أكملت المصورة سعاد السويدي 20 عاماً في رصد وتوثيق حياة الحيوانات المفترسة والوحوش حول العالم، مسجلة لقب أول إماراتية وعربية تتخصص في هذا المجال، لتصبح أيقونة إماراتية تجوب البراري والأدغال، باحثةً عن اللقطات المتفردة، التي تعكس حياة الحيوانات في البرية. وقد تمكنت بروحها القوية من ترك مجال الهندسة؛ عقب حصولها على درجة الماجستير بمرتبة الشرف، ونيل العديد من شهادات الامتياز داخل الدولة وخارجها، بعد أن وجدت ضالتها في التصوير. مؤكدة، خلال حوارها مع مجلة «زهرة الخليج»، أنها تسعى إلى أن تكون سفيرة لوطنها الإمارات في مجال تصوير وتوثيق حياة الحيوانات المهددة بالانقراض في جميع البلدان، وأن تنقل ما ترى من عظمة وإبداع في عالم الحيوانات إلى العالم.. وتالياً نص الحوار:
كيف اكتشفت موهبتك في التصوير؟
كان ذلك بمحض الصدفة، إذ لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح مصورة، لكن الظروف ساقتني إلى تجربة التصوير، عندما كنت أدرس الهندسة في أميركا، حينها كان لديَّ شعور بالوحدة؛ فقررت أن أقتني كاميرا، وأجعلها صديقةً في جولاتي لتصوير الطبيعة الخلابة، إلى أن تعلقت بها مع مرور الوقت، حيث وجدت معها ضالتي، وأيضاً موهبتي التي كنت أبحث عنها طوال حياتي. كنت أستفيد من أوقات العزلة، التي تسببها العواصف الثلجية، فخصصت جزءاً من بيتي لعمل استوديو أتعلم فيه، إلى أن يتحسن الطقس، وأخرج لتصوير الغزلان، والطيور الجارحة في المحميات الطبيعية.
لحظات متفردة
لماذا قررت ترك مسيرتك المهنية مع «الهندسة»؟
كنت أظن أنني سأجد مع «الهندسة» طريق النجاح. ورغم حصولي على درجة الماجستير بمرتبة الشرف، ونيل العديد من شهادات الامتياز داخل الدولة وخارجها، فإنني اكتشفت في التصوير، خاصة تصوير حياة الأدغال، وقد قمت بتطوير تجربتي؛ حتى قررت اتخاذ خطوة تصوير الأدغال، حيث رأيت عظمة الخالق تتجلى في هذا العالم، الذي يتميز بتشابه كبير مع عالم الإنسان، في ما يخص الأقدار والمشاعر المتنوعة بين الحب والغدر والخيانة، وتمكنت بعدستي من رصد وتوثيق لحظات متفردة لحياة الحيوانات المفترسة، وقد أصبح لديَّ فضول بتصوير عوالمها أكثر من عالم الإنسان.
ما أوجه التشابه بين مشاعر البشر والحيوانات؟
عالم الحيوانات مليء بالمشاعر، فهي تحب وتكره، وتشعر بالغيرة والحنين، وبالألم النفسي إلى درجة النواح والصراخ، كما لديها الغدر والخداع والخيانة.
ما أكثر المواقف المؤثرة، التي شاهدتِها خلال رحلاتك البرية؟
كانت قصة اللبؤة العمياء، التي صارعت 5 أسود من أجل إنقاذ أشبالها، إذ كانت الأسود تخطط للتخلص منها، لبدء عائلة جديدة مع ذرية من نسلها، فهذا نظام حياتها، فبعد أن تصل الأشبال إلى سن معينة، تنفصل عن المجموعة، وتكوّن مجموعتها الخاصة، التي يترأسها واحد منها. وفي هذه الواقعة، تمكنت اللبؤة من الدفاع عن أشبالها وحمايتها، إذ قادتها مشاعر الأمومة إلى إنقاذ أبنائها بقوة واستبسال، وهذا يمثل أكبر وجه للتشابه بين مشاعر البشر والحيوانات. وبعد معركة شرسة، ارتاحت اللبؤة، وبدأت تنادي على صغارها، وأصبح صوتها حنوناً وناعماً.
