لم تكن حياة «ملكة الموسيقى اللاتينية» شاكيرا، المولودة في الثاني من فبراير عام 1977، عادية كبقية النجوم، فقد مرت بتقلبات كثيرة، عاشت فيها صنوف الفشل والنجاح، والإحباط والحب والخيانة والانفصال والانتقام، والشهرة التي تعدت كل الآفاق والحدود فبلغت عنان السماء.
فشل قبل النجاح:
رغم أنها بدأت الغناء في سن مبكرة جداً، فإن النجاح لم يكن حليفاً للمطربة ذات الأصول اللبنانية، شاكيرا إيزابيل مبارك ريبول، في بداياتها الفنية. فقد كان الظهور الأول لشاكيرا بعمر 13 عاماً، بعد أن وقع الاختيار عليها لتقديم تسجيل غنائي خاص بشركة «سوني» للترفيه الموسيقي.
وبعد أن بلغت شاكيرا 14 عاماً، أصدرت ألبومها الغنائي الأول في مسيرتها، وحمل اسم «Magia» (سحر). لكن هذا الألبوم لم يلقَ أي نجاح يذكر، إلا أنه لم يكن سبباً كافياً لكبح جماح طموح الشابة الكولومبية، أو إيقاف مسيرتها الفنية، بل إنها أصدرت الألبوم الثاني بعد عامين كاملين، حينما بلغت 16 عاماً، وحمل اسم «Peligro» (خطر)، لكنه لم يأتِ بأي جديد، ولحق سابقه في الفشل، إذ لم يحقق «خطر» أمل شاكيرا بالنجاح، الذي كانت تحلم به.
ومع الإصرار المستمر والعمل الدؤوب، تمهلت الشابة التي باتت لاحقاً أهم مغنيات العالم في تقديم ألبومها الثالث، واستمرت بالعمل على مدار ثلاث سنوات كاملة، لتعود بألبوم «Pies Descalzos» (حافي القدمين)، ليكون بمثابة انطلاقة رسمية لها، فحظي هذا الألبوم، وكل الأغنيات التي قدمت فيه، بانتشار هائل، وفاق نجاحه ما توقعته هي ومنتجوه أنفسهم.
ودفع هذا النجاح الكبير شاكيرا، الفتاة التي بدأت تنضج فكرياً وفنياً، إلى تقديم ألبوم غنائي آخر حمل اسم «Dónde Están los Ladrones» (أين اللصوص)، لتجعل لنفسها موطئ قدمٍ حقيقياً بين أفضل مطربات جيلها، وتتصاعد شعبيتها بسرعة كبيرة جداً في كل بلدان العالم، خاصة تلك الناطقة بالإسبانية، وتتواصل بإصدار الأعمال تباعاً بعد ذلك.
ورغبة منها في توسع قاعدتها الجماهيرية، قدمت شاكيرا عام 2002 أول ألبوم لها باللغة الإنجليزية، تحت اسم «Laundry Service»، لتبدأ تحطيم الأرقام القياسية، وتصبح حديث العالم أجمع، بعد أن باعت أكثر من 20 مليون نسخة منه.
نجمة «المونديال»:
توصف شاكيرا بأنها النجمة الأولى لبطولات كأس العالم لكرة القدم (فيفا)، فقد اختيرت نجمة لافتتاح أهم حدث رياضي في العالم ثلاث مرات، وغنت في افتتاح كأس العالم بألمانيا عام 2006، وتسبب غرق الجماهير في عشقها وحبها في اختيارها مرة أخرى للغناء في افتتاح مونديال جنوب أفريقيا 2010، الذي قدمت فيه أشهر أغانيها على الإطلاق «Waka Waka»، التي حققت أكثر من 3.5 مليارات مشاهدة في «يوتيوب»، ما دفع منظمي مونديال البرازيل 2014 إلى استدعائها، مجدداً، للظهور في افتتاحه مرة أخرى.
قصة حب جميلة نهايتها أليمة:
شغلت شاكيرا العالم أجمع بقصة حبها وارتباطها بنجم كرة القدم الإسباني السابق جيرارد بيكيه، الذي التقته في عام 2010، خلال تصويرها أغنيتها الخاصة بكأس العالم، وكان قائد نادي برشلونة السابق حاضراً لرفع كأس العالم والمشاركة في الفيديو، وكان هذا اللقاء بمثابة شرارة أشعلت قلبَي الثنائي العالمي، ليعيشا قصة حب مختلفة تحدثت عنها كل وسائل الإعلام في العالم، ولحقها ارتباط نتج عنه إنجاب طفلين، هما: «ميلان»، و«ساشا».
