هل وجدتِ نفسكِ يوماً تبحثين عن السعادة، وتشعرين بالضياع والارتباك والتوتر، وفقدت سعادتكِ في الطريق، أو هل حققتِ ما يسميه المجتمع «النجاح»، لكن السلام الداخلي والفرح، اللذين توقعت أنهما سيأتيان معه لم تعثري عليهما في أي مكان؟
وسواء كان ذلك بسبب أسلوب حياتك السريع، أو ضغوط وظيفتك، أو ما تبثه لك وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الكثيرين منا يبحثون عن شعور أعمق بالإنجاز.
لذا، إذا كنتِ تتوقين إلى شعورٍ أكثر معنى بالسعادة، فإننا هنا نرصد لكِ بعضاً من مبادئ الفلسفة الهندية، التي تمهد الطريق إلى النعيم الداخلي، أي أنها ليست مجرد إصلاحات أو اختصارات سريعة، وإنما رحلة نحو السعادة العميقة والدائمة، التي تأتي من الداخل.
ما الفلسفة الهندية؟
الفلسفة الهندية هي مجموعة واسعة من الأفكار والمعتقدات والممارسات الفكرية، التي نشأت وتطورت في شبه القارة الهندية على مدار آلاف السنين. وتتميز هذه الفلسفات بتنوعها وثرائها، وتناولها مواضيع شتّى، مثل: طبيعة الواقع، الذات والمعرفة، الأخلاق والقيم، الخلاص والتحرر.
وتنقسم الفلسفة الهندية إلى 6 مدارس رئيسية، أبرزها:
- السامخيا: تُركّز على مفهوم الروح (Purusha)، والمادة (Prakriti)، كعنصرين أساسيين للكون.
- اليوغا: تُقدّم نظامًا من الممارسات الجسدية والروحية؛ لتحقيق التنوير.
- النيّايا: تُركّز على المنطق والاستدلال.
- الفايشيشيكا: تُقدّم نظرية ذرية للكون.
وللفلسفة الهندية تأثيرٌ كبيرٌ في الفلسفة الغربية، إذ أثرت بعض الأفكار الهندية، مثل: اللاعنف، والكارما، على الفلاسفة الغربيين، مثل: هنري ديفيد ثورو، وليو توليستوي. كما لها تأثير في العلوم، إذ ساهمت الفلسفة الهندية في تطوير بعض المفاهيم العلمية، مثل: الذرة والفراغ. كما تُعدّ الفلسفة الهندية مصدرًا غنيًا بالأفكار والتعاليم الروحية، وتُمارس العديد من تقنيات التأمل واليوغا في جميع أنحاء العالم.
مبادئ الفلسفة الهندية للعثور على السعادة:
1- احتضان فن القبول:
أحد المبادئ الأساسية لتحقيق السعادة الداخلية في الفلسفة الهندية، هو ممارسة القبول، ولا يتعلق الأمر بالاستسلام لموقف سلبي، أو قبول الهزيمة، وإنما فهم أن الحياة عبارة عن مزيج من التجارب المختلفة، بعضها ممتع، والبعض الآخر ليس كثيراً.
وهذا الميل لمقاومة الانزعاج أو تجنبه هو فخ شائع، إذ غالباً نجد أنفسنا عالقين بدائرة من عدم الرضا والتوتر، بينما نكافح ضد المد والجزر الطبيعيين في الحياة، وبالتالي فإننا نضخم معاناتنا عن غير قصد.
وبناءً على ذلك، فإن التحرر من هذا النمط يتضمن تنمية موقف القبول، وإدراك أنه من المقبول السعي للتحسين، وأنه من المهم بالقدر نفسه قبول اللحظات غير المثالية، والتنقل خلالها.
وبعبارةٍ أخرى، هذا لا يعني أن نتوقف عن محاولة تغيير الأمور نحو الأفضل، وإنما نتعلم أن نكون في سلام مع اللحظة الحالية، حتى عندما لا تكون كما نرغب، ما سيكون بمثابة الخطوة الأولى نحو تحقيق شعور أعمق بالسعادة الداخلية.
