محطة باصات أبوظبي.. رمز تراثي يكمل الهوية الثقافية للمدينة

التراث ليس مقتصراً على الماضي البعيد، وإنما يمتد أيضاً إلى الوقت القريب. ومن هذا المنطلق، جاءت مبادرة الحفاظ على التراث الثقافي الحديث، التي أطلقتها، مؤخراً، دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وتشمل 64 معلماً وموقعاً ومبنى تراثياً حديثاً في الإمارة.. في هذه الزاوية نستعرض أهمها.

التراث ليس مقتصراً على الماضي البعيد، وإنما يمتد أيضاً إلى الوقت القريب. ومن هذا المنطلق، جاءت مبادرة الحفاظ على التراث الثقافي الحديث، التي أطلقتها، مؤخراً، دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، وتشمل 64 معلماً وموقعاً ومبنى تراثياً حديثاً في الإمارة.. في هذه الزاوية نستعرض أهمها.

شكل افتتاح محطة باصات أبوظبي، عام 1989، إنجازاً كبيراً عزز مكانة أبوظبي عاصمةً لدولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال ربط المدينة ببقية مدن الإمارة، وبقية إمارات الدولة، بواسطة شبكة من الحافلات وسيارات الأجرة، التي اتخذت منها نقطة انطلاق ووصول لرحلاتها اليومية، فتحولت المحطة إلى معلم استثنائي، له قيمة تاريخية واجتماعية وسياسية. 

ومع الوقت، تحولت محطة باصات أبوظبي إلى علامة فارقة، بهندستها المعمارية الأفقية، ولونها الفيروزي، ورسومات جدرانها، وسط المباني الشاهقة المحيطة بها وسط العاصمة الإماراتية، وتحديداً في المنطقة الممتدة بين شارعَي المطار والمرور، لتشكل اليوم جزءاً أساسياً من تراث المدينة الحديث، وتاريخها. 

سقوف القوقعة

قبل افتتاح المحطة بعام، ذكر أحد المهندسين العاملين ببلدية أبوظبي أن شكل محطة الباصات الرئيسية في أبوظبي مستوحى من سقوف القوقعة لدار الأوبرا في مدينة سيدني الأسترالية. فيما أشار مهندسون بريطانيون إلى أن تصميم المبنى مستوحى من السكك الحديدية الأوروبية، في الفترة ما بين الحربين العالميتين. وأياً كان مصدر تصميم المبنى، فإن شركة «بولغار كونسلت»، التي تسلمت مشروع بناء المحطة، نجحت في تصميم مبنى على مساحة 50 ألف متر مربع، وبكلفة بلغت 37 مليون درهم، شكل تحفة هندسية معمارية، أحدثت انقلاباً في مشهد العمارة بمدينة أبوظبي.

عصر جديد

عندما افتتحت محطة الباصات الرئيسية بأبوظبي، في 13 مارس 1989، بشرت بعصر جديد لوسائل النقل العام، إذ رسم مبناها مشهداً حداثياً، مقارنة بالمباني المجاورة. فبخرسانته البيضاء، ومنحنياته الكاسحة، وأقواسه التي تدعم السقوف، وتصنع قباباً شبه دائرية تكسر الفضاء بين جانبَيْ منطقة مغادرة الحافلات، أوحى مبنى محطة باصات أبوظبي بأنه آتٍ من زمن آخر؛ ليستوعب تزايد عدد الحافلات، التي وفرتها المدينة لسكانها وزوارها؛ بغية تسهيل تنقلاتهم، وتقديم تجربة ممتعة للسفر البري، لاسيما أن ارتفاع عدد السكان بالمدينة أسهم في زيادة عدد الحافلات، التي تخدم خطوط النقل في أبوظبي، من 14 حافلة عام 1979، إلى 230 في 1988. 

مبنى المحطة

يقع مبنى المحطة حول هيكلين يشبهان المنحدر، فيما تقع صالة المحطة عند نقطة التقاء هذين المنحدرين ما يمنحها شكل المثلث، الذي يحتضن شباك التذاكر، وعدداً من المحال التجارية الصغيرة المختلفة؛ لبيع بعض المأكولات والمشروبات، للركاب المنتقلين إلى وجهاتهم المختلفة. 

تجدر الإشارة إلى أن بناء محطة الباصات الرئيسية جاء بالتنسيق مع محطتين أخريين، واحدة في منطقة البطين أصبحت، لاحقاً، مركزاً تجارياً قبل إغلاقه. والثانية في منطقة النادي السياحي، وأصبحت محطة باصات المطار. وقد أدرجت المحطتان ضمن قائمة التراث الحديث، الصادرة عن دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، لأهميتهما التاريخية في إثراء المشهد الثقافي المحلي.

