فاطمة المحيربي: نقل التراث إلى الأجيال الجديدة واجب وطني

يحمل التراث عادات الآباء والأجداد وملامح المجتمع منذ عشرات، بل ومئات السنين، ويُعد الحفاظ على الحِرَف التقليدية مهمة وطنية؛ لتعريف الأجيال بالتراث الأصيل.. تقدم حامية التراث، فاطمة درويش المحيربي، نموذجاً مضيئاً للمرأة الإماراتية الشغوفة بالحفاظ على الحِرَف الإماراتية التراثية الأصيلة، من خلال نقلها

يحمل التراث عادات الآباء والأجداد وملامح المجتمع منذ عشرات، بل ومئات السنين، ويُعد الحفاظ على الحِرَف التقليدية مهمة وطنية؛ لتعريف الأجيال بالتراث الأصيل.. تقدم حامية التراث، فاطمة درويش المحيربي، نموذجاً مضيئاً للمرأة الإماراتية الشغوفة بالحفاظ على الحِرَف الإماراتية التراثية الأصيلة، من خلال نقلها عبر الأجيال.

وأكدت المحيربي أنها، وزميلاتها في المهنة، يعملن تحت شعار حب الإمارات، ويتحملن مسؤولية صَوْن الحِرَف التقليدية الإماراتية القديمة، والحفاظ عليها، والتعريف بها من خلال مشاركاتهن في مختلف المناسبات والفعاليات والمهرجانات، وتحدثت إلى مجلة «زهرة الخليج» عن الصناعات القديمة، التي تعبق بروح الماضي، وسردت مسيرتها مع الحِرَف التراثية، التي تتطلب دقة في الصنع، وحرفية في التشكيل، فضلاً عن ذائقة جمالية، على حد تعبيرها.. وتالياً نص الحوار:

كيف كانت بدايتك مع الأعمال اليدوية؟

بدأ شغفي بالتجارة والأعمال اليدوية منذ 27 عاماً، عندما تزوجت، وقد كانت البداية مع الإكسسوارات، إذ انطلقت في تنفيذ الفكرة بـ500 درهم، كانت رأسمال مشروعي آنذاك. وقد اخترت فكرة الإكسسوارات حينها لحداثة الفكرة، ولما لها من أهمية لدى جميع النساء من مختلف الأعمار، حيث تلعب الإكسسوارات دوراً بارزاً في زيادة أناقة المرأة، فهي مكمل حقيقي، يمنحها مظهراً ساحراً، ورونقاً جذاباً؛ إن أحسنت انتقاء ما يناسب ملابسها، فما يصلح منها للمناسبات والحفلات يختلف عما يصلح للعمل، وما يليق بالمراهقات لا يليق بالناضجات، وتمكنت من تحقيق نجاح وأرباح؛ أهلتني لدخول مجال أوسع في التجارة.

تبادل خبرات

حدثينا عن الخطوة التي تلت الإكسسوارات!

انتقلت إلى مجال جديد في التجارة، بتعلم أساسيات صناعة الدخون والعطور من أمهاتنا حاميات التراث بمركز الصناعات الحِرَفية، التابع للاتحاد النسائي العام، اللاتي قدمن إليَّ خلاصة تجربتهن، فقمت بعدها بإعداد الدخون والعطور في المنزل، وعرضها للبيع من خلال المعارض التي كان ينظمها الاتحاد النسائي العام لدعم الأسر المنتجة، وانتعشت حينها تجارتي، ونمت علاقاتي الاجتماعية، حتى تعرفت على سيدة أوروبية، وتم تبادل الخبرات في ما بيننا، إذ إنها علمتني أسرار صنع الصابون والشموع، وعلمتها أصول إعداد الدخون والعطور العربية، وأفادني ذلك كثيراً؛ حيث وسعت تجارتي، وأدخلت منتجات جديدة جذبت العملاء، ونالت إعجابهم؛ لجودتها، وصناعتها المنزلية المتقنة.

ما العوامل التي أهلتك؛ لتحقيق هذه النجاحات في ريعان شبابك؟

على الرغم من زواجي وأنا في سن صغيرة، فإنني لم أتوقف عن مواصلة التعلم؛ فتابعت مسيرتي التعليمية حتى حصلت على شهادتي الجامعية. كانت لهذا الأمر أهمية كبيرة في توسيع مداركي، وتعلم اللغات، بالتوازي مع الخبرات الحياتية، التي اكتسبتها من التعاملات الاجتماعية والتجارية. كل هذا ساهم في تنمية مهاراتي الفكرية، والاعتماد على دراسة السوق واحتياجاته، قبل دخول أي مجال تجاري جديد، الأمر الذي عزز قدرتي على تحقيق النجاحات.

