الأديبة والروائية التونسية الصغيرة، ميساء بن ميم، نموذج لإنسان يحب الحياة، ويقدر عطايا الخالق عزَّ وجلَّ. فعلى الرغم من فقدان ميساء بن ميم نعمة البصر، فإنها استطاعت أن تصنع لنفسها مكاناً بين الأدباء والشعراء في الوطن العربي، لتكون أصغر كاتبة عربية، تحصل على جوائز عربية ودولية عن مجمل كتاباتها، التي فاقت الـ15 كتاباً، فضلاً عن التكريمات والشهادات التي نالتها.. في مدينة سوسة الساحلية، التي تبعد عن العاصمة تونس بحوالي 120 كيلومتراً، التقيناها؛ في هذا الشهر الذي يحتفي خلاله العالم بلغة «برايل»، التي أنارت الطريق أمام من هم مثلها؛ لرؤية إبداع الحرف، وبريق المعرفة؛ فكان لنا معها هذا الحوار المملوء بالطاقة والأمل:
بدايةً.. كيف اكتشفت عالم الكتاب والشعر والأدب؟
يعود الفضل في ما أنا عليه الآن إلى الله عزَّ وجلَّ، ثم إلى جدتي التي ربتني منذ نعومة أظافري؛ حيث كانت تحكي لي حكايات شعبية، وتروي لي الخرافات والأساطير، وتغني لي أهازيج الفرح من الموروث الشعبي التونسي، بشكل ممتع. كما حرص جدي على أن أحفظ آيات وسوراً قرآنية، ثم تسلم خالي عثمان المشعل، وبدأ يقرأ لي الروايات والكتب والقصص المفيدة، ويقوم بتحميل روايات وقصص صوتية من موقع «يوتيوب». حينها، بدأت اكتشاف هذا العالم، والغوص فيه، وتخيل كل ما يقرأ لي، وكل ما أسمعه.
هل ولدتِ كفيفة؟
لم أولد كفيفة، لكنني أصبت في الأسبوع الأول من ولادتي بارتفاع شديد في درجة الحرارة، أثر في عينيَّ، فأصبت بالعمى التام. وقد أجريت عملية جراحية لزراعة قرنية، لكنها للأسف لم تكلل بالنجاح.
عائق وحيد
متى انتقلت من مرحلة الاستماع إلى الكتابة؟
بدأت أكتب في سن صغيرة جداً، وأول كتاب أصدرته حينما كنت بعمر 8 سنوات، وكان بعنوان: «علاء والشجرة»، وقد شاركت به في مسابقة الأدباء الصغار، وفزت بالمرتبة الثانية محلياً.
ما الكتاب الذي أثر فيك كثيراً؟
في الحقيقة، تأثرت بالكثير من الكتب، أبرزها «نهاية رجل شجاع»، للكاتب حنا مينا.
قلت في حديث سابق إنك من عاشقات الكاتب طه حسين، فما الذي يجذبك إلى كتاباته؟
أعشق الأديب طه حسين، وأسعى إلى بلوغ مرتبة عالية في الأدب أسوة به، فهو المؤلف الوحيد الذي قرأت كتابه «الأيام» مرتين. لقد شدتني كثيراً فصاحته، وأعتقد أنني أشبهه في جوانب عدة، من بينها: الإعاقة البصرية، ونشأتي الريفية.
من أبرز الكتاب، الذين تحرصين على قراءة إصداراتهم، وماذا تعلمت من كلٍّ منهم؟
تعلمت من طه حسين الفصاحة، ومن نجيب محفوظ الوصف، ومن مروان عبود النقد، ومن جبران خليل جبران رقة اللغة، ومن كل كتاب أستقي المعرفة والعلم، ويتطور أسلوبي مع كل قراءة، وكل كاتب.
لاحظنا أن معظم الكتاب، الذين تقرئين لهم رجال.. أين الأديبات العربيات من قراءاتك؟
بالعكس، فأنا أقرأ أيضاً للكاتبة اللبنانية مي زيادة، ومن تونس لخولة حمدي. لكن الأديبات العربيات مُقلات كثيراً في تحويل كتاباتهن إلى كتب مسموعة، وهذا هو العائق الوحيد الذي أواجهه.
