العالمة والباحثة التونسية، سامية الفقيه، هي أول امرأة عربية تقود مشروعاً مرتبطاً بجامعة ملبورن الأسترالية، بهدف استعمال تقنية بكتيريا «ولباكيا»؛ للحد من انتشار الأمراض، ومحاربة حمى الضنك، والملاريا، وغيرها من الأمراض التي تنقلها الحشرات. وقد كرست الفقيه نفسها لإيجاد حلول عملية، يمكن تطبيقها على أرض الواقع.. عن مشاريعها، وتطلعاتها، وأهدافها؛ التقتها «زهرة الخليج»؛ فكان لنا معها هذا الحوار:
كنتِ عضواً في فريق الصحة والسلامة البيولوجية بأستراليا؛ لمكافحة الأمراض المُعْدية.. حدثينا عن هذه التجربة!
تم ترشيحي من قِبَل جامعة ملبورن الأسترالية الريادية؛ لقيادة مشروع بحث حول الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات، ويهدف إلى محاربة حمى الضنك والملاريا. كانت تلك التجربة من أجمل وأروع فترات مسيرتي المهنية، ويكمن سر روعتها في تحقيق تأثير ذي معنى، والمساهمة في تخفيف معاناة الإنسان، من خلال البحث عن نتائج علمية قابلة للتطبيق على أرض الواقع. وقد بدأت، مؤخراً، رحلة تحولية، تتضمن ترجمة نجاح مشاريع بحوثنا إلى مشاريع دولية؛ لإحداث تغيير إيجابي دائم.
مَنْ ملهمك الأول في هذا الميدان العلمي؟
طوال مسيرتي المهنية، تعلمت من زملاء ومعلمين استثنائيين، ولايزالون يلهمونني لتحقيق تحديات جديدة، فحكمتهم وإرشادهم كانا حجر الزاوية في تشكيل مساري المهني، الذي يمزج العلم والأعمال والابتكار بسلاسة.
الذكاء الاصطناعي
ما نتائج ذلك البحث، وهل وصل فريقك إلى حلول عملية لمكافحة هذه الأمراض؟
مجموعتنا تقود إلى استخدام تكنولوجيا بكتيريا «ولباكيا»، وهي بكتيريا تحول ذكور الحشرات إناثاً، وبالتالي تحدُّ من انتشار الأمراض، وهدفنا هو تقليل حالات حمى الضنك، من خلال استبدال البعوض الناقل للمرض بالذي يحتوي على البكتيريا النافعة و«ولباكيا»، التي تحجب انتقال الفيروس وتمنع انتشاره. تم تنفيذ هذه التكنولوجيا المبتكرة بنجاح في ماليزيا وأستراليا وسنغافورة وإندونيسيا، ما يمثل إنجازاً كبيراً في مكافحة حمى الضنك محلياً وعالمياً. حالياً، توسعت مجموعتنا إلى جدة في المملكة العربية السعودية، حيث نستخدم هذا النهج الثوري كجزء أساسي من استراتيجيتنا الشاملة والصديقة للبيئة لإدارة الأمراض.
مَنْ يقود «المشروع» في جدة؟
تتم قيادة مشروع «ولباكيا» في جدة من قِبَل علماء سعوديين متميزين، وخبراء دوليين، روّاد في هذا المجال. ويعزز استخدام الأتمتة والذكاء الاصطناعي الكفاءة، ويضع المشروع في مقدمة الابتكارات بمجال مكافحة الأمراض.
كيف تتابعين تطورات الذكاء الاصطناعي، وكيف يؤثر في عملك وأبحاثك؟
الذكاء الاصطناعي يعد إحدى أولوياتي؛ لتطوير مهاراتي في هذا المجال. ولتحقيق ذلك؛ سجلت في برنامج تنفيذي بجامعة أكسفورد، حيث أدرس الذكاء الاصطناعي للأعمال. هذا البرنامج سمح لي بالبقاء على اطلاع دائم بآخر التطورات في صناعة الذكاء الاصطناعي، وفهم الاعتبارات الأخلاقية المتعلقة به، مثل: التحيز، والخصوصية. أنا، الآن، على علم بكيفية التعامل مع هذه القضايا في عملي؛ بفضل معرفتي الجديدة، وقد تمكنت أنا وفريقي من دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في مشروع «ولباكيا» بجدة. كما استخدمنا أجهزة استشعار مجهزة بالذكاء الاصطناعي؛ لمراقبة درجات الحرارة، ومستويات الرطوبة في البيئة، وتم عرض البيانات المجمعة على لوحة تحكم، واستخدمناها لتحسين إطلاق البعوض الذي يحتوي على «ولباكيا»، بناءً على ملاءمة البيئة في الوقت الفعلي.
كيف توازنين بين عملك بمجال العلوم الصحية، وحياتك كامرأة، وما نصيحتك للشابات اللواتي يطمحن إلى العمل في هذا المجال؟
أعتبر نفسي محظوظة؛ لأنني كنت أتلقى إرشادات استثنائية دائمة - من قِبَل أساتذتي وأصدقائي - تؤكد أهمية الحفاظ على نمط حياة صحي، أثناء السعي نحو مسيرة مهنية دولية ناجحة. طوال رحلتي، كنت دائماً أضع الأسرة في المقام الأول، كما كنت أخصص وقتاً جيداً لأصدقائي، بجانب الاعتناء بصحتي ورفاهيتي. أما عن الشابات الطامحات إلى العمل بهذا المجال، فأشجعهن بشدة على الثقة بأنفسهن، ومواصلة تحقيق أحلامهن، بغض النظر عن الآراء الخارجية أو العقبات. من خلال تجربتي، أجد أن الثقة بالنفس مفتاح النجاح.
