مايا الهواري: «الذكاء العاطفي» يجعل حياتنا أفضل
يستطيع كل إنسان استخدام عواطفه لصالح نفسه، وترشيد سلوكه، وبلورة شخصيته، وتربية أبنائه بعواطف ذكية، وصولاً إلى تحقيق النجاح في عالمه المهني، والمراكز القيادية، وتعرف هذه المهارة بـ«الذكاء العاطفي»، الذي اتخذته الدكتورة مايا طارق الهواري موضوعاً لبحثها الأكاديمي؛ لتصبح أول إماراتية تُبحر في هذا العلم برسالتها للحصول على درجة الدكتوراه، والتي أكدت في حوارها مع «زهرة الخليج» أن هذه «الملكة» موجودة لدى جميع البشر، لكن بنسب متفاوتة، وفي مجالات مختلفة، وأن «الذكاء العاطفي» سرُّ القيادة الناجحة.
وخلال حديثنا مع الدكتورة مايا، التي تعمل محاضرة جامعية ومتطوعة وناشطة مجتمعية، ومدربة تنمية بشرية في السعادة والإيجابية والتسامح، أوضحت أن توظيف «الذكاء العاطفي» بالطريقة الصحيحة يساهم في تعزيز مقدرة الفرد على فهم العواطف بفاعلية والتحكم فيها، وتحديد ملامح علاقة الشخص مع ذاته والآخرين، لافتة إلى أنه عكس مفهوم الذكاء المتعارف عليه، حيث إن «الذكاء العاطفي» يتميز بالمرونة، ويمكن تحسين هذه المهارة من خلال الإدراك المتزايد، والالتزام بالتغيير الإيجابي.. وتالياً نص الحوار:
لماذا اخترتِ «الذكاء العاطفي» مجالاً للتخصص فيه؟
بدأت قصتي مع اكتشاف «الذكاء العاطفي» في وقت صعب بحياتي، عندما تلقيت صدمة بوفاة ابنة صديقتي عام 2013، وهي التي نشأت أمام عينيَّ، عندما كنت مديرة مدرسة. ورغم أنني تعرضت لأزمات عدة في حياتي، فإن هذه المرة كانت الأصعب، إذ لم أستطع حينها استيعاب الموقف، وشعرت كأنني صحوت من غفوة جميلة على صدمة حقيقية، وأحسست حينها بعجز تام، ثم دخلت في حالة من الاكتئاب القوي. في هذا الوقت، لم يكن موضوع المشاعر والحالة النفسية موضوعاً للطرح والنقاش، ولم يكن مفهوم الاكتئاب متداولاً في مجتمعاتنا. ولأنني أتمتع بفضول أكاديمي، وأحب التعلم بدأت متابعة قناة «يوتيوب»؛ لأعرف أكثر، وأفهم تكوين مشاعرنا. وعقب ثلاث سنوات من البحث والدراسة والمتابعة الحثيثة، لفت انتباهي، وأثار فضولي، علم يطلق عليه «الذكاء العاطفي»، وصرت أتساءل: لماذا لا يوجد مثل هذا العلم في الوطن العربي؟.. ولماذا هو موجود في دول الغرب؟.. وبدأت تطبيقه على نفسي تدريجياً، إلى أن تمكنت من الخروج من الاكتئاب.
كيف تمكنت من الخروج من هذه الحالة؟
عندما تعمقت في «الذكاء العاطفي»، وتعلمت كيفية الاعتناء بالنفس، وعرفت ما تحتاج إليه الذات، وبعد مرور هذه المرحلة، فكرت في الحصول على الدكتوراه، لأتخصص في هذا العلم القيم «الذكاء العاطفي وأثره على قيادة الذات وقيادة الآخرين»، والتحقت بجامعة حمدان بن محمد الذكية في دبي، التي سهلت لي الأمر، لاسيما أنني استطعت الدراسة عن بُعْد، بسبب ظروفي الشخصية، كأم وامرأة عاملة.
