحدت الطبيعة الأرض في مركزية واحدة، فلا وجود للحد والطرف والمركز. في الحافة والحدود والهوامش تكمن القوة الخلاقة، فكيف نبني بيتاً دون سور؟ السور هو هامش البيت، ولا نتصور بيتاً دونه. أنت تبني السور أولاً ثم تأتي باطمئنان على تخطيط هيكل بيتك.. تبني نصك.. وتُفرّغ أفكارك. 

النص هو المركز.. هو البيت. 

ولا يمكن تصوّر نصٍّ دون هوامش وحواف فارغة وفراغ رباعي؟ 

الفراغ المربع والحواشي الخاوية حول النص هي في حقيقتها مركز ومكمل منظم للنص، إذ لا تنتظم الكتابة إلا بوجود البرواز المؤطر لحركة النص.

القُرى إذن.. هي المتون والنواة والجوهر الحقيقي للبلد، ولأجلها يرتحل الباحثون والمريدون والمصابون بالحنين للهوية والفطرة والحقيقة.