ترك تشارلز فريدريك وورث، الذي أصبح مرادفاً للأزياء الراقية، بصمة لا تمحى من صناعة الأزياء العالمية، إذ انطلقت رحلته المتواضعة من الصفر حتى أصبح مؤسس صناعة الأزياء الراقية في العالم.. فمن المصمم تشارلز وورث؟
الحياة المبكرة وبدايات تشارلز وورث:
ولد تشارلز وورث في 13 أكتوبر 1825 ببلدة بورن الجذابة بإنجلترا، وكانت عائلته تعمل بالمحاماة وهي مهنة بعيدة كل البعد عن عالم الموضة، ولسوء الحظ توفي والد وورث، ما أدى إلى إغراق الأسرة في الفقر، وأجبرته هذه الحياة الفقيرة على بدء العمل في سن مبكرة.
بداياته في سوق العمل، كانت ذاتها بداية شغفه بالموضة والأزياء، إذ عمل لأول مرة في متجر أقمشة محلي، لتوفير بعض النفقات لأسرته بعد وفاة والده، وهذا ما ساعده في تحديد حياته ومسيرته المهنية.
عام 1845، عندما كان عمره 20 عاماً، انتقل وورث إلى باريس عاصمة الموضة في العالم، وهناك عمل لدى شركة «Gagelin» المرموقة المشهورة بصناعة المنسوجات والخياطة، وفي بيئة «Gagelin» الإبداعية والمبتكرة، ظهرت موهبة وورث في التصميم وتمت رعايتها وصقلها، وكانت عينه شديدة الملاحظة للتفاصيل، وقدرته الفطرية على إنشاء التصميمات موضع تقدير وتشجيع.
رحلة وورث من باريس:
عام 1858، افتتح وورث، الواثق والطموح، أول دار الأزياء في باريس للملابس الراقية «The House of Worth»، وكانت تصميماته مزيجاً مميزاً من تراثه الإنجليزي والرقي الفرنسي، ما جعلها فريدة ومرغوبة، ونالت إعجاب النخبة، ولم تقتصر مساهمة وورث في صناعة الأزياء على تصميماته فقط؛ حيث قدم ممارسات جديدة أحدثت ثورة في الصناعة.
فقد كان تشارلز وورث أول من استخدم عارضات الأزياء الحية لعرض تصميماته، ما أدى إلى تغير الطريقة التي يتم بها تقديم الأزياء، وأضافت هذه الممارسة المبتكرة عنصراً ديناميكياً وواقعياً إلى الموضة، ما سمح للعميلات المحتملات برؤية كيف تبدو الملابس وتتحرك على جسم الإنسان، بالإضافة إلى تقدم مفهوم المجموعات الموسمية لأول مرة في التاريخ، وهي ممارسة أصبحت الآن جانباً قياسياً وأساسياً في عالم الموضة اليوم.
لم تكن تصميمات وورث أنيقة فحسب، بل كانت معروفة باهتمامها الرائع بالتفاصيل، وجودة القماش والتطريز المعقد، وكانت كل قطعة بمثابة عمل فني يعكس تفاني وورث في التميز والجمال، وأصبحت تصاميمه رمزاً للمكانة والأناقة في المجتمع الراقي.
عملاء وورث من الطبقة المخملية:
أصبح وورث مصمم الملابس الرسمية للإمبراطورة أوجيني دي مونيتو كوتيسه، وضمنت غالبية طلباتها من ملابس السهرة الباهظة والفساتين والأزياء التنكرية، وكانت تطلب منه دائمًا تصميم فساتين للمناسبات التي تحضرها. وكمثال على حجم أعمال وورث مع الإمبراطورة، أنها طلبت منه، عند افتتاح قناة السويس عام 1869، 250 فستاناً. وبالإضافة إلى الإمبراطورة أوجيني، كانت لدى وورث عميلات ملكيات أخريات، بمن في ذلك الإمبراطورة إليزابيث من النمسا.
انجذبت النساء الثريات وصاحبات المكانة الاجتماعية الرفيعة إلى إبداعات وورث الرائعة. ومع مرور الوقت شمل ذلك العميلات الأميركيات؛ وأحب وورث العمل معهن، لأن مهاراته في اللغة الفرنسية لم تكن الأفضل، فضلاً عن أن نساء أميركا أعجبن كثيراً بأزياء وورث، ما دفعهن للسفر إلى باريس بشكل متكرر، من أجل تحضير خزانة ملابسهن كل موسم بواسطة إطلالات وورث.
إلى جانب المجتمع الراقي الذي كان ينغمس فيه وورث، أنتجت شركة «House of Worth» ملابس لنجمات شهيرات، مثل: الممثلة سارة برنار، والمنتجة والممثلة ليلي لانغتري، ومطربة الأوبرا جيني ليند.
إرث تشارلز وورث:
يمتد تأثير تشارلز وورث على الموضة إلى ما هو أبعد من حياته، حيث تستمر أفكاره الرائدة وممارساته المبتكرة في تشكيل وإلهام عالم الموضة اليوم. ويظل مفهوم الأزياء الراقية الذي تتبعه شركة وورث، حيث يتم تصميم كل قطعة لتناسب العميلة بشكل شخصي، حتى بعد وفاته عام 1895.
كان تركيز وورث على الجودة والحرفية يضع معياراً لا يزال صحيحاً في صناعة الأزياء المعاصرة، إذ يجب أن يكون كل ثوب مثالياً، ما يعكس إيمانه بأن الموضة لا تتعلق فقط بالملابس، بل بالفن والأناقة، وانعكاس شخصية الفرد.
استمرت عائلة وورث، حتى بعد وفاته، في كونها قوة مهيمنة على عالم الموضة حتى منتصف القرن العشرين، وأصبح بيت الأزياء الخاص به رمزاً للأناقة والإبداع والجودة، مع الحفاظ على إرثه من التميز.