إنجاز علمي
كيف أثر حصولك على درجة الدكتوراه في مسار حياتك، وكيف ساهمت هذه الخطوة في تغيير توجهك واكتشاف شغفك؟
كانت فترة مهمة في حياتي، لا أنسى كيف ساهمت الدكتورة التي أشرفت على رسالتي في توجيهي إلى الطريق الصحيح، وكان ذلك عام 2017، عندما أكدت لي أن التوجه الجديد في التعليم الحديث سيكون بأسلوب التعليم المصغر على شكل مقاطع فيديو قصيرة بمواقع التواصل الاجتماعي، وكان كلامها صحيحاً ومستشرفاً للمستقبل. فها نحن اليوم في 2024، والتعليم المصغر يعتبر من أهم الأساليب المتبعة، والأكثر متابعة، وقد استمرت رحلتي مع رسالة الدكتوراه لمدة 6 سنوات، إذ بدأت بتحميل مقاطع فيديو قصيرة عن «الذكاء العاطفي» بمواقع التواصل الاجتماعي، لأنبهر مع مرور الوقت بالتأثير الكبير الذي حدث، وتجاوب الناس مع المحتوى الذي أقدمه، إذ كانت هناك حالة تعطش كبيرة للتعبير عن المشاعر، وتمكنت حينها من جمع الإحصاءات عن طريق منصات التواصل الاجتماعي، التي كنا نسعى للحصول عليها، وسافرت إلى أربعة بلدان عالمية لإتمام البحث، ليتم نشر البحث في «مؤتمر إيدن» بإيطاليا. ومن هنا، انطلقت مسيرتي الفعلية، حيث بدأت أتحدث في المؤتمرات، وأحضر الفعاليات المختلفة ذات العلاقة، وأصبح حضوري أوضح وأقوى.
هل يمكن لـ«الذكاء العاطفي» أن يساهم في إحداث تفاهم بين الزوجين؟
الرجل اليوم أصبح أكثر قدرة على فهم وتقبل ودعم أهداف وطموح المرأة، خاصة عندما يكون هدفها إنسانياً وتعمل من خلاله على خدمة الآخرين، وإحداث تأثير مجتمعي إيجابي، حينها ستتغير النظرة، وستتطور إلى أبعاد أعمق، وأكثر تفهماً من قِبَل الرجل، في حال كانت المرأة صادقة في طموحها ورسالتها، وأيضاً في علاقتها الزوجية، من خلال قدرتها على التعامل بـ«ذكاء عاطفي» عالٍ مع الرجل، بحيث تفصل بين قوتها كامرأة قيادية خارج المنزل، وبين دورها كامرأة وزوجة وأم داخل المنزل، وعليها تنمية مهارة «الذكاء العاطفي»؛ لتتعزز لديها القدرة على إدارة بيتها، وتقدير زوجها، وإعطائه حقه الطبيعي من القوامة، ودوره على رأس الهرم في الأسرة.
هل أصبح «الذكاء العاطفي» من الصفات الأساسية، التي يجب أن يمتلكها ذوو المناصب القيادية؟
من الجميل التطرق إلى هذا الأمر؛ إذ أظهرت الدراسات، عام 1995، أن «الذكاء العاطفي» مهم بنسبة 80% في نجاحك الشخصي والمهني، والذكاء الأكاديمي بنسبة 20%. لكن، المشكلة أن الناس ينظرون ويصنفون الأشخاص عموماً بناءً على ذكائهم الأكاديمي، وعلى تحصيلهم العلمي. ولقد ظهر هذا الأمر جلياً ولمسناه جميعاً، في فترة الحجر الصحي خلال فترة «كورونا»، حيث احتاج الناس إلى التواصل معاً، للتعبير عن مشاعرهم، فكان دور «الذكاء العاطفي» غاية في الأهمية للتعامل مع الحالات النفسية، التي مر بها العالم على اختلاف أطيافه.
