جمانة الزعبي رسامة فلسطينية، استطاعت بموهبتها النادرة تطويع الحجر وتشكيله؛ لتصنع منه لوحات فنية مبتكرة، فهي تتعامل مع الحجر على أنه عملة نادرة، ومتخصصة أيضاً في فن «الماندلا»، وتقيم ورشاً دورية في مرسمها لجميع الشرائح العمرية؛ بهدف تخليصها من الطاقة السلبية، وإبراز مواهبها المدفونة. واستطاعت جمانة، بإمكانيات بسيطة، أن تحصد عدداً كبيراً من المتابعين، وعشاق الفنون المبتكرة.. عن تجربتها وتحدياتها والبدايات، كان لنا مع جمانة هذا الحوار:
بدايةً.. حدثينا عن مشروع «حكاية حجر»! «حكاية حجر» هو أجمل هدية منحني إياها الله عزَّ وجلَّ، فمن خلال مشروعي أنا قادرة على التواصل مع أعماق ذاتي، وعلى التعبير عن أي قضية مجتمعية أو شخصية، وعلى إيصال رسالتي التي تدعو إلى التأمل، والبساطة والتواصل مع الذات. «حكاية حجر» جعلني أشعر بالتصالح مع الذات والاكتفاء، فهو زاوية ومهرب بعيد عن ضجيج الحياة وضغوطها، وقد منحني هذا المشروع فرصة التواصل والتعامل مع فئات مختلفة من المجتمع.
تتحدثين عن الحجر كأنه كائن حي.. كيف تصفين علاقتك به؟ عندما بدأت التعامل مع الحجر؛ شعرت بأنه يشحنني بطاقة إيجابية رهيبة؛ فالتعامل مع الحجر مثير ومليء بالأسرار، فأنا أشبهه بالبشر؛ إذ لا يوجد بشر بمواصفات كاملة. هناك نقاط قوة، يجب علينا أن نبرزها ونطورها، وهناك نقاط ضعف علينا أن نعرف كيف نتعامل معها. تعمقت أكثر، وشعرت بأن الحجر مظلوم، ولم يأخذ حقه من التقدير. مظلوم حينما نصف «قلب الظالم» بقولنا: «قلبك قاسٍ، مثل الحجر»؛ فالحجر - رغم قساوته - لين طيّع، ويمكن أن ندمجه مع أي فكرة، وأي مادة، كما أن للحجر أهمية تاريخية، ابتداءً من العصر الحجري، وامتداداً إلى عصر الفراعنة، وصولاً إلى أطفال الحجارة؛ حينما كان الحجر رمزاً للمقاومة. نلاحظ وجود الحجر في كثير من مجالات حياتنا وتصاميمنا؛ فالحجر قطعة تستحق التقدير، وقد قررت أن أسلط الضوء عليه أكثر؛ ليتحول الحجر الملقى على جانب الشارع إلى قطعة فنية رائعة.
رحلة تأمل
أنت متخصصة، أيضاً، في فن «الماندلا».. حدثينا عن هذا العالم، وأصل تسميته! فن «الماندلا» هو نوع من الرسم مصدره الهند، من منطقة التبت. كلمة «ماندلا» في «السنسكريتية» تعني «الدائرة»، وجاءت للتعبير عن الكون، وعن دوائر حياتنا، وعلاقاتنا المحيطة بنا. وفن «الماندلا» موجود بتقنيات عدة، وانتشر في السنوات الأخيرة لمميزاته، فهو يساعدنا على التخلص من التوتر والضغط، وهو محفز لهرمون الملاتونين، الذي يساعدنا على الاسترخاء والنوم، ويستخدم أيضاً في العلاجات، وسمي «فن البهجة»؛ لأن النظر إلى لوحات «الماندلا» يعطينا شعوراً بالسرور، إذ للألوان دور مهم هو التأثير في كل شخص منّا. أدمج «الماندلا» في الكثير من أعمالي، وأحاول صنع قطع تكون أيضاً عملية، يمكن استغلالها في استخداماتنا اليومية.