اللون الفيروزي

في تسعينات القرن الماضي، غيرت دائرة النقل في أبوظبي لون المبنى من الأبيض إلى الفيروزي، إذ رأى البعض أن اللون الأبيض يمكن أن يعيق الرؤية تحت أشعة الشمس القوية. وهكذا بات الناظر إلى المبنى من الخارج يشعر كأنه يتأمل لوحة سريالية مرحة، تنساب فيها الأشكال الهندسية المبنية أفقياً تحت زرقة سماء أبوظبي، مشكلة مشهداً متناقضاً بألوانه مع المباني السكنية المحيطة.

وكذلك، شكل ديكور الصالة الداخلية للمحطة، الذي يبدو نوعاً ما كئيباً، رغم وجود نوافذ من كل الجهات لتوفير الضوء الطبيعي، امتداداً متناقضاً للخارج الملون المرح، حيث تنحدر خطوط السقف صعوداً، وتمتد إلى الخارج في خطوط متوازية، تشكل مظلات للحافلات والركاب، مع وجود شوكتين على جانبي المحطة الرئيسية، بينهما أبراج المراقبة التي تشبه إلى حدٍّ ما أبراج المراقبة بالمطار، بجذوعها الأسطوانية، ومبنى على شكل قرص دائري يبدو كمركبة فضائية، يضم مفتشي الحافلات.

ويمكن رؤية مكعب مستدير الزوايا فوق المحطة، بني في الأصل ليكون مركز دائرة النقل، التي انتقلت إلى مكان آخر في ما بَعْدُ. وكبقية مبنى المحطة، بني المكعب من الخرسانة السلسة، وزين بثلاثة شقوق أفقية، لتخفيف صلابة شكله، وإضفاء مزيد من الإثارة الساحرة على المكان.

بين الماضي والمستقبل

مع الاتساع العمراني للمباني، قد يكون أحدهم قد فكر في تغيير معالم محطة باصات أبوظبي لتواكب هذا التطور، لكن إدراجها ضمن قائمة التراث الحديث، الصادرة عن دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، ضمن صمودها أمام المد العمراني العمودي، والحفاظ على معالمها الهندسية الاستثنائية، التي تفخر بتاريخها.

لكن هذا الأمر لا يعني أن شبكة الحافلات في أبوظبي لم تواكب التطور الحديث، فقد كشفت إحصاءات حديثة أن إجمالي عدد رحلات الركاب، الذين استخدموا حافلات النقل العام في الإمارة، بلغ نحو 124 مليون رحلة راكب، خلال عامَيْ 2021 و2022، منها أكثر من 70 مليون رحلة راكب في 2022، أي بزيادة تجاوزت الـ32%، بفضل تطور شبكة النقل بالحافلات العامة بما يلبي احتياجات الجمهور.

الارتقاء بالخدمات 

اليوم، تشهد شبكة التنقل بالحافلات العامة خدمات راقية ومتنوعة، منها: خدمة النقل السريع بالحافلات (أبوظبي إكسبرس)، و«حافلة عند الطلب»، وهناك حافلات توفر مساحة داخلية تسمح لمستخدمي الدراجات الهوائية بنقل دراجاتهم، ما يعزز ثقافة النقل المستدام. كما تم إنشاء شراكة مع «غوغل»، حيث تمت مشاركة بيانات الحافلات العامة على منصة «خرائط غوغل»؛ لمساعدة الركاب على الاطلاع على مواعيد الحافلات لحظةً بلحظة. وأيضاً، أصبح بإمكان السياح استخدام حافلات النقل السياحي ذات التصاميم الرائعة والملونة، والمزودة بإنترنت مجاني، بمجرد الحجز في أحد الفنادق بأبوظبي، أو شراء تذاكر دخول أيٍّ من أماكن الجذب السياحي في المدينة، باستخدام منصة الحجز عبر الإنترنت.

نظام النقل الجماعي

هو أحدث العمليات التطويرية في شبكة النقل العام بأبوظبي، إذ يأتي ضمن منظومة نقل متكاملة وذكية، تسهل حركة التنقل في الإمارة، وقد أعلن عن إطلاق المرحلة التجريبية لمشروع حافلات كهربائية، تعمل عبر نظام النقل الجماعي من دون سكك حديدية، على خط بطول 27 كلم، يضم 25 محطة، أيام: الجمعة، والسبت، والأحد.