تتعدد أساليب التربية، التي يتبعها الأهل مع أبنائهم، بين الترغيب والترهيب، ويعتقد كثير من الآباء والأمهات أن الصراخ على الأطفال ذو فائدة، ويأتي بنتائج جيدة، خاصة أن تطبيقه في التربية يترافق غالباً مع طاعة يبديها الأطفال لطلبات أهاليهم، ما يرسخ انطباعاً خاطئاً لديهم بأن عليهم الاستمرار فيه، كون نتائجه إيجابية حسب اعتقادهم، وأنه يحث الأطفال على تلبية رغبات ذويهم، وتنفيذ أوامرهم وتعليماتهم.
اعتقاد خاطئ:
للأخصائية النفسية والتربوية، حنين البطوش، رأي معاكس تماماً، أبدته في حديثها إلى «زهرة الخليج»، إذ تؤكد أن هذه الطريقة الشائعة في التربية خاطئة تماماً، وتحمل آثاراً نفسية كبيرةً على الأطفال، وتؤدي إلى تغيرات في تشكيل شخصيتهم مستقبلاً.
وتشير البطوش إلى أن من يعتقدون أن الصراخ ذو فاعليةٍ حقيقيةٍ، تظهر آثارها على تصرفات الأطفال واقعاً معيشاً، يتبنون وجهة نظر خاطئة تعاكس الحقيقة والعلم، فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الصراخ له آثار مدمرة على نفسية الطفل، وشخصيته، تظهر على المدى الطويل.
وتوضح الأخصائية النفسية والتربوية أن التغيرات، التي تظهر على سلوك الأطفال بسبب الصراخ عليهم، ما هي إلا نتائج مؤقتة غير فعالة بالتربية، لا تعلم الأطفال، ولا تغرس فيهم أي قيم ترافقهم في الكبر، مؤكدةً أن فاعلية هذا الأسلوب غير الصحيح مؤقتة، ومع كثرة تكراره يفقدها تماماً، ويعتاده الطفل، ويصبح روتينياً لديه، فيفقد الرغبة في تنفيذ طلبات الأهل، ما يؤدي إلى زيادة حالة التوتر والعصبية لدى الأم والأب.
نتائج مدمرة:
تشير البطوش إلى أن مختلف الدراسات والأبحاث، التي أجريت بهذا الشأن، أشارت إلى أن الأطفال الذين يتعرضون لصراخ أكثر، يكونون أكثر عرضة للإصابة بالقلق والتوتر، وتصيبهم معاناة مرتفعة، قد تصل إلى الاكتئاب في بعض الحالات.
وأبرز الآثار النفسية السلبية، التي تتولد لدى الأجيال الناشئة نتيجة الصراخ، هو انعدام الثقة بالنفس، لأن الطفل يبدأ بتشكيل صورة سلبية عن نفسه، وتترسخ لديه معتقدات خاطئة، منها: أنه شخص غير مهم، وضعيف، وغير قادر على تقديم أي فائدة إلى المحيطين به، عدا شعوره الدائم بالضعف.
وتؤكد الخبيرة الأردنية أن بناء الثقة بالنفس يعتمد، أساساً، على المعاملة بتقدير، وحب، واحترام.
وتكمل: «يعيش الطفل خوفاً كبيراً بسبب الصراخ المتكرر؛ لأن الأطفال - بطبيعتهم - يخشون الأصوات العالية، ويتسبب الشعور بالخوف في توقف المراكز المسؤولة عن التعلم داخل الدماغ».
وتزيد البطوش أن الخوف يمنع الطفل من تأسيس علاقات اجتماعية وصداقات على وجه العموم، لأنه يقلل قدرته على التعامل مع أي خلاف يمكن أن يتعرض له، سواء في مرحلة الطفولة، أو المراهقة، أو حتى في المراحل المتقدمة من العمر، ما يؤدي حتماً إلى انسحابه من هذه العلاقات بمختلف أشكالها، بدلاً من انخراطه في المجتمع المحيط به.
