عام 1981 أمر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، بإنشاء المجمع الثقافي، ليكون قلب أبوظبي النابض بالثقافة، وحرصاً منه على المعرفة والعلم، وأهمية الوعي بهما من أجل رقي الشعب، وفي العام نفسه، أقيم أول معرض للكتاب على نفقته الخاصة في أبوظبي، في قاعة المعارض بالمجمع الثقافي، تحت مسمى «معرض الكتاب الإسلامي»، المعرض الذي لم يكتفِ منذ بداياته باستقطاب دور النشر المحلية، ولكنه استضاف أكثر من 50 ناشراً من مصر ولبنان كذلك. ومنذ ذلك الوقت، والمعرض يتوسع في عدد الدور المشاركة، ويعتني بالكاتب المحلي وغير المحلي، ويثري الساحة الثقافية العربية والعالمية بالمعرفة والأدب والعلم، واضعاً قدمه على قمة الصدارة، في مجال العناية بالكتاب ونشره.
استضافت «زهرة الخليج» بهذا الشأن، الأستاذة عائشة المزروعي، مدير إدارة الفعاليات ومعارض الكتاب، في مركز أبوظبي للغة العربية، بدائرة الثقافة والسياحة، أبوظبي، للحديث عن المعرض في دورته الجديدة التي تقام من 29 أبريل ولغاية 5 مايو 2024، وعددٍ من المواضيع المتصلة به.
التجديد والتنوع في كل دورة
حدثتنا بداية عائشة المزروعي، عن سعي مركز أبوظبي للغة العربية، لتقديم مزيج متجدد ونوعي من الفعاليات التي تواكب تطلعات الجمهور ومستجدات قطاعات صناعة الكتاب والنشر، في كل دورة من دورات المعرض، الذي تميز منذ بداياته، حتى الآن، وهو المعرض الأسرع نمواً في المنطقة، محققاً مكانة ريادية كأحد أهم معارض الكتاب على مستوى العالم، وتضيف قائلة: «تتميّز نسخة هذا العام باستحداث مجموعة من الفعّاليات، منها «كتاب العالم»، الذي يركّز هذا العام على كتاب كليلة ودمنة، وستنظّم مجموعة من المناظرات على نسق مناظرات أكسفورد الشهيرة، وذلك لأول مرة في العالم العربي. ويطلق المعرض هذا العام «منتدى المحتوى العربي للأطفال والناشئة»، بالإضافة إلى تجربة جديدة للفانتازيا، ومنطقة «سور الأزبكية» التي تقدّم صورة عن أسواق الكتب الشعبية».
أم الدنيا ضيفة شرف المعرض
في كل دورة يستضيف المعرض دولةً لعرض أبرز كتبها، والحديث عن المستوى الذي وصلت إليه في مجال النشر، والتعرف على كتّابها وثقافتها ومعارفها، وهذا العام تأتي مصر، لتحل ضيفة شرف المعرض، الدولة التي بنيت عليها أكبر مكتبة في العالم قديماً، مكتبة الإسكندرية، وخرّجت أرضها العديد من الكتّاب المعروفين في العالم العربي، منهم طه حسين، ونجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل للآداب.
عن سبب اختيار أم الدنيا ضيفة هذه الدورة من المعرض، تخبرنا المزروعي: «على امتداد التاريخ، لعبت مصر دوراً فاعلاً في إثراء معرض أبوظبي الدولي للكتاب وخدمته من خلال المبادرات والفعّاليات التي قدّمتها في مختلف دورات هذا الحدث، انطلاقاً من ريادتها في مختلف المجالات الأدبية والفنية والمعرفية وامتلاكها تاريخاً عريقاً من الإبداع وتميّز مبدعيها الذين أثروا ساحات الثقافة والفكر بأعمالهم. لذا جاء اختيار مصر ضيف شرف متوافقاً مع أهداف المركز في الحفاظ على الثقافة العربية، وتعريف الأجيال الجديدة بالإرث الثقافي لجمهورية مصر وأثرها الكبير على هذه الثقافة بأكملها. كما يُمثّل هذا الاختيار إضافة نوعية مهمّة لإثراء المعرض وتعزيز مكانته، فضلاً عن الروابط الوثيقة والراسخة التي تجمع بين دولة الإمارات ومصر في العديد من الجوانب وخاصةً الثقافية. وتُعدّ مصر أول دولة عربية يقع عليها الاختيار ضيف شرف للمعرض، ولم تسبقها إلا دول مجلس التعاون الخليجي التي استضيفت مجتمعة من قبل».
