كلثم المنصوري: «سبوق الطير» تحافظ على تراث الصقارة
منذ 25 عاماً، حملت كلثم خادم المنصوري على عاتقها أمانة حفظ تراث دولة الإمارات؛ لتجسيد الماضي، وتأكيد أصالته، وترسيخ الهوية الوطنية لدى أبناء وبنات الوطن؛ لتصبح أحد رواة التاريخ والتراث، وتستحق عن جدارة لقب «حامية التراث»، وأكدت خلال حوارها مع «زهرة الخليج» أن هذا اللقب يعد وسام شرف تفتخر به، ويدفعها إلى متابعة عملها المخلص؛ للحفاظ على عادات وتقاليد المجتمع.
وكشفت، خلال حديثها، أن عملها يمنحها شعوراً عظيماً، فدورها زادها عطاءً وثقةً بنفسها، وبقدرتها على الإنتاج والإنجاز، وحقق أهدافها كامرأة تعمل في مهنة لا تشبه أي مهنة أخرى من منظورها، كونها تحمل رسالة، وتحمي تراث الأجيال، خاصة مع اتجاه الشباب لمواكبة الحداثة، مشددة على حرصها الدؤوب على نشر المهن التراثية والحرفية، التي توارثها أبناء الدولة عبر التاريخ.. وتالياً نص الحوار:
كيف بدأت مسيرتك مع الحرف التراثية؟
تربيت في بيت يهوى الخياطة والتطريز، وينبض بالروح التراثية الإماراتية التقليدية، حيث ورثت عن أمي وخالتي مهنة «التلي»، وعندما كبرت انضممت إلى مركز الصناعات للحرف اليدوية، التابع للاتحاد النسائي العام، وتدربت على أيدي جداتنا وأمهاتنا من «حاميات التراث»، وأصبحت واحدة منهن، وصرنا عائلةً محبة على قلب واحد؛ لتحقيق غاية وطنية نبيلة هي حفظ تراثنا الأصيل، فلا أشعر بينهن بأنني في مكان عمل، فهو يمثل بيتي الثاني.
فخر.. واعتزاز
ما الحرف التي تعلمتها عند التحاقك بمركز الصناعات للحرف اليدوية؟
تدربت بمختلف أقسام المركز، وتمت تنمية مهاراتي في التلي والسدو، واطلعت على الخوص، وجميع حرفنا التراثية، لكنني تخصصت في حرفة «سبوق الطير»، وتسعدني كثيراً المشاركة في المعارض والمهرجانات، التي يشارك فيها الاتحاد النسائي العام، برفقة أبنائي وأحفادي وحفيداتي، حيث يرتدون الزي التراثي، ويلتقطون الصور أمام منتجاتي، للإعراب عن فخرهم واعتزازهم بما أقوم به.
ما الفرق بين «سبوق الطير» قديماً وحديثاً؟
هي حبال ملونة، يتم جدلها من خيوط حريرية وصوفية، ويستخدم جدل «سبوق الطير» لربط الصقر بـ«الوكر» الذي يغرس في الرمال، ليكون مقعداً يحط عليه الصقر بعد جولته في الفضاء، حيث يمنع «السبوق» الطير من التحليق لمسافات بعيدة عن «الوكر». في السابق، كانت ألوان خيوط «سبوق الطير» من الأبيض والأسود، لكنها حالياً زاخرة بالألوان، وأصبح البعض يفضلون استخدام خيوط النايلون عوضاً عن الحرير، حيث يتم جدل هذه الخيوط باستخدام «النول». أما أطوالها فتختلف، لكنها لا تزيد على متر ونصف المتر، بينما تكون أطرافها على شكل حلقات، لتمكن صاحب الصقر من ربط طيره في «الوكر».
جذور تاريخية
ما الذي جذبك إلى هذه الحرفة الأصيلة؟
منذ أمد بعيد، ارتبط القنص أو الصقارة بالتراث الإماراتي، فهذه الرياضة تجسيد للمجد والشجاعة. وكان الصيد بالصقور من الرياضات التي عشقها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ومنحها الكثير من وقته وجهده، لكن الصقارة لا تقتصر على ممارسة رياضة «القنص»، وإنما اتسعت لترتبط بها حرف مثل جدل «سبوق الطير»، التي كانت تقوم بها الأمهات والجدات في الماضي؛ ليساعدن بها الرجال في ممارسة هذا اللون الأصيل من الرياضات، الذي عرفه الآباء والأجداد قبل مئات السنين.
كيف يمكن حماية تراث الدولة، ونقله عبر الأجيال؟
منذ تأسيس الدولة، قدم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، كل سبل الدعم للتراث الإماراتي، ومن ضمنها الحرف التراثية التي تبدع فيها نساء الإمارات، حيث آمن، طيب الله ثراه، بدور الأسر المنتجة في المجتمع، الأمر الذي ظهر جلياً عندما وجه بإنشاء مركز الصناعات للحرف اليدوية عام 1978، الذي يعتبر أول مركز متخصص بالدولة في مجال الحفاظ على التراث، ويمثل مشروعاً وطنياً هدفه واحد هو استقرار الأسرة، والارتقاء بمستواها الاقتصادي، وصولاً إلى إنشاء أكاديمية الحرفيات الإماراتيات؛ لبناء قدرات الكوادر الوطنية النسائية المتخصصة في الصناعات الحرفية والتراثية. وما أفخر وأعتز به كثيراً، هو حرص أبناء وبنات الإمارات على تربية أبنائهم على العادات والتقاليد التي ترعرع عليها آباؤنا وأجدادنا، ليواصلوا مسيرتهم الطيبة، ويحافظوا على هويتنا الأصيلة.
ما دور «حاميات التراث» في مركز الصناعات للحرف اليدوية؛ لتحقيق هذه الغاية؟
حرص الاتحاد النسائي العام، من خلال مركز الصناعات للحرف اليدوية التابع له، على توفير كل السبل والإمكانات لاستدامة عطاء «حاميات التراث»، وإيجاد أجيال جديدة منهن، تحافظ على إرثنا العريق، وتقوم بدور بالغ الأهمية في صون الحرف التراثية، ونقلها إلى الأبناء جيلاً بعد جيل؛ لتحكي تاريخ الآباء والأجداد، تجسيداً لرؤية سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية (أم الإمارات)، إذ قدمت سموها كل الدعم؛ للحفاظ على الحرف التقليدية المعززة للهوية الوطنية، وترسيخها في ثقافة المواطنين، حتى تدوم الروابط بين الماضي والحاضر والمستقبل.