رسائل محفزة
هل تطلعين على كتابات أدباء الخليج العربي؟
نعم، لقد قرأت للكاتبة السعودية منى الرشود رواية «أنت لي»، ولفتني أسلوبها، وكيف تكلمت عن مشاعر الحب من دون أن تخرج عن العادات والتقاليد، وكلما عثرت على كتاب مسجل لا أتردد في سماعه، والاطلاع على مكنوناته، بغض النظر عن هوية الكاتب، أو رقعته الجغرافية.
ميساء بن ميم.. أين ترى نفسها مستقبلاً؟
أرى نفسي مترجمة؛ فأنا أعشق اللغات وتعلمها، وأرى أن الإنسان يتطور بالعلم والمعرفة، وأتمنى أن تصل كتاباتي إلى العالم، كما أتمنى أن أصل إلى مرحلة كتابة الروايات والكتب بغير لغتي.
ما الرسالة التي توجهينها إلى الأطفال والشباب؛ ليُقبلوا على القراءة؟
نبدأ بالأطفال؛ حيث إن الطفل يميل إلى قراءة أشياء تحقق له المتعة كما في كتابات بديع الزمان الهمذاني، حيث توجد فيها رسائل محفزة كثيرة، وبطريقة ممتعة وجذابة. هذه النوعية من الكتب تحفز الطفل على القراءة وتجذبه نحوها، إذ يجب أن ترتبط القراءة بالمتعة، حتى تصبح عادة مستمرة، ثم ننتقل إلى جيل الشباب، الذي - للأسف - يحصل معظمه على المتعة من ألعاب الفيديو، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ومن هنا، أتمنى أن يفهم الشباب أن الكتب توفر لهم متعة أكبر، وفائدة أشمل؛ فأنا أواجه «تيك توك»، ووسائل الإلهاء البشري، بكتب مفيدة تحقق أهدافاً علمية وأدبية وعقلية.
تقدمين برنامجاً يتعلق بالتنمية البشرية على إحدى الإذاعات الدولية.. حدثينا عن هذه التجربة!
نعم، قدمت برنامجاً إذاعياً حول التنمية البشرية، وتحدثت فيه عن الإعاقة، وكيف يجب على الإنسان أن يطور نفسه وعقله، ويتعايش مع إعاقته. أرى أن الإعاقة البصرية لا شيء، مقارنة بأنواع أخرى من الإعاقات، مثل: فقدان القدرة على المشي، أو التخلف الذهني، أو غيرهما؛ فهي إعاقات تجعل الشخص حبيساً في محيطه، وغير قادر على الاعتماد على نفسه في أبسط الأشياء، ويصبح عالة على المحيطين به. لكن رغم ذلك فالحياة محطة، وعلينا أن نعيشها بحلوها ومرها، ونتعايش معها، ونحاول أن نغير واقعنا نحو الأفضل، وأن نكون مثالاً يحتذى، ونترك بصمة إيجابية لغيرنا، فدائماً أقول: «في هذه الأرض ما يستحق الحياة».
«سفيرة الكلمة»
كيف تقضين يومك؟
يبدأ يومي مبكراً؛ فأنا أصحو للذهاب إلى المدرسة، وفي هذه الأثناء أحاول الاطلاع على الإصدارات الجديدة، وأدون أفكاري، وأكتب كل ما يدور في ذهني، وهدفي هو إنتاج أكثر ما يمكن من الكتب والروايات والمقالات، خاصة التي تتعلق بالمسائل الاجتماعية، والتحديات التي يواجهها كوكب الأرض، مثل: الجفاف، والتغير المناخي، وشح المياه والموارد الطبيعية.
نلت ألقاباً شرفية عدة.. أيها أقرب إليك؟
«سفيرة الطفولة في الوطن العربي»، و«سفيرة الكلمة» للاتحاد الدولي للأدباء والشعراء العرب.
ماذا حققت لكِ الكتب؟
الكتب هي كل رفاقي، وقد أضافت سنوات إلى عمري، وأدخلتني عالم الكبار، فأصبحت بفضلها أكثر نضجاً.
ما رسالتك التي تحملينها إلى العالم؟
أرغب في تغيير الصورة النمطية، التي يحملها الكثيرون عن الأشخاص المكفوفين، والتي تضعهم في موضع العاجز، وأسعى إلى تقديم صورة أخرى؛ تجعل الكفيف في موقع المبدع، والعارف بكل المتغيرات في محيطه، والساعي إلى دفع مجتمعه نحو الأفضل.