ولا تتوقف آثار الصراخ عند كل ما ذكر سابقاً، بل إنها قد تسبب تشوهاً في تفكير الطفل، الذي يعتقد أنه شخص مكروه من قِبَل والديه، وربما يعتقد أيضاً أنه إنسان شرير، وأنه سبب لمعظم المشاكل في المنزل، وربما يبدأ بالبحث عن مرجعية أخرى بعيداً عن أهله، تُشعره بالأمان، وقد تتطور حالته في بعض الأحيان إلى الإصابة بالرهاب الاجتماعي، كما أن البعض قد يهربون إلى إدمان الكحول، والمواد المخدرة.
وتكمل البطوش حديثها بأن الصراخ الدائم على الطفل يؤدي إلى فقدانه التركيز وإصابته بالتشتت، وهي مشكلة مرجعها الرئيسي الأصوات المرتفعة، التي تصدر أمامه، ويسمعها باستمرار، كما يعد الصراخ - في علم النفس - سلوكاً لفظياً عدوانياً، ويصل إلى مرحلة العنف اللفظي، ويؤدي إلى الإساءة العاطفية وقلة التركيز، ويدفع الطفل إلى الانعزال، وينمي بداخله سلوكاً عدوانياً تجاه الآخرين، وربما يلجأ بعد ذلك إلى إهمال نفسه ودراسته ومختلف شؤون حياته.
وبحسب البطوش، فإن الأبوين لا يتفقان غالباً على هذا الأسلوب (الصراخ)، وبالتالي فإن أحدهما يكون غير راضٍ عنه، ما يؤدي إلى وجود مشاكل زوجية، وخلافات أسرية، بين الأم والأب؛ كون أحدهما غير متقبل لاستمرار الصراخ على أطفاله، ويصبح عاجزاً عن إقناع الطرف الآخر بضرورة التخلي عن هذه الممارسة؛ ليتحول الأمر إلى شجار بينهما، يلقي به أحدهما غالباً باللوم على الأطفال في أنهم سبب المشكلة، ما يؤدي إلى إقحامهم في شأن لا علاقة لهم به.
ضرر جسدي:
ولا يتوقف الأمر عند الأضرار النفسية على الطفل، بل يسبب له أضراراً جسدية أيضاً، وفق ما تؤكد البطوش، إذ إن الخوف من الصراخ قد يكون سبباً مباشراً للتبول اللاإرادي، كما يمكن أن يؤدي إلى عدم انسجام هرمونات الطفل؛ نتيجة الخوف الذي يصيبه، ما يُحدثُ له اضطرابات في النوم، بسبب معاناة القلق والتوتر، فتنتج عنه مشاكل بالنمو في أحيانٍ كثيرة.
وتضيف أن دراسات ومقارنات، أجراها مختصون، بينت فروقاً واضحة في القدرة على التعلم والاستيعاب والتعاطي في أمور الحياة، لدى الأطفال الذين تعرضوا للصراخ في صغرهم.
وتنوه الأخصائية النفسية والتربوية، حنين البطوش، بأن أكثر طريقة تعلم أثبتت كفاءتها مع الأطفال هي «النموذج» أو «التقليد»، لذا فهم حتماً ينظرون إلى والدَيْهم بأنهما نموذجان يجب الاقتداء بهما، ولا بد أن يكتسبا سلوكياتهما؛ لذا من الضروري أن يكون الأبوان قدوةً حسنة، يورثان الجيل القادم كلَّ ما هو جيد وإيجابي.
وتنصح البطوش الأمهات، على وجه الخصوص، بضرورة تنمية شخصية الطفل من خلال تعويده على الهدوء والاحترام، وأن يكون ذلك من خلال تحليها بهذه الصفات؛ كون الطفل يكتسب سلوكه من خلال التعلم بالتقليد. وتؤكد: «التربية بالقدوة أبلغ من التربية بالقول، كن قدوة بالفعل لأطفالك، لا بالقول فقط».
رسائل للأهل:
تحث البطوش الأهالي عموماً، والأمهات خصوصاً، على ضرورة تذكير أنفسهم دائماً بأن أطفالهم لايزالون في مرحلة استكشاف البيئة حولهم، ومن الطبيعي في هذه المرحلة أن يتمتعوا بالنشاط والانطلاق، ويكون لديهم الكثير من الفضول والرغبة في الحركة المستمرة والنشاط، وأن تفرح الأم؛ لأن طفلها بصحة جيدة ويمكنه أن يستكشف العالم من حوله.