تميزت الإماراتيات قديماً في صناعة الخوص والسدو.. حدثينا عن ذلك! الخوص والسدو من الحرف اليدوية الشعبية، التي تميزت فيها النساء قديماً بدولة الإمارات. وتعتمد صناعة الخوص على تجديله ليشبه الضفيرة، ثم صنع الاحتياجات المنزلية المتعددة من تلك الجدائل الخوصية، ومنها: السلال، والحقائب، التي يوضع فيها الطعام، والصرود، وغيرها من الاحتياجات التي تستخدم لأغراض عدة، فيما تعد حرفة السدو شكلاً من أشكال النسيج التقليدي، الذي تمارسه النساء البدويات في الدولة، ويصنع من صوف الأغنام والإبل والماعز، وقد استخدم في صناعة الخيم وتزيينها من الداخل، كما كانت تزين به سروج الخيول والإبل. وتتميز حرفة السدو بالتصاميم والرموز الغنية بالألوان المبهجة، المستوحاة من البيئة الطبيعية، لتعكس الهوية الاجتماعية للقبيلة.

كيف تمكنتِ من إضافة لمسة عصرية إلى منتجاتك من الخوص والسدو؟

كان يجب علينا الجمع بين أمرين، هما: مواكبة أذواق الجيل الجديد من المستهلكين، وصناعة المنتجات التراثية التي تمثل رمزاً مهماً لإبداع الإنسان الإماراتي، وقدرته على التكيف مع ظروف الحياة المتغيرة، وتقديمها بلمسة عصرية. وقد حرصت في منتجاتي على الجمع بين الإرث الحِرَفي الإماراتي، وتقنيات التصميم الحديثة والمعاصرة؛ لترسيخ التواصل مع ماضينا العريق، وتعزيز استخدام تراث المنطقة، وحِرَفها اليدوية، في الحاضر والمستقبل.

تمكين الأسر المنتجة

كيف ساهمت المهرجانات التراثية في تعزيز الحِرَف التراثية، ودعم الأسر المنتجة؟

بلا شك، تقدم المهرجانات التراثية دعماً كبيراً للأسر المنتجة، بفضل دعم قيادتنا الرشيدة، التي تحرص على الحفاظ على الموروث الثقافي والتراثي العريق لدولة الإمارات، وصونه للأجيال القادمة؛ ليكون رافداً من روافد الحضارة، ما يعزز الهوية الوطنية، ويرسخ قيمنا الأصيلة. وساهمت المهرجانات التراثية، على مدار العقود السابقة، في تمكين الأسر المنتجة، وتسخير كل سبل النجاح؛ لتتمكن من تقديم منتجاتها، وتحقيق أرباح تعينها على مواصلة مشوارها في حماية التراث، واستدامته.

ماذا تعلمتِ من التحديات التي واجهتك؟

التحديات التي واجهتني زادت طموحي وإصراري على النجاح، كما عملتني الصبر، ومنحتني قوة الإرادة لتجاوز المحطات الصعبة، خلال مسيرتي بالمجال التجاري، خاصة أن «التجارة مكسب وخسارة»، ويجب على كل من يعمل في هذا المجال أن يرسخ هذه الحقيقة في عقله، ولا يفزع عندما يتعرض لخسارة، بل يجب أن يبحث عن الأسباب ليتفاداها مستقبلاً، وأيضاً لا يفرح فرحة عارمة بحصوله على مكسب كبير، بل يتخذ من هذا النجاح دافعاً للسير نحو الخطوة المقبلة، بكل عزيمة وثقة.

من خلال خبرتك الطويلة.. كيف يمكن حفظ الحِرَف الإماراتية التقليدية، واستدامتها؟

من المهم، لتحقيق هذه الغاية، أن يتم إدراج مادة دراسية خاصة بتعليم أصول الحِرَف التراثية، تكون ملزمة، وتوضع لها درجات يمكن أن تحتسب ضمن السلوك، الأمر الذي تترتب عليه مكاسب كبيرة، منها: تعريف أبناء الإمارات بها، وتعليمهم هذه الفنون الجميلة، وكذلك اكتشاف المواهب بهذا المجال. والمقترح الآخر هو إقامة مدرسة ملحقة بالمهرجانات التراثية، التي تقام في الدولة على مدار العام بجميع الإمارات، وفتح المجال للجميع ليتعلموا من حاميات التراث، اللاتي نعتز ونفخر بعطائهن الفياض. على المستوى الشخصي، أحرص بشكل متواصل على تقديم خبراتي بمجال الحرف التراثية إلى بنات الأجيال الجديدة، وأعتبر ذلك واجباً وطنياً، أعتز وأفخر بتأديته.