الشتاء هو موسم الخير والأمطار.. وموسم الفيروسات أيضاً، حيث «الوقاية خير من قنطار علاج». فكيف استعددتم صحياً لشتاء 2023-2024؟.. هل تناولتم لقاح الإنفلونزا؟.. هل شعرتم بوخزٍ في البلعوم، وسيلان في الأنف، وصداعٍ في الرأس؟.. هل تعرفون الفرق بين الزكام والإنفلونزا؟.. هل أخذتم كلّ الاحتياطات كي لا يُصاب كلُّ أهل البيت بـ«الإنفلونزا»؛ إذا اقتحم الفيروس منازلكم؟.. هل اعتمدتم تدابير لتكون الإصابة خفيفة عليكم، وأنتم أقوياء عليها؟.. إليكم كل السبل الممكنة، في قلب موسم الشتاء، كي ننعم بالموسم أصحاء:

جلس ثلاثة أطباء معاً، هم: رئيس قسم الأمراض الصدرية في لبنان الدكتور جورج جيوفيليكيان، ورئيسة قسم العناية المركزة والإنعاش الطبي في مستشفى «بيل فو» الدكتورة سيلين بعقليني، ورئيس قسم الأمراض الصدرية والعناية المشددة بالجامعة الأميركية في بيروت البروفيسور بيار أبوخليل، وحلّ الكلام عن أمراض الشتاء رابعاً. جميلٌ هذا اللقاء مع أطباءٍ يقفون، دائماً، على جبهات الصحّة الأولى في مواجهة أوبئة وفيروسات.

بعد مضي أعوام، منذ حلّ «كوفيد - 19» بيننا، أتى موسم الشتاء هذه السنّة مع وعد بأن يكون فيروس الإنفلونزا الذي نسيناه، ونحن نواجه «كورونا»، أقوى علينا، بعد أن خرجنا إلى حياتنا اليومية دون كمامة، أو معقم، أو تباعد اجتماعي، أو خوف من بعضنا بعضاً. فيروس الإنفلونزا الذي ربما نسيناه في الأعوام الثلاثة الماضية لم ينسنا. الآن موسمه. وكلنا معرضون لكن هناك - حسب ما قال الدكتور جيوفيليكيان - أشخاص على رأس القائمة، يُفترض بهم أن يتخذوا إجراءات احترازية، ويسارعوا إلى تناول لقاح الإنفلونزا في حال لم يفعلوا بَعْدُ، وهم: كبار السنّ (فوق 65 عاماً)، وصغار السنّ (تحت خمس سنوات)، والحوامل، والعاملون بالمجال الصحي، والأشخاص الذين يتلقون علاجات قد تسبب ضعفاً في الجهاز المناعي، ومصابو السكري، وأمراض القلب والرئة والكبد والفشل الكلوي، والأشخاص الذين يعانون السمنة.

الأطباء: جيوفيليكيان، وبعقليني، وأبوخليل، يتكلمون بلسانٍ واحد: «تناولوا لقاح الإنفلونزا؛ إنه يحمي، ويبدأ مفعوله بعد خمسة عشر يوماً من تناوله؛ فلا تتأخروا أكثر. وفاعليته تدوم ستة أشهر. الإنفلونزا تصيب مليار شخص سنوياً وهي ليست مجرد زكام عادي، بل ستُصبح عادية إذا حصنتم أنفسكم منها، ولا تظنوا أنفسكم أقوياء؛ فالفيروس أقوى من أيٍّ كان إذا لم ينتبه إليه.. حامل؟ تناولي اللقاح؛ إذ إنه يحميك، ويحمي طفلك لمدة ستة أشهر بعد ولادته». 

إن أكثر ما يواجهه الأطباء هو أن الناس لايزالون يخلطون بين الزكام العادي (العابر)، والإنفلونزا، وهما ليسا الشيء نفسه؛ لهذا يقال: «لقاح الإنفلونزا.. لا الزكام». فالثاني مرض فيروسي بسيط، في حين أن الأول مرض فيروسي شديد، يتسبب - إذا أهمل - في مضاعفات. 

