افتتح متحف اللوفر أبوظبي، انطلاقاً من مكانته باعتباره إحدى المؤسسات الثقافية الرائدة في المنطقة، أول معرض له خلال هذا العام والذي يحمل اسم: «من كليلة ودمنة إلى لافونتين: جولة بين الحكايات والحكم».
وقد افتتح المعرض معالي محمد خليفة المبارك، رئيس متحف اللوفر أبوظبي، حيث يُقام هذا المعرض المتميّز بالشراكة مع المكتبة الوطنية الفرنسية، ومؤسسة متاحف فرنسا، وبدعم سخيّ من دار المجوهرات الراقية «فان كليف أند آربلز». كما تُعرَض خلاله مجموعة رائعة من القصص القديمة والحكايات الرمزيّة المصورة، حيث يمكن للزوّار الاستمتاع برحلة فريدة عبر الزمن.
وتتولى تنسيق المعرض أني فرناي نوري، أمينة المعرض وأمينة متحف رئيسيّة سابقة في قسم المخطوطات الشرقيّة في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة.
يستمد المعرض المستمر حتى 21 يونيو المقبل، الإلهام من الحكايات الرمزيّة المصورة التقليدية التي عُثر عليها في بعض المخطوطات التاريخية، ويتعمق في عالم حكايات الحيوانات الغامض.
حكايات رمزية
ويستضيف المعرض أكثر من 132 عملاً فنياً، كما يضم مجموعة منتقاة من المخطوطات النادرة واللوحات والأعمال الفنية المعاصرة وغير ذلك الكثير، ليميط بذلك اللثام عن مجموعة من الحكايات الخالدة التي تتجلّى فيها مفاهيم الصداقة، والولاء، والدهاء، والجوانب الأخلاقية، كما تم تجسيدها من خلال مجموعة من الحيوانات التي مُنحت صفات بشرية في سياق تلك الحكايات.
تُعرَف الحكايات الرمزيّة بأنها أحد أنواع الأعمال الأدبية التي تتكون من قصص قصيرة تدور حول مجموعة من الحيوانات أو الأدوات غير الحية التي تمتلك صفات بشرية، وغالباً ما يكون الهدف من تلك الحكايات هو تعليم القرّاء دروساً أخلاقية، وتعريفهم بالسلوكيات البشرية من خلال تصرفات شخصيات تلك الحكايات وما يجري بينها من تفاعلات. ومن الجدير بالذكر أن هذه الحكايات الرمزيّة قد توارثتها الأجيال، حيث توجد الحكايات الرمزية في العديد من الثقافات حول العالم؛ إذ تعتبر وسيلة للترفيه وكذلك وسيلة لتعليم القرّاء بعض الحكم والقيم.
يستكشف المعرض أصول هذا النوع من الأعمال الأدبية في كل من الهند واليونان، متتبعاً بذلك مراحل تطوره من خلال إسهامات شخصيتَين بارزتَين في هذا المجال، وهما: ابن المقفع في العالم العربي الإسلامي، وإيسوب في العالم اليوناني الروماني.
ابن المقفع ولافونتين
ومن خلال هذا المعرض، سيكتشف الزوّار كيف ساهمت الترجمة العربية لابن المقفع (حوالي720-756 ميلادية) بشكل جوهري في الترجمات التي تلتها، مثل النسختَين الفارسية والفرنسية اللتَين اعتمد عليهما جون دي لافونتين في ترجماته. ويُعرف لافونتين (حوالي 1621-1695 ميلادية) على نطاق واسع بأنه إحدى أبرز الشخصيات الأدبية في التاريخ الفرنسي، وقد تركت أعماله المتميزة أثراً باقياً في الأدب الفرنسي، والتي لا زالت تحظى بإشادة كبيرة حتى يومنا هذا بفضل جاذبيتها وحكمتها الخالدة.
شراكات المتحف
في هذا الإطار، صرح مانويل راباتيه، مدير متحف اللوفر أبوظبي، قائلاً: «لا يقتصر دور متحف اللوفر أبوظبي على تقديم الفن فحسب، حيث ينسج روايات انطلاقاً من مكانته باعتباره متحفاً عالمياً يهتم بسرد القصص المميزة. لقد تجاوزت الحكايات الرمزيّة الحدود اللغوية والثقافية كما ألهمت إبداعات جديدة في الشرق والغرب، وهي تتناغم بشكل مثالي مع مهمتنا المتمثلة في تسليط الضوء على القصص المشتركة للإنسانية».
وأضاف قائلاً: «نعتبر شراكتنا مع المكتبة الوطنية الفرنسية ومؤسسة متاحف فرنسا، وكذلك تعاوننا مع المؤسسات الإقليمية، أمراً بالغ الأهمية، فقد أثمرت شراكات المتحف عن حصوله على مجموعة من الأعمال المتميزة على سبيل الإعارة. وقد أتاح لنا هذا المعرض فرصة مميزة للتعاون مع مركز أبوظبي للغة العربية، الأمر الذي أسهم بشكل فعال في تعزيز الثراء الثقافي لهذه الحكايات الرائعة».
