يعد الزواج اللبنة الأساسية لبناء المجتمعات، ولا يمكن للحياة ودورتها أن تستمرا من دونه، لذا يسعى الجميع لضمان نجاحه واستمراريته. وتُقدم نصائح كثيرة للأجيال، بهدف إرشادها إلى طرق الاختيار الصحيحة، التي تنشأ من خلالها أسرة مثالية، قادرة على تقديم جيل آخر، يكمل هذه الحياة.
وقد وضعت فترة كافية للتعارف قبل الزواج عرفت باسم «الخطوبة»، تمنح المقبلين على الزواج فرصة مثالية للتعارف والتآلف، وتقبل كل طرف للآخر، واتخاذ قرار الاستمرار أو الابتعاد؛ في حال لم تتوافق الأرواح والقلوب والعقول.
التعلق.. والخطوبة:
تصف الاستشارية النفسية والتربوية والأسرية، الدكتورة مرام بني مصطفى، خلال حديثها إلى «زهرة الخليج»، الزواج بأنه من الطرق التي يتم خلالها إشباع الحاجات النفسية الاجتماعية، مثل: مشاعر الحب والأمان والانتماء والراحة النفسية، والحاجات الفسيولوجية، ما يعني أن التعلق الآمن والعلاقة الإيجابية بين الشريكين تساعد بشكل لافت في تنظيم الانفعالات التي قد تحدث بينهما، وترفع قدرتهما على التعامل مع الأزمات، التي قد تصادفهما خلال حياتهما الطويلة.
وتُعَرّف بني مصطفى التعلق بأنه رابطة انفعالية قوية، تظهر منذ طفولة الفرد، وتكون غالباً بينه وبين من يقدم له الرعاية، وتستمر هذه الرابطة لمرحلة الرشد، وتصبح الأساس في تشكل العلاقات العاطفية بين الشريكين، كما أنها تؤثر بشكل جذري في علاقتهما الزوجية، وتطورها.
وتكمل: الزواج يعد أهم الموضوعات الإنسانية في حياة الإنسان ومسيرته، وقرار الإقبال عليه هو أهم القرارات التي يتخذها الفرد، لذلك تسبقه فترة الخطوبة، التي تعتبر مرحلة جادةً للتعارف بين الرجل والمرأة.
الاختيار:
تقول الدكتورة بني مصطفى: «إن عملية اختيار الشريك بمثابة حجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة الزوجية السعيدة والمستقرة، والخطوبة تقوم على رابطين اثنين قويين، هما: الرابط القانوني المتمثل في إجراء العقد الذي لا يتحقق إلا بتوافر شروط عدة لازمة لصحته، وهو الرابط الذي لا يضمن حياة مستقرة ومتكافئة بين الشريكين. أما الثاني، فهو الرابط الروحي، الذي يأتي نتاج الحب والانجذاب والتوافق بين الطرفين المقبلين على الزواج، والذي يضمن حياة سوية، كلها محبة ومودة».
وتزيد بني مصطفى أن المشاعر العاطفية، التي تدفع الإنسان إلى الارتباط بشريك من الجنس الآخر هي أعمق وأقوى وأصدق المشاعر الإنسانية، ما يؤدي إلى التقارب الجنسي بين الشريكين، وتنشئة الصحبة الحميمة، والرغبة في بناء أسرة، وإنجاب الأطفال.
وغالبًا، تكون علاقات الناس معاً علاقة سطحية. لكن الأمر يختلف عندما تتم الخطوبة بين طرفين؛ فيكون التعارف بين الشريكين عن قرب أمراً حتمياً، وهذا ما يساعد على توثيق العلاقة، وزيادة رغبتهما في الارتباط.
الخطوبة طريق الزواج السعيد:
تضع الاستشارية النفسية والتربوية الأسرية، بني مصطفى، قواعد مهمة لإتمام مرحلة الخطوبة، وصولاً إلى زواج سعيد وناجح، تلخصها في النقاط التالية:
1. التقبل والاحترام منذ بداية الخطوبة:
أي تقبل كل منهما للآخر عاطفياً، واحترام شخصه ومهنته وأسرته وبيئته ومظهره.
2. التحدث بصراحة ومعرفة إيجابيات وسلبيات كل طرف منهما:
تفصل بني مصطفى حديثها بأن الهدف الأساسي من فترة الخطوبة هو التقرب والصراحة، واكتشاف كل شريك حسنات وسيئات الآخر، ومحاولة تقويم السلبيات حتى يتمكن الطرفان من التعايش معاً، وأهمية التعامل بصدق ووضوح معاً؛ لإيجاد فرصة تعديل بعض السلوكيات من أجل إتمام الزواج، وضمان نجاحه.
3. تعارف الأسرتين:
تقول بني مصطفى: «تساعد فترة الخطوبة في تعارف الأسرتين، وتوطيد علاقات القرابة بينهما، لتصبحا أسرة واحدة، كما أن فترة الخطوبة تعرف كل شريك بعادات أسرة شريكه، وأسلوب حياتها».
4. التحضير ليوم الزفاف:
تمنح فترة الخطوبة وقتاً كافياً لكل شريك؛ لكي يقرر كيفية التحضير ليوم الزفاف، فيقومان بتوحيد جهودهما؛ لتجهيز منزل الزوجية، واختيار مكان الحفل، وكل التفاصيل المتعلقة به، ما يساعد على توطيد العلاقة بينهما.
5. مناقشة المستقبل:
خلال فترة الخطوبة، يناقش كل طرف مع الآخر كل تفاصيل حياته المستقبلية، ومن سيتخذ القرارات المصيرية، وهل سينفرد أحدهما باتخاذ القرارات الحاسمة في الحياة، أم أنها ستكون ثمرة نقاش مشترك بينهما. هذه النقاشات تجعل الشخص يتأكد من مدى توافق العلاقة، خاصة عند مناقشة مكان السكن، والعمل، وإمكانية السفر للخارج، والعديد من التفاصيل المتعلقة بمستقبلهما.
6. تقسيم المهام:
تؤكد بني مصطفى، خلال حديثها، أن الحياة لم تعد كما كانت من قبل، فنحن اليوم في عصر المساواة. لذا، لا بأس من مناقشة تقسيم المهام خلال فترة الخطوبة، تجنبًا للوقوع في أية مشاكل، والحرص على معرفة رأي الشريك في موضوع إنجاب الأطفال، الذي هو أساس الأسرة.
وختاماً.. تبقى فترة الخطوبة من أهم الأوقات التي يعيشها الإنسان في حياته الطويلة، وتمثل بداية تغير كامل في نمطها وتعرجاتها، إذ إنها تسمح بدخول شريك في كل تفاصيل الإنسان، لذا، لا بد من استغلالها لضمان حياة قادمة مليئة بالحب والسعادة والنجاح والاستمرار.