فيروس معطل

هناك من يقول: أصبت بالإنفلونزا، ولم أشعر بما تتحدثون عنه؟.. يجيب الأطباء: «ممتاز، لكن ليست كل ردات الجسم نفسها؛ فقد تكون نقلت الفيروس إلى أحباءٍ وعانوا. وهنا، يفترض أن يعلم الجميع أن الإنفلونزا أنواع، فهناك نوع (أ) الذي ينتشر بسرعة، ويترافق مع تفشي الأوبئة والأمراض. و(ب) ويكون أخف من الأول، لكنه قد يتطور حتى يصبح مثله. و(ج) الذي يبدأ خفيفاً، وينتهي خفيفاً».

وهناك من يقول بأن ذلك أشبه «بضربة حظ». صحيح، لكن بالإمكان الوقاية إذا لم يكن من أجلنا؛ فمن أجل من نُحب، من أجل أطفالنا وكبارنا ومرضانا.. فلنحمِ أنفسنا، ولنحمهم!

الدكتورة سيلين بعقليني تتحدث عن بعض الخرافات، التي تسود: «هناك من يقول تناولت اللقاح، وشعرت بألم في ذراعي. وهناك من يقول بمجرد أن تناول اللقاح مرضت، وهذا معناه أن الجسم تفاعل مع اللقاح. ليس هدفنا منع المرض، بل أن يمرّ المرض إذا حدث مرور الكرام، فيجب أن يكون الجسم مستعداً لأي هجوم فيروسي طارئ، يضرب بقوة ضحاياه، فالفيروس خبيث دائماً».

ولايزال هناك من يقول بَعْدُ: «أخاف من لقاح الإنفلونزا؛ لأنَّ كثيرين أصيبوا بعدما تناولوه».. وهنا نوضح أن لقاح الإنفلونزا يحتوي على فيروس معطل، لا يمكن أن يؤدي إلى أي إصابة، غير أن بعض الأشخاص قد يشعرون بألم أو بحمى طفيفة نتيجة ردة فعل طبيعية من جهاز المناعة تجاه اللقاح، وهذا الشعور يختفي خلال يومين كحدٍّ أقصى. 

مقاومة المضاد الحيوي

الدكتور بيار أبوخليل يعود؛ ليؤكد: «الإنفلونزا ليست مجرد (نزلة برد)، بل قد تتسبب في الموت».. وهنا سؤال يُطرح: تناول معظم البشر جرعات من لقاح «كوفيد - 19»، خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، ألا يمنح ذلك بعض المناعة من فيروسات أخرى مثل الإنفلونزا؟.. يجيب أبوخليل: «لا توجد علاقة بين اللقاحين؛ فهل يغطي تأمين السيارة، مثلاً، تأمين المنزل؟». 

على كل حال، هناك معلومات يُفترض ألا تغيب عن بال أي مريض، حينما يُصاب بعدوى فيروسية، هي وجوب عدم استخدام المضاد الحيوي البكتيري؛ لأنه لا يملك أي تأثير في الفيروسات، كما أن استخدامه يمنح البكتيريا فرصة استحداث مقاومة ضدّ المضاد الحيوي، الأمر الذي يجعل إيجاد العلاج المناسب في غاية الصعوبة، كما أن المناعة التي تُشكلها الجراثيم تنتقل من جرثومة إلى أخرى؛ ما يجعلها تنتشر في المجتمع عبر الدورة البيولوجية. ولنتذكر، دائماً، أن الإخلال بهذه القاعدة يرتدّ علينا بأشكال وأنواع من الأمراض الجديدة والفيروسات. 