أعمال فنية نادرة
من جانبها، قالت أني فرناي نوري، أمينة المعرض وأمينة متحف رئيسيّة سابقة في قسم المخطوطات الشرقيّة في المكتبة الوطنيّة الفرنسيّة: «إنها المرة الأولى التي سيحظى الزوّار فيها بفرصة مميزة لمشاهدة ومقارنة أعمال فنية نادرة وقيّمة تمثل ثلاثة أنواع متميزة من الحكايات الرمزيّة التقليدية. وقد تطورت التقاليد الشرقية والغربية، المتجذرة في التراث العالمي المشترك، بصورة مستقلة دون أن يكون بينها اتصال مباشر، بينما يرسم كل منها مساره الخاص. ولم تتقارب تلك التقاليد وتتحد في النهاية إلا من خلال أعمال كاتب الحكايات الرمزيّة البارز جون دي لافونتين، لتُقدَّم لنا في صورة مجموعة فريدة معروضة في متحف اللوفر أبوظبي».
أما الدكتور غيليم أندريه، القائم بأعمال مدير إدارة المقتنيات الفنية وأمناء المتحف والبحث العلمي في متحف اللوفر أبوظبي، فعلّق قائلاً: «إننا متحمسون لإقامة هذا المعرض المتميز والمحفز للفكر في متحف اللوفر أبوظبي، حيث سيسلِّط الضوء على القوة الخالدة الكامنة في الحكايات الرمزيّة المأخوذة من ثقافات وعصور مختلفة. ومن خلال هذا المعرض، سيحظى الزوّار بفرصة لاستكشاف الموضوعات والدروس العامة الموجودة في هذه القصص ومعرفة ما تحظى به من أهمية في تشكيل عالمنا».
3 أقسام رئيسية
يُذكَر أن المعرض يضم ثلاثة أقسام رئيسية هي: رحلات الحكايات الرمزيّة، ورواية القصص، والحكايات الرمزيّة اليوم، والتي سينطلق الجمهور من خلالها في رحلة عبر الزمن مع النصوص من خلال التعرّف على ما مرّت به من تعديلات وترجمات مختلفة. ومن المقرر عرض العديد من القطع البارزة المُقدمة من فرنسا، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة في جميع أنحاء المعرض.
أبرز الأعمال
تشمل أبرز الأعمال المعروضة والمُقدمة إلى اللوفر أبوظبي من شركائه على سبيل الإعارة إحدى أقدم المخطوطات المصورة لحكايات كليلة ودمنة لابن المقفع، والتي يعود تاريخها إلى العصر الأيوبي (حوالي 1171-1250 ميلادية)؛ والمغامران وكتاب العجائب لجون بابتيست أودري، والرسام بينوا لويس بريفوست؛ وصورة جون دي لافونتين لإميل بايارد، والرسام إل. وولف (نقاش)؛ ولافونتين يكتب حكاياته الرمزيّة، لفرانسوا فايرون (نقاش).
في إطار الجهود المستمر التي يبذلها متحف اللوفر ابوظبي لتزويد زوّاره بتجارب ممتعة وتفاعلية، يستخدم المتحف تقنية الذكاء الاصطناعي لأول مرة فيما لديه من وسائل مساعدة في هذا المعرض؛ وبالتالي سيتمكّن الزوّار من إنشاء حكاياتهم الخاصة عبر طاولات تعمل باللمس ثم تنزيل قصصهم بعد إنشائها عن طريق مسح رمز الاستجابة السريعة. ويمكن للزوار أيضاً تخصيص حكاياتهم من خلال اختيار شخصياتها والدروس الأخلاقية التي يمكنهم تقديمها من خلالها ومشاركتها مع أطفالهم وأحبابهم.
الارتقاء بتجربة الزوار
وانطلاقاً من حرص المتحف على تطوير التجربة الرائعة التي سيحظى بها الزوار من خلال هذا المعرض، نسّق متحف اللوفر أبوظبي مجموعة من البرامج الثقافية والتعليمية التي سترتقي بتجربة الزوار إلى مستويات جديدة رائعة. ويمكن للزوار كذلك الحصول على فرصة لاستكشاف عالم الحكايات الرمزيّة من خلال مجموعة من الجلسات الحوارية المتميزة إضافة إلى عروض أفلام مُنتقاة بعناية تستكشف موضوعات الأخلاق، والحكمة، والقوة الكامنة في رواية القصص.
وإضافة إلى ذلك، نظم المتحف سلسلة من الجلسات الحوارية لإجراء مناقشات تفاعلية عن مختلف جوانب الحكايات الرمزيّة. وسيتم الإعلان عن تفاصيل جدول البرامج الثقافية والتعليمية المثيرة المقرر تنظيمها قريباً.
حقوق الصور: © دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي
تصوير: إسماعيل نور/Seeing Things