مع التزايد المستمر في الوعي بأهمية الصحة والعافية، أصبح مفهوم «الديتوكس» يحظى بمزيدٍ من الاهتمام، ويروج له باعتباره وسيلة مهمة لتطهير الجسم من السموم، وتعزيز الصحة، والتخلص من الوزن الزائد أيضاً. فما مدى حاجة الإنسان إلى «الديتوكس»، وهل فعلاً يساهم هذا النظام في إنقاص الوزن، ومن المرشحون للاستفادة منه؟.. وجهنا هذه الأسئلة، وغيرها، إلى آمبر سومير، أخصائية التغذية المعتمدة لدى مركز كليفلاند كلينك للتغذية البشرية، التي أوضحت لنا، في الحوار التالي، هذا المفهوم الرائج بين عدد كبير من الراغبين في إنقاص أوزانهم، واستعادة نشاطهم وحيويتهم:
ما المقصود بـ«الديتوكس»، وما تأثيره الفعلي في الجسم؟
يُعرف «الديتوكس» بأنه عملية، يتم خلالها التخلص من المواد السامة بالجسم، من خلال نظام غذائي مقيد جداً. وتتنوع أنظمة إزالة السموم من الجسم بشكل كبير، فمنها ما يعتمد على السوائل فقط، أو تناول مكملات غذائية معينة، أو أطعمة محددة لفترة معينة. وبشكل عام، يزعم عدد كبير من مناصري هذه الأنظمة أنه من خلال التخلص من الأطعمة الصلبة، وإضافة بعض المشروبات أو المكملات الغذائية، تتم إزالة السموم من الجسم، ويُمنح الجهاز الهضمي فترة راحة، تسمح له «بإعادة ضبط» آلية عمله، أو الشفاء من الأمراض التي تصيبه.
هل «الديتوكس» ضروري للجميع، أم هناك من يحتاج إليه أكثر من غيره؟
إن أجسامنا فعّالة للغاية في آليات التخلص من السموم، من خلال الكبد والجهاز الهضمي والكليتين؛ لذلك لا يعتبر «الديتوكس»، أو اللجوء إلى استراتيجيات محددة للتخلص من السموم، ضرورياً لجميع الأشخاص. قد يحاول بعض الأفراد اعتماد أنظمة غذائية، تخلو من بعض الأطعمة، ما قد يؤدي إلى حدوث مشكلات في الجهاز الهضمي، أو الإصابة بالتهابات، أو صداع نصفي، أو غيرها من الأعراض غير المرغوب فيها. وهذه الأنظمة لا تعتبر تطهيراً للجسم من السموم، بل هي عملية لتحديد الأطعمة، وإزالة تلك التي لا يتحملها المرء أو يهضمها جيداً، أو لديه حساسية تجاهها. ويوصى، دائماً، باستشارة اختصاصي تغذية معتمد؛ للمساعدة على تحديد الأطعمة التي ينبغي تجنبها، إذ يصعب على الشخص القيام بذلك بمفرده.
آثار جانبية
هل صحيح أن «الديتوكس» يؤدي إلى فقدان الوزن؟
يزعم مناصرو أنظمة إزالة السموم من الجسم (الديتوكس) أنها تقدم فوائد صحية، مثل: فقدان الوزن، وزيادة الطاقة، وتحسين آليات الهضم. ومع ذلك، لا يوجد حتى الآن دليل علمي يدعم هذه الادعاءات.
هل هناك مخاطر، أو آثار جانبية محتملة، مرتبطة بحميات «الديتوكس»؟
غالباً تكون حميات «الديتوكس» منخفضة السعرات الحرارية والبروتينات، ما قد يؤدي إلى إصابة الشخص ببعض الأعراض، مثل: التعب، والصداع، والغثيان. واعتماداً على نوع نظام التخلص من السموم، يمكن أن تحدث زيادة تكرار حركات الأمعاء، أو تشنجات في البطن، أو الإصابة بالإسهال. من المهم، أيضاً، أن يحرص الأفراد - الذين يعانون حالات طبية معينة، ويتناولون الأدوية بانتظام - على التحدث إلى أطبائهم قبل اتباع أي نظام «ديتوكس»؛ بهدف التخلص من السموم؛ للتأكد من مدى سلامته بالنسبة لهم.