تتبع الدلالات
هل تعرفين لغة الحيوانات؟
لقد تعلمتها مع مرور الوقت؛ فقد أكملت 20 عاماً في تصوير الحيوانات المفترسة، بين الهند وأدغال أفريقيا ونيبال وأميركا وسلطنة عمان، وكنت أقوم سنوياً بما لا يقل عن أربع رحلات، وحظيت بقضاء فترات طويلة في الأدغال لرصد تحركات الحيوانات، حيث يخيم على الحياة البرية الهدوء الشديد، وهذا يساعدنا في تتبع الأصوات والدلالات، التي ترشدنا إلى أماكن الحيوانات، فكل حيوان له صوته المميز، حسب الموقف، والرسالة الذي يرغب في إيصالها، فعند الخوف يصدر صيحات تحذيرية لتنبيه العائلة باقتراب مصدر للخطر، وعند الفقد يبكي وينوح بصوت يعصر القلب، ويتغير الصوت عند اللعب والمرح، وعند التعامل مع الصغار يرقّ الصوت، مثلها مثل البشر عند التحدث مع الأطفال.
دخول هذا العالم ليس بالأمر الهين.. كيف تمكنت من ذلك؟
تشكلت لديَّ ثقافة التعرف إلى سلوكيات الحيوانات، من خلال التواصل مع أهل الأدغال، الذين يعيشون بالقرب منها، إضافة إلى التواصل مع مصوري الحياة البرية، ومراقبي الحيوانات في بيئتها. كل ذلك ساعدني في دراسة سلوكها، والحذر من أي تصرف قد يعرضني للخطر، إذ كنت أرغب في معرفة منظومة الحياة البرية على أرض الواقع، وكان عليَّ الاقتراب من عرين الأسود، ومأوى الحيوانات المفترسة الأخرى، ورصد تحركاتها.
ما التحضيرات، التي تقومين بها قبل رحلاتك؟
هنالك تحضيرات مهمة؛ لضمان أن تكون الرحلة سلسة ومن دون عوائق، بدءاً من لحظة الحصول على التطعيمات اللازمة للوقاية من الأمراض المُعْدية في هذه المناطق، وحتى تجهيز معدات التصوير اللازمة للرحلة، وأجهزة الإرسال لاستخدامها في التواصل مع الجهات المعنية، حيث يجب أن يكون المصور مستعداً لمواجهة المخاطر، وأن يحسب كل خطوة بدقة؛ ليحافظ على حياته، ويحقق أهدافه من الرحلة.
غرائب.. وعجائب
ما مدى خطورة الرحلات إلى الحياة البرية؟
لا شك في أن رحلة توثيق ورصد حياة الحيوانات البرية في بيئتها، تكون محفوفة بالمخاطر، لهذا يجب الحذر طوال الوقت، حتى إتمام الرحلة بسلام، والاستمتاع بكل تفاصيل الرحلة، التي تزخر بعدد لا يحصى من الغرائب والعجائب، فهذه المخلوقات تتكون من أمم، تربطها صلات وعلاقات وثيقة، وكذلك سلوكها لا يخلو من التفكير والمنطق والتخطيط، خلال رعاية أبنائها، وبناء منازلها، وأوكارها، والتعاون والتكافل في ما بينها.
ماذا عن مبادراتك المجتمعية؟
خلال مسيرتي، قمت بالانضمام إلى عضوية نادي الأسود العالمي، إذ أقدم معهم محاضرات توعوية، ونقوم بجهود لدعم ومساعدة الفئات المحتاجة حول العالم.
ما أهدافك، وأحلامك؟
هدفي في الحياة أن أصبح سفيرة لوطني الإمارات، في مجال تصوير وتوثيق حياة الحيوانات المهددة بالانقراض بجميع البلدان، وأن أنقل ما أرى إلى العالم باسم دولتي الغالية، خاصة بعدما أحرزت لقب أول إماراتية وعربية توثق حياة الحيوانات المفترسة والوحوش حول العالم، وهذا كله بفضل دعم والدتي، التي آمنت بموهبتي في التصوير، ومنحتني كل التشجيع، لأحقق أحلامي وطموحاتي.