الشخصية المحورية للمعرض
منذ عام 2014، استحدث معرض أبوظبي الدولي للكتاب، عادة اختيار شخصية محورية للاحتفاء بها في كل دورة، والتي بدأت باختيار أبي الطيب المتنبي، ثم تلته العديد من الشخصيات، كان آخرها العلامة العربي ابن خلدون. أما هذا العام، فوقع الاختيار على الكاتب المصري نجيب محفوظ، الذي أثرى المكتبة العربية بمؤلفاته العديدة، التي ما زالت تتناقلها الأجيال، وتثري المخيلة العربية بكل ما هو بديع.
تقول عائشة المزروعي، عن الهدف من اختياره شخصية محورية لهذه الدورة: «يأتي اختيار عميد الرواية العربية نجيب محفوظ شخصية محورية للمعرض ترجمةً لحرص المركز على الاحتفاء برموز الثقافة العربية، التي شكّلت ذاكرة المجتمع وقدّمت أعمالاً ومنجزات كان لها عميق الأثر في مجتمعات المنطقة، وتعريف الأجيال الجديدة برموز الثقافة والفكر. ويُعدّ نجيب محفوظ من أبرز الشخصيات التي قدّمت الثقافة المحلية المصرية وفعّلت حركة النقد العربي وعرّفت الشعوب والحضارات الأخرى على ثقافتنا العربية ونقلتها من المحلية إلى العالمية. فهو أول أديب عربي يحوز جائزة نوبل في الأدب (عام 1988)، وقد أسهمت مؤلّفاته في إثراء المكتبة العربية، ولفتت رواياته، التي ترجمت إلى معظم لغات العالم، الأنظار إلى الرواية العربية».
دور الكاتب والناشر المحليين
تضيف عائشة المزروعي، بأن المعرض دائماً ما يفتح أبوابه أمام الكتاب والمثقفين المحليين، كي يشاركوا في برامجه وفعالياته النوعية، كما يرى أنهم عنصراً أساسياً لنجاحه وتميزه، وتحقيق أهدافه. ويكون ذلك من خلال زيادة فرص تواصلهم، وخلق أجواء إيجابية لتعزيز التعاون والشراكة فيما بينهم، بالإضافة إلى إفساح المجال لهم لتوقيع إصداراتهم في المعرض، وتفاعلهم مع المبدعين من مختلف دول العالم. إلى جانب هذا فإن المعرض يحرص على التنسيق مع جمعية الناشرين الإماراتيين للمشاركة في الفعاليات الثقافية والمهنية التي ينظمها، ليحقق أعلى استفادة للناشرين والكتاب الإماراتيين، وإطلاعهم على آخر المستجدات في مجالات النشر والصناعات الإبداعية.
أبرز الشخصيات المستضافة
بالإضافة إلى أكثر من 1350 عارضاً وناشراً من مختلف أرجاء العالم، فإن المعرض يستضيف شخصيات لها تأثيرها على الجانب العلمي والثقافي في العالمين العربي والغربي، في جلسات حوارية ونقاشات مفتوحة، تضفي على الجمهور جواً ملهماً من المعرفة والثقافة العلمية والأدبية والإنسانية، ليكون المعرض تجربة متكاملة، لا تعتني بالكتاب فقط، وإنما بالكاتب، والمكتوب عنه كذلك.
أطلعتنا عائشة المزروعي على بعض الأسماء البارزة التي ستستضيفها هذه الدورة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، الذي يحرص على استضافة كبار المسؤولين ونخبة من المفكرين والأدباء والشعراء والفنانين من كل أنحاء العالم، ومن ضمنهم د.فاروق الباز، عالم الفضاء المصري، والبروفيسور واسيني الأعرج، الحاصل على جائزة «نوابغ العرب» عن فئة الأدب والفنون لهذا العام، وكاريني بينسه، رئيس الاتحاد الدولي للناشرين، بالإضافة إلى خوسيه بورخينو سكرتير عام الاتحاد الدولي للناشرين، إلى جانب مجموعة أخرى كبيرة من المهتمين في مجال الكتاب والنشر والعلوم بمختلف مجالاتها الإنسانية.