ولتجنب الصراخ - وإن استفزها الأطفال، وارتكبوا أخطاءً تعرضهم للخطر، أو قاموا بإتلاف شيء في المنزل - من المهم أن تجهز لهم مكاناً مناسباً بعيداً عن الأشياء القابلة للكسر، أو مصادر الخطر على حياتهم؛ حتى يمارسوا لعبهم بأمان، ودون أن تكون أعصابها متوترة ومشدودة.
وإذا نجحت الأم في ضبط انفعالاتها أثناء مواجهة أخطاء الطفل أو استفزازه لها، يمكن أن تكافئ نفسها كي تحفزها على التحكم في أعصابها، وعدم الاستسلام للغضب مستقبلاً.
وفي حال فشلت الأم، مرةً أو أكثر، في التحكم بأعصابها، فعليها ألا تيأس، ولا تعتقد أنها أم فاشلة، أو تيأس من أن تكون أكثر هدوءًا، وأن تهدئ نفسها، وتقول: «إن فشلت هذه المرة، سأنجح في المرة المقبلة».
ومن المهم أن تتبين الأم الجوانب الإيجابية في أولادها، وتثني عليهم حينما يفعلون شيئاً صحيحاً، أو تلاحظ أنهم تعلموا من خطأهم، ولم يمرروه، وتخبر الأب بذلك أمام الطفل، وتتباهي به كي تحفزه وتشجعه على الاستمرار في السلوك الجيد.
العلاج:
تقول الدكتورة حنين البطوش إن الحوار، وتعلم الاستماع، والحديث بصوت منخفض، تعد أهم طرق العلاج التي يجب على الوالدين اتباعها؛ إذا شعرا بأنهما يُكثران من الصراخ على أطفالهما، إضافة إلى أهمية استخدام التواصل البصري مع الأطفال، وهو طريقة ناجحة تماماً، يمكن - من خلالها - إيصال الكثير من الأفكار والأوامر، وتكون ردود الفعل إيجابيةً غالباً.
وتكمل: إن المربي الحكيم يستطيع أن يوجه أطفاله من خلال الابتسامة والنظرة والهمس في الحديث، وتحبيب الطفل في تنفيذ ما يطلب منه، عكس الصراخ الذي ينفره، وربما يقطع حبل الود بينه وبين والديه.
وتشدد على أهمية الاستمرار في ضبط النفس، واعتياد الهدوء والصوت المنخفض، ما يساعد على التغلب على مشاعر الغضب، وينشر السعادة، ويمنح الشعور بالأمان.
ومن طرق العلاج الفعالة، التي تشير إليها الإخصائية النفسية والتربوية، في حديثها إلى «زهرة الخليج»، وضع قواعد داخل المنزل، وعدم تجاهلها إطلاقاً، لأن التجاهل يشتت الطفل، ولا يمنحه فرصة التمييز بين الصواب والخطأ، ومن المهم أن يقوم الأهل بتعريف الطفل بعواقب فعله الخطأ، وأن يتم تقديم شرحٍ مناسب لعمره لكل ما نريد منه دون استخدام الصراخ، خاصة أمام الآخرين، أقرباء أو غرباء.
وتشدد على أن تعديل السلوك قد يحتاج إلى بعض الوقت أحياناً، ويتطلب الصبر والتأني، واتباع سلوكيات إيجابية.
وتختم البطوش حديثها بالتأكيد على أن الصراخ لا يمكن أن يكون عقاباً فعالاً، فهو أقرب للعقاب بالضرب، مقترحةً استخدام العقاب الإيجابي، الذي يعرف بأنه الحرمان المؤقت من أمرٍ ما مقابل تعديل سلوك معين، ثم فك هذا الحرمان مع الاستجابة التي يبديها الطفل، ويكون الهدف من استخدام هذا النوع من العقاب هو تقويم وتعديل السلوك، وليس تعنيف الطفل، مبينةً أن تعديل السلوك عملية تربوية مستمرة، تحتاج إلى وقت، وتختلف من طفل إلى آخر، مذكرة الأهل بأن أطفالهم أمانة لديهم، وسيسألون عنها؛ لذا لا بد من وضع ميزان للتعامل معهم، هو ميزان الخطأ والصواب.