أغمضوا عينا.. وافتحوا أخرى، ويكون الشتاء قد ولى.. إنه موسمٌ يعزّز في النفوس الدفء والحب؛ فتمتعوا به، واحموا أنفسكم منه في الوقت نفسه. ويبقى أن تتذكروا، حينما يبللكم رذاذ المطر أن أجمل الأشخاص، وأكثرهم وفاءً، هم من يبتسمون تحت المطر. 

5 أسئلة.. وأجوبة

1 - ما أعراض الزكام العادي؟

تبلغ فترة حضانة الزكام بين يوم وخمسة أيام، وينتقل إما عبر استنشاق إفرازات الأنف المائية، أو عبر استخدام أدوات المريض الشخصية، أو مصافحته. وأعراضه متنوعة، بينها: صداع شديد، وآلام في الجسم، وعطاس مفاجئ، وارتفاع في درجة الحرارة. ويُنصح، هنا، بالإكثار من شرب السوائل الدافئة، وتناول «البنادول». أما في حال رافقت تلك الأعراض آلام في الأذن، وصعوبة في التنفس، وتورم في الغدد اللمفاوية أسفل الذقن أو عند الأذن؛ فيُفترض عندها استشارة طبيب.

2 - ما أعراض الإصابة بالإنفلونزا؟

أبرز الأعراض: سيلان في الأنف، عطس متكرر، قشعريرة برد متكررة، سعال جاف، ورذاذ يخرج من الأنف، ما يسمح بانتقال المرض بين أفراد الأسرة الواحدة، بمجرد تسلله إلى فرد منها. وتترافق هذه الأعراض مع آلام في مختلف أنحاء الجسم، تتركز في أسفل الظهر، وعند القدمين، وفي المفاصل، وارتفاع في درجة الحرارة، وآلام في الحلق تتركز عادة في الجهاز التنفسي العلوي، لكن لا شيء يمنع انتقالها إلى الشعب الهوائية، خاصة عند الأشخاص المدخنين، ومن يعانون حساسية مزمنة في الصدر، بسبب ضعف مقاومتهم.

3 - ماذا عن حالات التهاب البلعوم؟

سبب هذا الالتهاب هو الإصابة بنوع من الفيروسات والبكتيريا، يظهر على شكل آلام خلال البلع، وارتفاع في درجات الحرارة، ويمكن للمريض أن يبدأ بعلاج نفسه، عبر تناول «البنادول»، والغرغرة بالمياه والملح، والسوائل الدافئة. أما في حال ظهور ورم بالغدد اللمفاوية، أسفل الذقن أو الأذن، أو إذا استمرت الأعراض أكثر من أسبوع؛ فيفترض التوجه حينها إلى الطبيب. وفي حال كان السعال جافاً، وترافق مع خروج بلغم وآلام في الصدر عند السعال، وارتفاع بسيط في الحرارة، فقد تكون هذه أعراض التهاب القصبات الهوائية، وقد تمرّ عادية ولا تستوجب استشارة طبيب؛ إلا إذا تحول لون البلغم إلى الأخضر أو الأصفر، وبات التنفس صعباً.

4 - هل هناك أشخاص ممنوع عليهم تناول لقاح الإنفلونزا؟

نعم، فهذا اللقاح مصنوع في تركيبته من فيروسات تتكاثر في البيض؛ لذا تختلف التوصيات بشأن إعطاء هذا اللقاح لأشخاص يعانون حساسية شديدة ضد البيض، خاصة إذا سبق وعانى - نتيجة تناول البيض - تورماً تحت الجلد، أو صعوبة في التنفس، أو الدوار، والقيء المتكرر. 

5 - هل تفيد المضادات الحيوية في حالتَي الزكام والإنفلونزا؟

من المهم جداً أن نعرف أن المضاد الحيوي يعالج العدوى البكتيرية. أما العدوى الفيروسية، مثل: الزكام، والإنفلونزا، وحالات احتقان البلعوم؛ فلا يفيدها المضاد الحيوي، كما لا يحمي الآخرين من التقاط العدوى.