رحلة القطب الجنوبي
ماذا تعني لك القيادة؟
القيادة تعني كل شيء، ويجب على كل قائد أن يطرح على نفسه هذا السؤال: «كيف يمكنني خدمة الفرق التي أقودها، ومجتمعي، وأصحاب المشروع، الذين اعتمدوا عليَّ في تلبية توقعاتهم؟». أن تكون في موقع قيادي يعني أن تكون لديك فرصة تمكين الناس، وتشجيعهم على العمل معاً نحو حياة ذات معنى وهدف. أكثر اللحظات مكافأة في مسيرتي المهنية، تكون عندما يتولى أعضاء فريقي مشاريعهم، ويشعرون بفخر حقيقي بإنجازاتهم؛ إذ إن القيادة الناجحة تتضمن أن تكون «قائداً غير مرئي»، أي شخص يمكنه التأثير بكفاءة، وبشكل هادئ، في الأفراد والفرق.
ما أولوياتك في القيادة؟
بوصفي امرأة قائدة، آمل أن أحقق تغييراً إيجابياً، من خلال تعزيز المساواة بين الجنسين، وتوفير التنوع والاحترام للجميع. أومن، بشدة، بأن وجهات النظر المتنوعة تعد محفزاً على الابتكار والإبداع؛ لذا أحرص على تكوين فرق تضم أعضاءً من خلفيات تخصصية متنوعة، مثل: المهندسين، وأخصائيي الصحة العامة، ومصممي الغرافيك، وعلماء الاجتماع. بهذه الطريقة، يمكنني استغلال غنى رؤاهم وتجاربهم.
ما تطلعاتك المستقبلية؟
هدفي المهني هو تأسيس شركة ناشئة، تكون رائدة في مجال البحث العلمي، إذ أخطط في الوقت الحالي للاستفادة، محلياً وعالمياً، من مشاريعي التي تركز على إدارة الأمراض المنقولة، باستخدام تقنيات صديقة للبيئة، استجابةً للتحديات المتزايدة بسبب الاحتباس الحراري. ورؤيتي هي إيجاد حل يعطي الأولوية لسلامة المجتمع والبيئة. وبفضل المعرفة، التي اكتسبتها خلال رحلتي العلمية في جامعة أكسفورد، و«إنسياد»، وشبكتي الواسعة على مستوى العالم، أتطلع إلى إطلاق هذه المغامرة في منطقتي الأم بالشرق الأوسط، وشمال أفريقيا. كذلك، من الأمور المهمة بالنسبة لي أن أساهم في تقديم المنفعة إلى منطقتي، خاصة بمجال البحث في العلوم، والتقنية.
قمتِ برحلة علمية إلى القطب الجنوبي.. ما مدى استفادتك من هذه الرحلة؟
لقد ساعدتني هذه الرحلة على فهم التحديات البيئية الحرجة التي نواجهها، خاصة بمنطقتي في شمال أفريقيا، والشرق الأوسط. إن مشاهدة تأثير التغيرات المناخية في القطب الجنوبي، عن قرب، تذكير قوي بالعواقب العالمية لأفعالنا. لقد ألهمتني هذه الرحلة، بشكل كبير، لأصبح أكثر شغفاً بالتصدي للتغير المناخي، وبالاستدامة. وقد سلطت مشاركتي في فريق نسائي الضوء على المساهمات اللافتة، التي تقوم بها النساء في مجال العلوم والمحافظة على البيئة، وأكدت أهمية التنوع والمساواة بين الجنسين في التصدي للتحديات العالمية المعقدة، مثل التغير المناخي. كما منحتني الرحلة فرصة التواصل والتعاون مع زميلات في المجال العلمي، وقائدات من خلفيات متنوعة. هذه العلاقات فتحت أبواباً لمبادرات وفرص بحثية جديدة، لدفع التغيير الإيجابي في مجال الحفاظ على البيئة، والدعوة إلى التصدي للتغير المناخي. بشكل عام، المشاركة في هذه الرحلة الاستثنائية وسعت معرفتي ووعيي، وزادت التزامي بالمساهمة في مكافحة التغير المناخي. أعتقد أنه، من خلال الاستفادة الجماعية من تجاربنا وخبراتنا، يمكننا أن نساهم بشكل كبير في أن نصنع لكوكبنا مستقبلاً أكثر استدامةً وعدالةً.
«البعوض».. ناقل الفيروسات
يقتل البعوض أكثر من 700 ألف شخص سنوياً، وما يجعل هذه الحشرات الصغيرة مصدر خطرٍ كبيراً، هو قدرتها على نقل الفيروسات، والطفيليات، التي تسبب أمراضاً كثيرة مدمرة؛ فمرض الملاريا وحده، الذي ينتقل عن طريق بعوضة «الأنوفيلس»، يقتل سنوياً حوالي 400 ألف شخص، معظمهم من الأطفال. وتسجل حمى الضنك من 50 إلى 100 مليون حالة سنوياً في العالم، وكذلك الحمى الصفراء، المرتبطة بمعدلات الوفاة العالية.
وهناك أكثر من 2500 نوع من البعوض في جميع أنحاء العالم. وقد تم الكشف، مؤخراً، عن استراتيجية جديدة لمحاربة المرض من الداخل؛ عن طريق منع تكاثر الفيروس داخل البعوض الناقل للأمراض. وهذه الاستراتيجية تعتمد على الاستعانة ببكتيريا «ولباكيا»، التي تضم أنواعاً عدة موجودة بصورة طبيعية في ما يصل إلى أكثر من 60% من أنواع الحشرات، بما في ذلك بعض أنواع البعوض.