تقدمين ورشاً دورية لتعليم «الماندلا» والرسم على الحجر.. كيف تجدين الإقبال على تعلم هذه النوعية من الفنون؟ بعد شهور قليلة من انطلاق مشروعي، بدأت تصلني طلبات لإقامة ورش لتعليم فن الرسم على الحجر وفن «الماندلا»، وقد ابتكرت طريقة خاصة بي، تقوم من خلالها كل مشتركة بممارسة هذا الفن بطرق سلسة وغير مكلفة، ومن أدوات بسيطة موجودة بالبيت. لاحظت إقبالاً كبيراً على هذه الدورات والورش، المستمرة للسنة السابعة على التوالي، وقمت خلالها بتنفيذ دورات وورش في 36 بلداً، والتقيت فئات ونوعيات كثيرة من البشر. كنت أشعر بأنني مثل «السندباد»، أحمل حكايتي من بلد إلى آخر. كل ورشة جديدة درس جديد، إذ نغوص في الألوان، وننطلق في رحلة تأمل، نتواصل خلالها مع داخلنا، ونكتشف أكثر عن ذواتنا، وقدراتنا الخفية. العمل من خلال مجموعات يعطي كل مشتركة مساحة؛ لتكتشف وتستنتج وتتأمل وتستمد طاقة. مؤخراً، أقمت استوديو يجسد «حكاية حجر»، ويكون عنواناً لمشروعي، أبادر - من خلاله - بلقاءات بناءة، تجمعنا بأشخاص من فئات عمرية مختلفة من بلداننا العربية كافة؛ لأنني أعتقد أن الفن سلاح قوي؛ فمن خلاله يمكن أن نغير الكثير من الظواهر السلبية في مجتمعاتنا. هذا الاستوديو مكان صغير وبسيط، لكنه دافئ ومليء بالألوان، وقد زاره كثيرون من الفئات العمرية والمجتمعية، فبعضهم زاروا الاستوديو لتعلم تقنيات جديدة، وآخرون قصدوه كمهرب من صخب الحياة، وللبحث عن مساحة هادئة للراحة النفسية، وقضاء وقت عائلي جميل، أو مع الأصدقاء.
كيف جاءتك فكرة التخصص في الرسم على الحجارة بالذات؟ عام 2016، عندما بدأت التعامل مع الحجر، كان هذا النوع من الفن جديداً على مجتمعنا العربي، لكنه كان منتشراً أكثر في المجتمعات الغربية، الأمر الذي أثار إعجاب المحيطين بي، وأحببت العمل عليه؛ لأنه منحني طاقة لا توصف، وعملت يومياً لساعات طويلة، واجتهدت، وثابرت؛ حتى أصبح لديَّ شغف بهذا العمل، وأصبح يستهلك المزيد من وقتي وتفكيري؛ فالرسم على الحجر منحني الشعور بالسعادة والاكتفاء، ومع الأيام لمست التأثير الإيجابي على نفسيتي وشخصيتي.
ألوان البشر
ما الألوان التي تعتمدينها.. غالباً؟ الألوان بالنسبة لي «حياة»، أحبها جميعها، لكنني أميل أكثر إلى مشتقات الأخضر. تمنيت لو أن البشر مثل الألوان، يتقبلون بعضهم رغم الاختلاف، ويندمجون معاً رغم التعددية. أدركت أن هنالك ألواناً يمكن أن تكون لها شعبية وقبول أكثر من ألوان أخرى، بينما هناك ألوان يمكن أن تظلم أكثر من ألوان أخرى. من المهم أن نعطي الفرصة لكل الألوان؛ لأن كل لون يمكن أن يفاجئنا بالأفضل، تماماً مثل أي شخص في حياتنا، حكمنا عليه بفكرة معينة.
هل هناك صبغات معينة تصلح للرسم على الحجر، أم أن الألوان المائية تقوم بالمهمة بنجاح؟ الجزء الممتع والجميل في التعامل مع الحجر، هو أنه سلس في التعامل، ويمكن أن يتقبل أي مادة، وهذا يعلمنا - نحن البشر - أن دمج المميز لدينا، مع المختلف لدى غيرنا، يمكن أن يحقق نتائج أفضل وأروع. وقد دمجت مع الحجر: التطريز، الخشب، الأزرار، الصوف التركي، وألوان الأكريليك، التي تعتبر الأكثر سهولة في الاستعمال، وتعطي نتائج رائعة.
ما التحديات التي واجهتك في هذا المشروع؟ التحديات رافقتني منذ بداية مشروعي، فكل مرحلة لها تحدياتها الخاصة، وكانت معظمها مؤقتة. في البداية، كان التحدي يكمن في أن أكون مهنية في ما أقدمه، بأن أحصل على المواد اللازمة، وأرضي جميع الأذواق. حالياً، هدفي هو المحافظة على مكانة مشروعي، وبصمتي، والاستمرارية في ظل التطورات التكنولوجية و«السوشيال ميديا»، التي أبعدت الناس عن الحِرَف اليدوية والرسم.
هل شاركت في معارض خارج فلسطين؟ نعم، شاركت في معرض إلكتروني، تحت رعاية رابطة الفنانين التشكيليين في برلين، وشاركت في فلورنسا بإيطاليا في مؤتمر ثقافي، تحدثت فيه عن تجربتي. وأنتظر، حالياً، الفرصة المناسبة للمشاركة في مناسبات ثقافية عربية، والمشاركة أيضاً في ورش عمل بمختلف الدول العربية.