هل ترين أن هذه المهارة أصبحت أكثر أهمية من التحصيل الأكاديمي، خاصة مع تزايد المسؤوليات القيادية؟
أرى أن الشخص القيادي ليس بحاجة إلى معرفة كل العلوم، لكن من الضروري أن يتمتع بقدرة عالية على فهم الأفراد العاملين معه، لذلك فإنه بحاجة إلى شهادات وكفاءة أكاديمية، وكذلك إلى معرفة بعلم «الذكاء العاطفي»؛ حتى يتمكن من القيادة الناجحة. فالشخص ذو المنصب القيادي في بيئة العمل، يجب أن تكون لديه نظرة علمية للمؤسسة والعاملين، تساعده على قراءة شخصياتهم، ودراسة تحركاتهم، ومعرفة نقاط قوتهم، والأساليب المناسبة للتواصل معهم، وكيفية إظهار مهاراتهم وتوظيفها بأحسن شكل، ومعرفة كيفية استثمارها، وتطوير وتدريب من يحتاج إلى ذلك. بمعنى آخر، التعامل معهم بناء على علاقة إنسان بإنسان، من خلال التعاطف والتواصل الفعال، وتنمية المهارات، وتقدير الأداء.
هدف.. وطموح
ما الرسالة التي توجهينها إلى كل أم تشعر بأن الأوان قد فات لتحقيق ذاتها، بسبب متطلبات حياتها الأسرية؟
دائماً أقول: إذا وضعت حاجة الأشخاص، الذين يعتمدون عليك، قبل حاجتك ورغبتك الشخصية، تكون رسالتك في مسارها الصحيح؛ لذلك أقول لكل سيدة تحدثها نفسها بأن الوقت قد فات، وأنها ضيعت الكثير من عمرها، ولم تحقق شيئاً لنفسها، وأن طموحها لم يتحقق كما ترغب، وفي الوقت نفسه لديها مسؤوليات على عاتقها: لا بأس، فلم يفت الأوان بعد، فهناك من يعتمد عليك، وهذه مهمتك اليوم، إلى أن يستطيع كل منهم الاعتماد على نفسه كما يجب، فالوقت ليس لك بعد، وبمجرد الانتهاء من الأولويات، يكون قد حان الوقت لك للبدء وأخذ خطوة في سبيل تحقيق ما تسعين إليه. فأنا لا أنصح أي سيدة لديها أبناء صغار بأن تبدأ قبل أن يكبر أبناؤها، خاصة إن كان لديها طموح عالٍ ورغبة في تحقيق طموحها، وشخصيتها دؤوبة، وتشعر بأن لديها سر وجود في هذا الحياة، ولديها هدفاً واضحاً، وأقول لها: إن سر وجودك الفعلي هم أطفالك في هذه المرحلة؛ لأن عملية تحقيق الذات تحتاج إلى الكثير من الوقت والجهد، والأولوية في هذا الوقت يجب أن تكون لأبنائك، فأتمنى منك الصبر قليلاً، وبمجرد وصولهم إلى 17 أو 18 عاماً؛ عندها تستطيعين الانطلاق وبقوة.
كيف يمكن للتسامح أن يكون محطة عبور إلى السعادة؟
التسامح والسعادة وجهان لعملة واحدة، فالإنسان المتسامح ينعم بالسعادة والسكينة؛ لذلك التسامح محطة عبور إلى السعادة الحقيقية، كما أن الشخص المتسامح مع نفسه والآخرين يعد قدوة حسنة لمن يعيشون حوله؛ فهو ينشر هذه القيم الجميلة ويعلمها لكل من حوله، من خلال تصرفاته التي تبعث فيهم روح الاحترام. لهذا علينا، جميعاً، أن نعزز صفة التسامح في نفوسنا، ونبدأ معها مرحلة جديدة، وسنرى أثرها الإيجابي في جوانب حياتنا كافة.