من جعلنا نصدق أننا في سباق؟!.. من ألبسنا فراء الأرنب المتحفز، وأطلقنا في المضمار، عيوننا لا ترى سوى خط النهاية منذ صباحٍ يبدأ بـ«أنا متعب، هل يمكنني فقط النوم خمس دقائق أكثر؟!».. وحتى نضع رؤوسنا على وسادة يربت علينا ذراعها، يذكرنا بروعة الأحلام؛ فنهمس: «ششش.. صمتاً كي لا يطير النوم.. خاصمتنا الأحلام.. صارت مشغولة مثلنا لكن.. لعل الغدَّ مختلف».. لكنه أبداً لا يختلف! عقارب الساعات تركض مثلنا خلف بعضها.. هل ألبسوها هي الأخرى فراء الأرنب؟! 

عفواً!.. أنا اليوم قررت أن أكون سلحفاة!

لن أخرج رأسي خارج صدفتي إلا عندما أتيقن أن الطقس مناسب للحب.. للأمل.. للأمنيات! ساعتها ببطء.. بمنتهى البطء؛ سأعد مشروبي الأول للصباح.. لن يكون قهوة سريعة التحضير، تقذفها في وجهي ماكينة قهوة سريعة، سرعان ما أقذفها أنا الأخرى في كوب حراري مناسب للحمل في السيارة، حيث أكمل ارتداء ملابسي على الدرج.. بل سأعدها قهوة على الطريقة القديمة.. حبيبات البن الداكنة تذوب ببطء كما الهموم في قلبي، شعلة النار الهادئة تذكرني بكل حلم كبر داخلي على مهل، فقاعات صغيرة تطفو فوق السطح تثير ابتسامة شجن، تذكرني بكل من خذلوني.. اختفت فقاعاتهم، وبقي فقط مذاق القهوة الرائع! ببطء.. بمنتهى البطء، وفي كوبها الزجاجي الذي يُظهر «الوش الثقيل» متباهياً، أرتشفها مُغمضة العينين متلذذة.. ببطء.. بمنتهى البطء. 

اليوم قررت أن أكون سلحفاة! 

ببطء.. بمنتهى البطء.. سأتلذذ بقراءة رسائل كل من أحبهم.. كلمةً كلمةً.. بل حرفاً حرفاً.. أتلوها على قلبي من جديد.. أهتف به أننا نستحق الحب.. ببطء.. بمنتهى البطء، أرد عليها دون إجابات مُعلبة تكملها عني لوحة المفاتيح.. دون «إيموجي» بارد مهما ادَّعوا غير ذلك.. بل أرسلها بصوتي.. حميمية.. حارة.. مغلفة بدعوات قلبي، ورنين ضحكاتي.

اليوم قررت أن أكون سلحفاة! 

ببطء.. بمنتهى البطء أقف أمام خزانتي.. أتلمسها ثوباً ثوباً.. أذكّر أناملي بملمس كل قماش.. هذا قطني مريح كـ(لا مبالاتي).. هذا ثقيل كـ(خيبتي).. هذا ناعم كـ(حبي).. وهذا مخملي كـ(نجاحاتي).. وهذا من الألياف الاصطناعية لا داعي ليبقى هنا أصلاً! ثوبي اليوم يشبهني، بسيط لكنه مريح.. ليس طويلاً كحلم مستحيل أتعثر به.. ولا قصيراً كواقع غير مشبع مجبورة أن أرضى به.. لهذا أختاره كي أرتديه ببطء.. بمنتهى البطء! 

اليوم قررت أن أكون سلحفاة.. ما يعنيني من مضمار السباق؟! وحدي أشعر أنني فائزة مهما كانت النتيجة، ومهما كان المنافسون.. جائزتي كانت ولاتزال في قلب كقلبي.. يتلذذ بعطاياه على مهل. لهذا.. ببطء.. بمنتهى البطء.. أفتح النافذة، وأبتسم لشعاع شمس أعرفه ويعرفني منذ زمن.. كلانا يجيد الشروق بعد عتمة الليل الطويل. الآن آخذ نفساً عميقاً، وأنا أنظر بإشفاق لكل هؤلاء الذين ارتدوا فراء الأرانب يبدؤون بسرعة.. يركضون بسرعة.. و(للعجب) قد لا يصلون أبداً!