أبنية مؤثرة في وجدان أبوظبي

التراث ليس مقتصراً على الماضي البعيد، وإنما يمتد أيضاً إلى الوقت القريب. ومن هذا المنطلق، جاءت مبادرة الحفاظ على التراث الثقافي الحديث، التي أطلقتها، مؤخراً، دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وتشمل 64 معلماً وموقعاً ومبنى تراثياً حديثاً في الإمارة.. في هذه الزاوية نستعرض أهمها.

التراث ليس مقتصراً على الماضي البعيد، وإنما يمتد أيضاً إلى الوقت القريب. ومن هذا المنطلق، جاءت مبادرة الحفاظ على التراث الثقافي الحديث، التي أطلقتها، مؤخراً، دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وتشمل 64 معلماً وموقعاً ومبنى تراثياً حديثاً في الإمارة.. في هذه الزاوية نستعرض أهمها.

ينبض شارع زايد الأول، المعروف باسم «شارع إلكترا»، بالحياة نهاراً وليلاً، إذ يعبره يومياً الآلاف، سيراً عل الأقدام، أو بالسيارات، متجهين إلى مناطق أخرى من مدينة أبوظبي، أو قاصدين هذا الشريان الحيوي، الذي تتناثر على جانبيه المتاجر والمصارف، والمطاعم، والمكتبات، و«السوبرماركت»، ومحال بيع الحلويات، إلى جانب المباني السكنية، والعمارات الضخمة. وأكثر ما يميز هذا الشارع هو احتواؤه على عدد من العمارات، التي وضعت على لائحة التراث الثقافي الحديث، أبرزها: عمارة الإبراهيمي، وعمارة عبيد المزروعي (كونيكت فور)، وبرج بطي العتيبة. فهذه المباني الثلاثة تشكل جزءاً أساسياً من تاريخ مدينة أبوظبي، وترتبط بوجدان الكثيرين ممن عاصروا بناءها، حيث تعكس هذه الهياكل المعمارية لحظات مهمة، وتطورات تاريخية، وتعزز الهوية الثقافية والروح الاجتماعية للمجتمع المحلي.

  • «بناية» الإبراهيمي

«بناية» الإبراهيمي

عند السير في شارع إلكترا، لا يمكن تجاهل بناية الإبراهيمي، بهندستها الاستثنائية، وطوابقها الـ16، التي ترتفع فوق المطعم الذي منح العمارة اسمها. ولا يعرف، بالتحديد، متى بدأ العمل في هذه البناية الأسطوانية الشكل، لكن من المؤكد أنها لم تشيد قبل عام 1970، لأنه في ذلك الوقت لم تكن تقنيات البناء تسمح بتشييد تلك العمارات المرتفعة، التي هي أقرب إلى ناطحات السحاب. وهي بالتأكيد بنيت قبل عام 1990، لأن مطعم الإبراهيمي فتح أبوابه في ثمانينات القرن الماضي، ناهيك عن ظهور المبنى في صور مخطط لشارع إلكترا، وضع عام 1990. وقد أبدع المهندس فاروق الجوهري، الذي أشرف على تصميم هذا المبنى وبنائه، في منحه أنماطاً هندسية جعلته يسبق عصره، ويتميز ليس عن المباني المحيطة به فحسب، وإنما أيضاً المباني التي عرفتها أبوظبي في تلك الحقبة الزمنية. وهذا الشكل الأسطواني للعمارة يكاد يتلاشى مع صفوف المكعبات المتشابكة، التي تشكل واجهة المبنى، وتخبئ خلفها شرفات الشقق التي يسكنها أفراد من جنسيات مختلفة، ما يوفر لهم نوعاً من الخصوصية من دون أن يعزلهم عن العالم الخارجي. 

  • «بناية» عبيد المزروعي

«بناية» عبيد المزروعي

بمجرد النظر إلى واجهة مبنى عبيد المزروعي، لا بد أن ترتسم على وجه الناظر ابتسامة، فتلك الدوائر التي تؤطر شرفات ونوافذ الشقق السكنية، التي تتوزع على 10 طوابق من دون احتساب سطح المبنى، توقظ رغبة في اللعب والضحك. وعلى الرغم من أنه لا أحد يعرف هوية مهندس عمارة عبيد المزروعي، فإن الجميع يتفقون على أنه صاحب شخصية مرحة، تعشق اللعب، فقد دفعته ربما إلى أن يستلهم تصميم المبنى من لعبة «كونيكت فور»، التي صدرت عام 1974. 

وعلى غرار بناية الإبراهيمي، يوفر الشكل الهندسي لهذه العمارة التي تعرف أيضاً بـ«بناية كونيكت فور»، نوعاً من الخصوصية لساكني الشقق، من دون أن تحجب عنهم العالم الخارجي. ومن حسن الحظ أن هذه العمارة نجت من عمليات الهدم، التي طالت عدداً من المباني القديمة في أبوظبي، من خلال ضمها إلى قائمة التراث الحديث، إذ لا يوجد مبنى مماثل لها في المنطقة، ما يجعلها علامة فارقة في ذاكرة المدينة.

  • برج بطي العتيبة 

برج بطي العتيبة 

في شارع إلكترا، أيضاً، يقع برج بطي العتيبة ذو الـ17 طابقاً، الذي أدرج في قائمة التراث الحديث لمدينة أبوظبي، لاعتباره جزءاً من مشهد المدينة ونسيجها. يطل البرج بهندسته المعمارية الفريدة على شارع إلكترا الرئيسي من جهة، وعلى مركز مدينة زايد التجاري من الجهة الأخرى. وقد بني البرج في ثمانينات القرن الماضي، وشكل وقتها علامة على التطور العمراني الحضري، الذي تنتهجه العاصمة الإماراتية في مسيرة تطورها، وتحول إلى ملتقى للعديد من الأشخاص، الكبار والصغار، الذين كانوا يتأملون واجهته بشكلها الهندسي المميز مع النوافذ السداسية، أو متاجره التي تحتل طابقه الأرضي. 

ويبقى هذا البرج، رغم إنشاء مبانٍ زجاجية حديثة أكثر عصرية في محيطه، محافظاً على روحه الفريدة، التي تجعل الجميع يحارون في عمره الحقيقي، ونموذجاً من العمارة الحديثة، وهذا يدل على براعة المهندسين: جمال نجار، وزكي حمصي من شركة «أركيتكشورال ديزاين كونسلتانتس»، اللذين اتبعا سياسة البساطة في هندسة تتخطى الأزمنة.