مريم العبيدلي: الوصول إلى جمهور عالمي لا يعني التخلي عن الهوية
اختارت مريم العبيدلي، المديرة العامة لـ«مجموعة كلمات»، أن تضع خبراتها الطويلة في التواصل مع الجمهور، وبناء السمعة المؤسسية الرائدة، لدعم قطاع صناعة الكتاب، موقنة أن أحد أبرز التحديات، التي تواجه تنامي أعداد القراء في الوطن العربي، يتجسد في قوة الحوار، والتواصل بين مؤسسات النشر وجمهور القراء. «زهرة الخليج» التقت العبيدلي، ليس فقط لإلقاء الضوء على مسيرتها الملهمة، بل للتعرف أيضاً على رؤيتها تجاه أبرز القضايا، التي تشغل المرأة العاملة في القطاعات الثقافية والإبداعية، وما تقدمه من تصورات للفرص المفتوحة أمام الكتاب العربي، وخيارات توسع أعماله عالمياً:
كيف بدأت رحلتك العملية، وما الدروس المستفادة منها؟
حقيقة، إنني محظوظة بأن أكون ابنة دولة الإمارات، حيث تتلقى المرأة الإماراتية كامل الدعم؛ لتكون مساهِمة في مجتمعها، وشريكة في تحقيق تطلعات الدولة الطموحة، فبلا شك فتحت لي هذه البيئة فرصاً كبيرة، ودفعتني إلى اكتشاف ما يمكنني أن أضيفه إلى المجال الذي اخترت العمل فيه، سواء في الاتصال وبناء العلاقة مع الجمهور للمؤسسات، أو ضمن قطاع صناعة الكتاب بصورة عامة. هنالك درس مهم، ليس من واقع تجربتي وحسب، وإنما أعتقد أنه من واقع أي امرأة، هو أن تحقيق أي نجاح يبدأ من الإيمان بالذات، ويتسع ليتجسد في الالتزام ومواصلة التطور، والنظر دائماً إلى انعكاس ما نقوم به وأثره ليس في أنفسنا وحسب، وإنما في من حولنا، وحتى في الأجيال المقبلة، فدائماً كنت أشعر، وأنا أقوم بعملي، أنني أضيف شيئاً حتى ولو بسيطاً إلى صناعة النشر الإماراتية والعربية، وأنني أسهل وصول قارئ جديد إلى الكتب، وهذا كان كافياً لأعمل بشغف.
جودة المحتوى
كيف توازنين بين النظرة العالمية لـ«مجموعة كلمات»، والحفاظ على هوية الأدب والثقافة العربية؟
الوصول إلى جمهور عالمي، وقراء من مختلف أنحاء العالم، لا يعني التخلي عن الهوية المحلية، بل على العكس، فنحن في «مجموعة كلمات» نوقن أن جودة المحتوى والمضمون هي المعيار الأساسي للكتاب، بغض النظر عن هوية كاتبه، لذلك نقدم للقارئ أعمالاً منسجمة مع قيمنا وهويتنا العربية، ونظرتنا إلى صناعة الكتاب العالمي تتجسد في معايير الطباعة والتصميم والتسويق. وعند الحديث عن المعرفة والأدب والفن، فإننا نتحدث عن منتج إنساني، لذلك مثلما نحن نقرأ لأدباء من كل قارات العالم، يقرأ العالم المؤلفات العربية بلغاته، لهذا تظل مهمتنا أن نحترم عقلية القارئ وذائقته، ونحرص على اختيار أعمال ومؤلفات تثري معرفته ووعيه، وهذا ما وصلنا إليه خلال السنوات الماضية برؤية الشيخة بدور القاسمي، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لـ«مجموعة كلمات»، حيث قدمنا للمشهد الثقافي العربي إصدارات مميزة في محتواها ومضامينها، واستقطبنا كبار الكتاب العرب، في الوقت الذي دعمنا فيه حضور أسماء العديد من الكتاب، أصحاب التجارب الاستثنائية والنوعية، وإلى جانب ذلك أصدرنا مؤلفات تقدم للمرة الأولى بالعربية، ونقلنا أعمالاً حاصدة جوائز عالمية، وفتحنا لقراء الدار أبواباً واسعة، للاطلاع على ما يقدمه الكتاب اليوم بلغات العالم.
