السعادة أيضاً شيءٌ يمكن تعلمه، إذ يمكن لنا أن نستفيد مما يفعله الآخرون من أجل الحصول عليها، ولذا ليس أفضل من الدول التي تُصنف على أنها الأسعد في العالم، حيث إنهم يعرفون ما يفعلون ليبقون في المراتب الأولى.
ورغم وجود العديد من العوامل التي تفسر سعادة البلدان الثلاثة الأعلى في الترتيب، إلا أن هناك أمراً يمكننا الاستفادة منه في حياتنا الخاصة.
فنلندا
تم تصنيف فنلندا على أنها أسعد دولة في العالم لثلاث سنوات على التوالي، ورغم أن الكثيرين يقولون إن السبب في ذلك هو مستوى الدخل، إذ لا يوجد فروقٌ كبيرة بينهم، إلا أن ما يميزهم هو أن لديهم توازناً أكثر صحة بين العمل والحياة مقارنة بمعظم دول العالم.
وفي حين أن معظم العالم الحديث لديه هوسٌ دائم بالنجاح، فقد طور الشعب الفنلندي هوساً بالحياة، وهذا درس يمكننا جميعاً أن نتعلمه، للخروج من الهموم التي تُثقل كاهلنا بشكلٍ كبير، وهو ضرورة أن يعتمد كل فردٍ منا توازناً صحياً بين العمل والحياة والتركيز على العيش بسعادة.
الدنمارك
معظمنا ليس على دراية بمفهوم Hygge الذي يستخدمه الدنماركيون لتعزيز سعادتهم، وهذا المصطلح هو نوعية من الراحة والعيش المشترك المريح الذي يولد شعوراً بالرضا أو الرفاهية، إنه ببساطة الاستفادة من الأشياء العادية وجعلها أساساً للرفاهية.
ويتعلق الأمر بارتداء ملابس مريحة، وشرب كوب ساخن من شيء ما، وإضاءة الشموع، ومشاركة الوجبات، وتناول شيءٍ حلو، وقضاء بعض الوقت مع أحبائك وأيضاً قضاء بعض الوقت في الطبيعة.
وأغلب الناس في العالم الحديث، يشعرون بالذنب لقيامهم بالأنشطة التي يعتبرها الدنماركيون مصدر السعادة، إذ إن الجميع يركز بشكلٍ كبير على النجاح والمال من أجل صنع الرفاهية، لدرجة أنهم توقفوا عن رؤية جمال الأشياء العادية.
وهنا نستذكر مشاركة جوشوا بيل، عازف الكمان الشهير، في التجربة الاجتماعية، عندما ذهب للعمل في مترو الأنفاق، ورغم أنه كان يعزف واحدة من أكثر الموسيقى تعقيداً وجمالاً على واحدة من أغلى آلات الكمان، إلا أن الكثير من الناس لم ينتبهوا لذلك، وأشارت التجربة إلى أن الناس يفتقدون الجمال والسعادة حتى عندما يكون ذلك أمامهم مباشرة.
أي بعبارةٍ أخرى نحاول جاهدين العثور على السعادة مع أنها بقربنا، في حين أن الدنماركيون أتقنوا فن استخراجها من الأشياء العادية. ولهذا السبب، بدلاً من التغاضي عن المألوف، يجب علينا جميعاً أن نتعلم كيفية استغلال كل جزء من السعادة التي يمكننا الحصول عليها من الأشياء البسيطة في الحياة.
أيسلندا
حقيقة ممتعة: أيسلندا بلد مسالم لدرجة أنه يمكن للمرء أن يصل إلى منزل رئيس البلاد ويطرق بابه ويقابله، إذ لا توجد إجراءات أمنية مشددة لأن معدلات الجريمة منخفضة للغاية ولا يحتاجون إلى تلك الإجراءات المشددة.
وإلى جانب ذلك فإنها بلد ينشر فيه واحد من كل عشرة أشخاص كتاباً في حياته، وهذا الرقم مثير للإعجاب لأن المساعي الإبداعية غالباً ما تعاني في محاولاتها لعيش حياة حقيقية.
كما أن الأشخاص الذين لا يكتبون قد ينخرطون في مساعي إبداعية أخرى، أي أن الإبداع لا يعاني في أيسلندا، وهو القاعدة وليس الاستثناء.
ولذا يمكن القول إن الإبداع هو مصدر سعادتهم، لأننا لا ننمو لنصل الإبداع، بل نخرج منه أو بالأحرى نتعلم منه، ومع تقدمنا في السن، يتم استبعادنا من الإبداع، ومن ثم يصبح شيئًا ننخرط فيه مرة واحدة فقط من حين لآخر.
وهنا يجب أن نتذكر أن الإبداع اليومي يمكن أن يجلب لنا السعادة، ولهذا السبب نحن بحاجة إلى رفع قدراتنا الإبداعية إلى أعلى مستوى ممكن، وبدلاً من الرسم أو الكتابة من حين لآخر، يجب أن يكون لدينا منفذ إبداعي يومي جاد.
باختصار في عالمنا الحديث، قمنا بتعقيد السعادة أكثر من اللازم، إلا أن أسعد دول العالم تظهر لنا أن الأمر ليس بهذا التعقيد، ولكي نعيش حياة أكثر سعادة، علينا فقط أن نعود إلى جذورنا.