2- اكتشاف قوة اليقظة الذهنية:
هناك جانب أساسي آخر للفلسفة الهندية هو اليقظة الذهنية، وهي ممارسة الحضور الكامل، والانخراط في الحاضر. وفي حين قد يبدو الأمر بسيطاً بما فيه الكفاية، إلا أنه في عالمنا سريع الخطى، غالباً يكون القول أسهل من الفعل، إذ في ظل حياتنا المليئة بمشاريع العمل، والالتزامات العائلية، والالتزامات الاجتماعية، ستكون أذهاننا مشغولةً باستمرار بالكثير من الأمور، إلى جانب أخطاء الماضي، أو مخاوف المستقبل.
والمشكلة في طريقة العيش هذه، هي أننا نفتقد ثراء اللحظة الحالية، ونبدو كأننا نركض باستمرار، لكننا لا نصل إلى أي مكان.
لذا، هنا يبدأ دور ممارسة التأمل الذهني، وهي تقنية مستمدة من الفلسفة الهندية، وتعني الاهتمام بتجاربنا عندما تتكشف، لحظة بلحظة، وإدراك أن السعادة الحقيقية ليست في مكان ما بالمستقبل، وإنما هي هنا أمامنا مباشرة.
3- ممارسة التعاطف مع الذات:
في الفلسفة الهندية، يعتبر التعاطف مع الذات عنصراً أساسياً، أي معاملة أنفسنا بنفس اللطف والتفهم اللذين نقدمهما لصديق عزيز. ففي سعينا لتحقيق السعادة، غالباً نصبح من أشد المنتقدين لأنفسنا، فنحن نوبخ أنفسنا على أخطائنا وعيوبنا وإخفاقاتنا المتصورة.
لكن عندما نبدأ ممارسة التعاطف مع الذات، ومع مرور الوقت، سنلاحظ أن هناك تغيراً كبيراً تجاه أنفسنا، ومن خلال ممارسة هذه التقنية، يمكننا أن نتعلم قبول أنفسنا كما نحن، أي أننا ناقصون وبشريون، وهذا القبول يؤدي إلى شعور أعمق بالسلام الداخلي والسعادة.
4- كتابة موقف من الامتنان:
إن الامتنان عنصر أساسي في الفلسفة الهندية، ويعني أكثر من مجرد قول «شكراً»، فهو يتعلق بتبني موقف التقدير لما لدينا، بدلاً من التركيز على ما نفتقر إليه، والتخلي عن مقارنة أنفسنا بالآخرين، ما يجعلنا نشعر بالسخط.
وبناءً على ذلك، حاولي قبل النوم كل يوم كتابة ثلاثة أشياء، كنتِ ممتنةً لها في ذلك اليوم، في بعض الأيام قد تكون أموراً كبيرة، مثل: الحصول على ترقية، أو تحقيق هدف شخصي. وفي أيام أخرى، قد تكون أموراً صغيرة، وتبدو غير ذات أهمية، مثل الاستمتاع بوجبة لذيذة، أو الضحك مع صديق.
ومع مرور الوقت، ستغير هذه الممارسة وجهة نظركِ، فبدلاً من التركيز على ما يملكه الآخرون ولم تفعليه، ستلاحظين كل الأشياء الجيدة في حياتك، وهذا التحول البسيط في العقلية سيقلل شعوركِ بالنقص، وسيزيد شعوركِ بالرضا.
وتذكري أن الامتنان هو أكثر من مجرد تمرين في التفكير الإيجابي، إذ يتعلق بالاعتراف، وتقدير الوفرة الموجودة بالفعل في حياتنا، وإدراك أن السعادة لا تتعلق دائماً بالحصول على المزيد، بل بتقدير ما لدينا بالفعل.