تواكب «كلمات» متغيرات وتطورات سوق الكتاب، هل يمكن لهذا التوجه أن يرفع معدلات القراءة في العالم العربي، وما الخيارات المتاحة لاستقطاب قراء جديد؟
معدلات ومستويات القراءة، وحجم الجمهور، من اكبر التحديات التي يواجهها سوق الكتاب في العالم، وفي المنطقة العربية على وجه الخصوص، ما يجعل التواصل والاتصال مع الفئات المجتمعية المستهدفة من النتاج المعرفي والإبداعي الذي يقدمه الناشرون، سر نجاح أي دار نشر في العالم. على المستوى الشخصي، لا أرى أنه يوجد أشخاص لا يريدون القراءة، ولا يجدون في الكتب متعة تثري أوقاتهم وحياتهم، وإنما هنالك أشخاص لم تقدم لهم الكتب بصورة مناسبة، وهنالك أشخاص قدمت لهم مؤلفات لا تناسب اهتماماتهم، أو كتب لا ترتقي جودتها إلى دفعهم للتعلق بالقراءة والكتب، لهذا اخترت أن أنقل خبرتي بإدارة السمعة والتواصل مع الجمهور وبناء الرأي العام إلى صناعة النشر، لأنني موقنة أن المعرفة أثرها تراكمي، ويمتد إلى أجيال، وما نزرعه اليوم قد يحصده أبناؤنا وأحفادنا بعد عشرات الأعوام.
محطات.. وإنجازات
حصلت «كلمات» على العديد من التكريمات محلياً وعالمياً.. كيف تنظرون إلى الجوائز؟
بكل تأكيد للجوائز تأثير مباشر في نجاح أعمال دور النشر، وتوسيع قاعدة جمهورها من القراء، والمتعاملين في قطاع صناعة الكتاب، فهي منصات تختصر - في كثير من الأحيان - جهود سنوات من التسويق والترويج، وتصل بمنتج الدار إلى جمهور القراء مباشرة. لكننا في «مجموعة كلمات» نوقن أن الجوائز ليست غاية، وإنما نتيجة عمل مميز، لذلك أولويتنا أن نقدم أعمالاً ومؤلفات ذات جودة عالية، وهذا ما لمسنا أثره منذ تأسيس الدار عام 2007 إلى اليوم، حيث حصلنا على جائزة مهرجان الشارقة القرائي للطفل عام 2013، وجائزة الملتقى العربي لناشري كتب الطفل عامَيْ 2014 و2016، وجائزة العويس للإبداع الأدبي في 2015. كما نفخر بتحقيق المجموعة إنجازاً عالمياً مرموقاً للعرب في عام 2016، بفوزنا بجائزة معرض بولونيا الدولي لكتب الأطفال، إضافة إلى العديد من الجوائز المحلية والإقليمية والعالمية، ونفخر بأننا، أيضاً، توجنا بجائزة الشيخ زايد للكتاب عام 2017.
كيف ساهمت «مجموعة كلمات» في خدمة عالم النشر؟
«كلمات» حلم تحقق، حلم بدأ برؤية وطموح الشيخة بدور القاسمي، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لـ«مجموعة كلمات»، إذ كانت تحلم بإنشاء مجموعة من دور النشر، تقدم كتباً تلامس وجدان وعقول الأطفال واليافعين والكبار في العالم العربي، فهي تدرك أهمية الكتاب في نشر المعرفة والثقافة والسلام، وضرورة توفير كتب عربية عالية الجودة، تحترم القارئ العربي. وبهذا الحلم، انطلقت «مجموعة كلمات» عام 2007، وبدأت بإصدار كتب تجمع بين الجودة والإبداع والتنوع، تاركة بصمتها في كل مجالات الكتابة، من التعليمية التي تستهدف الأطفال واليافعين في دار «حروف»، إلى الروايات والشعر والسير الذاتية والفكر في دار «كلمات»، ودار «روايات»، وصولاً إلى القصص المصورة، و«الكوميكس في كوميكس». وهذا الحلم لم يظل حبراً على ورق، بل أصبح حقيقة ملموسة، تظهر في المكانة التي حجزتها «مجموعة كلمات» في عالم النشر، إذ غدت تحظى بشعبية كبيرة بين القراء الصغار والكبار في الوطن العربي، من خلال ما تقدمه من كتب تناسب اهتماماتهم وتطلعاتهم، ويظهر ذلك واضحاً في حضورها أهم وأبرز معارض الكتاب والمناسبات الثقافية، التي تهتم بالكتاب والقراءة، وحصول إصداراتها على تقديرات وجوائز عالمية مرموقة.
تحتفل «مجموعة كلمات» بـ16 عاماً على انطلاقتها.. ماذا تقولين بهذه المناسبة؟
أشعر بالفخر والامتنان لاختياري لقيادة هذه المجموعة، التي تحتفل هذا العام بـ16 عاماً من الإبداع والتميز في نشر الكتب، فهذه مسؤولية عظيمة، وشرف كبير، يحتاجان إلى جهد وعطاء وحكمة، وأجمل ما نحتفل من خلاله بهذه المناسبة، هو وصول إصداراتنا إلى أكثر من 500 كتاب في غضون 16 عاماً، أي حوالي 3 كتب كل شهر، تغطي المجالات والفئات العمرية المختلفة.