ما الطرق الشائعة لتنقية الجسم من السموم، وبأيٍّ منها تنصحين المبتدئين؟
يشمل «الديتوكس» أنظمة عدة، لكن أكثرها شيوعاً «الديتوكس المائي»، الذي يعتمد على شرب أنواع معينة من العصائر، أو المياه، أو الشاي، أو تناول المكملات الغذائية. أنصح الراغبين في تنقية أجسامهم من السموم، بدلاً من اتباع «الديتوكس المائي»، بالابتعاد عن الأطعمة المصنّعة، التي بها نسبة عالية من الدهون والسكر؛ لبداية مثالية لأي شخص يأمل تحقيق النتائج نفسها، التي يزعم أنصار أنظمة تنقية الجسم من السموم إمكانية تحقيقها بـ«الديتوكس». لكن، لا بد من الإشارة إلى أن زيادة تناول السوائل والألياف، أيضاً، تساعد على إزالة السموم بشكل طبيعي، ويُعد الماء أفضل السوائل للاستهلاك. كما أنصح بزيادة تناول الألياف بشكل تدريجي، عن طريق تناول الفواكه الطازجة، والخضروات والبقوليات والمكسرات والبذور، والحبوب الكاملة.
نظام غذائي متوازن
ما التأثيرات السلبية للممارسة المنتظمة لـ«الديتوكس» في الجسم على المدى الطويل؟
لا يوجد، حتى الآن، دليل علمي على أن الممارسات المنتظمة لتطهير الجسم من السموم تقدم فوائد صحية طويلة الأجل، أو آثاراً سلبية للأفراد الأصحاء. في المقابل، هناك أدلة على أن الأنظمة الغذائية الغنية بالألياف، التي تحتوي على نسبة منخفضة جداً من الأطعمة المصنعة، يمكن أن تؤدي إلى فوائد صحية طويلة الأمد.
ما العلامات التي تدل على حاجة الجسم إلى التخلص من السموم؟
عادةً، لا يوجد سبب يدفع الأفراد إلى اتباع أنظمة خاصة لتنقية الجسم من السموم، أو اتباع حمية «الديتوكس». لكن التخلص من الأطعمة والمشروبات غير الصحية، واستبدالها ببدائل صحية، من الخطوات الجيدة، التي يمكن القيام بها عندما يشعر الشخص بأن جسمه يحتاج إلى ذلك. ويوصى، أيضاً، بمناقشة المخاوف الصحية مع طبيب أو أخصائي تغذية معتمد؛ لوضع خطة تتناسب مع احتياجات الفرد؛ للوصول إلى أهدافه الصحية.
كيف يؤثر «الديتوكس» في صحة الأمعاء؟
رغم أن «الديتوكس» يمنح القناة الهضمية استراحة من الأطعمة الصلبة، فإن حميات «الديتوكس» غالباً تفتقر إلى الأطعمة الغنية بالألياف، مثل: الخضروات والفواكه والبقوليات والحبوب الكاملة، التي يحتاج إليها الجسم للحفاظ على أمعاء صحية، وإلا سيعاني الشخص اضطرابات في الأمعاء.
كيف يمكن الحفاظ على الفوائد الصحية، بعد انتهاء حمية «الديتوكس»؟
غالباً، تكون أنظمة التخلص من السموم مقيدة للغاية، ومنخفضة السعرات الحرارية؛ لذلك يصعب الالتزام بها طويلاً، وينبغي اتباعها فقط لفترة قصيرة. ومن الشائع أنه، في بداية التحول نحو نظام محدد للتخلص من السموم، يفقد الشخص بعض الوزن بسرعة، ويشعر بتحسن عام. لكن لسوء الحظ، بمجرد العودة إلى النظام الغذائي الطبيعي، يستعيد الشخص الوزن الذي فقده بالسرعة نفسها. بدلاً من التركيز على خطط التخلص من السموم، نوصي باتباع نظام غذائي صحي ومتوازن، غني بالأطعمة النباتية الكاملة، لأن مثل هذه الأنظمة لا تساعد على تحسين عملية الهضم فحسب، وإنما يمكنها أيضاً تقليل الالتهابات، وزيادة الطاقة، والمساعدة على تحقيق وزن صحي.
أداة نفسية جيدة
باختصار.. أحد الأسباب التي جعلت مفهوم التخلص من السموم والتطهير يكتسب شعبية كبيرة، أنه يساعد الناس على الشعور بالتحسن في البداية، خاصة إذا كانوا يتناولون نظاماً غذائياً غنياً بالأطعمة المصنعة أو المعبأة. لكن بعد مضي يومين أو ثلاثة، يؤدي الاعتماد على عدد قليل جداً من السعرات الحرارية، وقليل من البروتين أو الدهون الصحية، إلى خسائر صحية فادحة. ربما أفضل شيء يمكن أن يقال عن «الديتوكس»، هو أنه أداة نفسية جيدة للمساعدة على خفض، أو القضاء على العناصر غير الصحية في النظام الغذائي الخاص بالفرد، مثل: السكر، والدهون الضارة، والكربوهيدرات. وصحيح أنه مع «الديتوكس» يمكن فقدان الوزن بسرعة؛ نتيجة تقليل تناول السعرات الحرارية، لكن بمجرد العودة إلى تناول الطعام بشكل طبيعي، يستعيد الفرد ما فقده مرة أخرى.. وربما أكثر.