جسر المقطع.. شاهد على عبور أبوظبي طريق التنمية والازدهار

«المقطع».. هل تعرفون قصة هذا الجسر، وما الذي جعله، ومحيطه، ضمن مبادرة الحفاظ على التراث الثقافي الحديث، التي أطلقتها دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، مؤخراً؟.. بعضكم ربما عايشوا مرحلة بناء الجسر، والبعض الآخر ربما قرؤوا عن تاريخ الإمارة ونموها.. لكن، ماذا عن الذين يمرون يومياً فوق الجسر، ولا يعرفون

«المقطع».. هل تعرفون قصة هذا الجسر، وما الذي جعله، ومحيطه، ضمن مبادرة الحفاظ على التراث الثقافي الحديث، التي أطلقتها دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، مؤخراً؟.. بعضكم ربما عايشوا مرحلة بناء الجسر، والبعض الآخر ربما قرؤوا عن تاريخ الإمارة ونموها.. لكن، ماذا عن الذين يمرون يومياً فوق الجسر، ولا يعرفون أهميته التاريخية؟

هنا، سنروي لكم قصة أول جسر عَبَرَ بمدينة أبوظبي إلى طريق التنمية والازدهار.

أواخر القرن الثامن عشر، استقرت عائلة آل نهيان الحاكمة في جزيرة أبوظبي، بعد أن تم اكتشاف مياه الشرب فيها. ومع التغيرات التي بدأت تشهدها الجزيرة من حيث النفوذ، والصناعة المرتبطة بصيد اللؤلؤ، ولاحقاً في الخمسينات اكتشاف النفط، بدأ الناس يقصدونها عابرين المياه الضحلة، عبر مضيق عرف باسم «المقطع». 

«حصن المقطع»

كان عبور هذا المضيق محفوفاً بالمخاطر، ذلك أن المياه كانت تغطيه، فكان يتحتم على العابرين انتظار انحسار المد. ولتوفير الحماية للمسافرين تم، أواخر القرن التاسع عشر، بناء برج عرف باسم «حصن المقطع»، ليكون بمثابة استراحة وعلامة للعابرين إلى الجزيرة. وفي خمسينات القرن الماضي، ومع وصول السيارات، تم إنشاء طريق مؤقــــــت غير ممهد بالقــــرب من البــرج، عرف بـ«معبر المقطع»؛ فشكل نقطة الاتصال الوحيدة بين البر الرئيسي والجزيرة. واصل البرج دوره في توفير مكان للاستراحة والحماية، لاسيما مع بناء مركز للجمارك، إلى حين إحالته إلى التقاعد بعد افتتاح جسر المقطع عام 1968. 

واليوم، يعتبر «برج المقطع» القائم على مسطح صخري صغير وسط المياه في منطقة المقطع، أحد أقدم المباني في أبوظبي، ومثالاً حياً لشكل الأبراج الدفاعية الساحلية القديمة، المبنية من أحجار الشعاب المرجانية، وصخور الشاطئ.

عبور إلى الازدهار

بفضل الموقع الاستراتيجي لمعبر المقطع، الذي شكل حاجزاً دفاعياً طبيعياً، تحولت جزيرة أبوظبي إلى عاصمة لقبيلة بني ياس، ثم عاصمة لدولة الإمارات عند تأسيسها عام 1971. وبعد اكتشاف النفط في 1958، وبدء تصديره عام 1962، تم اتخاذ قرار بإنشاء جسر حديث بدل الممر السابق؛ لتسهيل حركة النقل، واختصار المسافة، وبالتالي تعزيز الاقتصاد. 

أسندت مهام تصميم الجسر وبنائه إلى مهندسي الشركة النمساوية «واغنر بيرو». ومع انتهاء عملية البناء، أزيل المعبر القديم، وأعيد تدفق المياه إلى المضيق، وظهر جسر المقطع بشكله النهائي المتميز عام 1968، إذ وصف بأنه أول جسر «جمالوني» يشيد بطول 300 متر في المدينة. ولمن لا يعرف معنى جسر «جمالوني»، فالمقصود بذلك أنه جسر يتألف من مجموعات من الهياكل المعدنية على شكل قضبان، وتتكون الأنواع الأكثر شيوعاً منه من سلاسل مستقيمة من القضبان الفولاذية.

رمزية تاريخية

لم يأتِ اختيار بناء جسر المقطع بهذا الشكل عبثاً، إذ تعرف الجسور «الجمالونية» بكونها أكثر قوة، وتستهلك كميات أقل من المواد، وصيانتها أسهل نسبياً من بقية أنواع الجسور، ما يجعلها بناء مستداماً نوعاً ما. أما لونه الأزرق الفاتح، فيمنحه جمالية هندسية، تجعله يبدو كأنه امتداد لزرقة السماء فوقه، والمياه تحته. 

ومع زيادة عدد السكان وحركة السيارات، تمت إضافة جسر «جمالوني» ثانٍ إلى جسر المقطع عام 2000، لاستيعاب هذه الحركة. ورغم وجود 3 جسور رئيسية أخرى اليوم في مدينة أبوظبي، تتميز بتصاميمها العصرية، وهي: جسر المصفح، وجسر الشيخ زايد الذي صممته المهندسة العراقية زها حديد وافتتح عام 2010، وجسر الشيخ خليفة، فإن أهمية جسر المقطع تكمن في رمزيته التاريخية، باعتباره نقطة الاتصال الأصلية بالجزيرة، وشاهداً حياً على العبور الأول لاستيطانها.