غريبٌ هذا الزمان؛ حينما يغير مواقع الناس على خرائط قلوبنا؛ فيجعل ما كان نهراً مجرد صحراء قاحلة..
ورحيمٌ هذا القدر حينما يضع (النقطة) الأخيرة في نهاية سطر طويل؛ فيكفينا مشقة التأرجح بين (علامات استفهام) و(فواصل) لم تكن تزيدنا إلا حيرة!
تسألني كيف هان الود؟! أي طوفان حطم قصراً بنيناه حجراً حجراً؟! وأجيبك بأنه كان قصراً من رمال، لم تكن تكفيه سوى موجة واحدة؛ كي تزيح أثره!
تقترب لتذكرني - عبر عينين نادمتين - بدفء وطنٍ كان بين كفينا، فأبتعد والصقيع البارد بيننا يصفعني: لا أصافح الغرباء!
تتعجب من قسوة قلب كانت تكفيه منك التفاتةٌ؛ ليغمرك فيض حنانه، ولا تعرف أن عنف الطَّرْق على بعض الأبواب لا يفتحها، بل ربما يخلعها.. وبابي كان أحدها!
تسألني عن حب كان بيننا؟! عن زهرة أقحوان كان يقطفها قلبي كل صباح ليضعها عبقة على نافذتك؟! كيف طابت نفسي الآن لأضعها كذلك كل صباح، لكن على شاهد قبر يضم رفات ماضينا؟!
وأجيبك: لعل أوراق الأقحوان البيضاء لا تليق برمادية حياة أردتها أنت لها.. قدسية الموت لها أشرف!
تسألني عن الحب؟!
هو ذاك «النورس» البائس الذي أراح أجنحته يوماً على شاطئنا؛ فلم يطب له المقام.. هل سمعته مثلي يلعننا وهو يرحل مبتعداً، بينما نلوِّح له بكفَّيْنا صامتَيْن؟!
تسألني عن الحزن؟!
ميراثٌ ثقيل، تركه كلٌّ منا أمام عتبة الآخر.. أظننا لن نخطو أي خطوة بعد الآن دون أن ندوس عليه.. لكنني أثق برياح الغد؛ لعلها تذروه هباءً منثوراً!
تسألني عن الخذلان؟!
سحابة رسمتها أنت فأمطرت على أرضَيْنا معاً.. لن أقف يائسة أنتظر أن ينبت ثمرها!
تسألني عن الحماقة؟!
وأجيبك بأنه - بعد كل هذا - لازلت ألمح في عينيك عرائس الأمل!!
هان الود! أجل.. هان الود.. ربما يكون من الذكاء أحياناً أن نخفض جباهنا؛ كي لا ترتطم بصخور الوجع.. هل علمت الآن أنه ما رفعتها بيضاء لم تكن شارة استسلامي، بل حقائب قلبي التي أفرغتها منك.. وليبقَ ما بيننا درساً أن قلب الأقحوان الأصفر لا يشبه أبداً بياض أوراقه!
هان الود.. لكن الذكرى أبداً لن تهون.. دعها ترافقنا ما بقي لنا من عمر، كغمامة تظلل خطواتنا، لكننا نوقن أنها أبداً لن تمطر من جديد..