ورغم أن علاقتهما وصفت دائماً بالمثالية، وكانت مضرب مثل حقيقي وواقعي لارتباط النجوم، فإن الثنائي فاجأ العالم أجمع في الشهر الأول من العام الماضي 2023، عندما أعلنا انفصالهما بشكل رسمي، بعد اتهامات بالخيانة طاردت بيكيه.
وكما أن قصة حبهما لم تكن عادية، كان انفصالهما كذلك أيضاً، فلم يسلم أي طرف من الآخر، وتعمد كل واحد منهما إلحاق الأذى بحبيبه السابق، وبدأت شاكيرا إصدار الأغنيات التي توجه من خلالها الرسائل إلى شريكها السابق، ويرد الأخير بالظهور في فيديوهات مختلفة. كما أن بيكيه أعلن، رسمياً، ارتباطه بفتاة أخرى، وبدأ يظهر معها علناً؛ ليخوضا معارك قضائية بينهما حول حضانة طفليهما، ويتبادلان التهم إلى يومنا هذا، رغم رحيل شاكيرا بعيداً عن مدينة برشلونة الإسبانية، التي كانت مستقراً لها على مدار عشر سنوات، وبدئها حياة جديدة في ميامي الأميركية.
أرقام خالدة:
حققت شاكيرا، عبر مسيرتها الطويلة، عدداً كبيراً من الأرقام المهمة، التي يطمح إليها أي فنان، فقد نالت جائزة "غرامي" ثلاث مرات، من أصل ستة ترشيحات، فنقشت اسمها كأول فنانة من أميركا الجنوبية يتم ترشيحها لهذه الجوائز.
كما حققت 14 جائزة "غرامي لاتينية"، من بينها أربع في ليلة واحدة، الأمر الذي جعلها تحفر اسمها كأكثر فنانة حققت جوائز في ليلة واحدة.
وشهد مشوار شاكيرا، الحافل بالإنجازات، فوزها أيضاً بخمسة ألقاب لجائزة الموسيقى الأميركية (AMA)، من أصل ثمانية ترشيحات.
ومن الجوائز المهمة، التي نالتها شاكيرا، أيضاً، جائزة الموسيقى المستقلة الكندية، وجائزة أماديوس النمساوية.
ورغم كل ما مرت به المطربة الكولومبية من تقلبات في عام 2023، فإن هذا العام كان "وجه السعد" كذلك؛ إذ إنها استطاعت خلاله تحطيم رقم مادونا في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كأكثر فنانة حاصلة على الجوائز في التاريخ، إضافة لكونها الأولى من أميركا الجنوبية، التي تم تكريمها خلال حفل "MTV Video Music Awards"، بجائزة مايكل جاكسون للفيديو الطليعي.
ملهمة الفتيات:
لطالما كانت شاكيرا مميزة بكل تفاصيلها: شكلها، وشعرها، وابتسامتها، وملابسها، وكل ما تقوم به في حياتها العادية، أو على خشبة المسرح، أو رقصها وغنائها، وباتت مصدر إلهام حقيقياً للفتيات اليافعات والشابات، ولعدد كبير من الفنانات من شتى بقاع الأرض، فقلدتها ملايين النساء على وجه الأرض، وغنت ورقصت مثلها مئات الفنانات اللواتي ينتمين إلى ثقافات مختلفة.
وفي عيد ميلادها السابع والأربعين، لا تزال شاكيرا تنافس نفسها بنفسها، ويصفها النقاد بأنها خارج المنافسة أصلاً، فلا يمكن لفنانة مهما بلغت مكانتها أن تُنقص من قيمتها الفنية شيئاً، فكلما غنت شاكيرا غنى معها العالم، وطالما أنها تفرح وترقص؛ فإن العالم يرقص ويفرح معها.
ومن دون شك، إن شاكيرا ستظل ظاهرة عالمية، قد لا تتكرر أبداً؛ فأخبارها لا تغيب يوماً عن كبرى الصحف العالمية، والمنصات، والمحطات، وتشكل كل خطوة في حياتها حدثاً مهماً يترقبه محبوها الكثيرون في كوكب الأرض.