تمثل الدراما التلفزيونية عنصراً مؤثراً بصورة مباشرة، وغير مباشرة، في تكوين شخصية الإنسان؛ فالأعمال الدرامية التلفزيونية تحمل في طياتها رسائل مشفرة، تستقبلها منطقة اللاوعي عند الإنسان، وتتعامل معها، وتفك شفرتها، وتحولها إلى أفكار تبني عليها قواعد ويقيناً وقِيَماً تؤثر في السلوك الإنساني. وينتقل ذلك الأثر إلى وعي الإنسان في صورة أفكار وتوجهات فكرية وسلوكية، قد تغير قناعات الفرد بنسب مختلفة، لكنها في النهاية قد تؤدي إلى تغير في الذاكرة الفردية والجمعية للمجتمع، وتخلق تياراً مختلفاً من القيم والأفكار، يخالف السائد سلباً أو إيجاباً. من هذا المنطلق، تعتبر الدراما التلفزيونية مؤثراً كبيراً في منظومة القيم والأخلاق داخل المجتمع، فكل مسلسل يحمل هدفاً ورسالة؛ فالدراما تؤثر في العقل الجمعي لدى المشاهد؛ فهي قوة ناعمة نافذة إلى العقل الإنساني. قبل سنوات عدة، كانت الدراما السائدة هي الدراما العربية، سواء كانت خليجية أو مصرية أو سورية، أو غيرها، فكانت الثقافة التي تدور خلالها تلك الأعمال تنبع من ثقافتنا العربية، فتتشابه في المبادئ والقيم الأخلاقية، لكن في السنوات الأخيرة، ومع انتشار المنصات التلفزيونية، أصبحت الدراما مختلفة المنابع، ومتاحة من كل أنحاء العالم، بل تمتلك عناصر جذب أكثر من الدراما العربية؛ فأصبح الفرد تحت تأثير ثقافات مختلفة قد تتباين مع ثقافتنا الإماراتية خاصة، والعربية عامة، وأصبحت الدراما العالمية على هذه المنصات تجذب المشاهدين، وفي الوقت نفسه تحاول الدراما العربية أن تجاري الأعمال الأخرى؛ فمالت ناحية عناصر الجذب المبهرة على حساب المضمون الاجتماعي البناء والمؤثر في سلم القيم للمجتمع. هنا، يجب أن ننتبه إلى تكوين الوعي عند الأطفال، حين مشاهدتهم هذه الدراما التلفزيونية المبهرة. من البديهي أن يمتلك الفن مساحة من الحرية، لكن هناك ما يجب أن ننتبه إليه جيداً، وهو مفهوم الحرية المسؤولة. فالحرية ليست قانوناً مطلقاً يمكن أن نتكئ عليه في بناء مجتمع متماسك ومتوازن. الحرية في مفهومها المطلق قد تخلق نوعاً من الصراعات الإنسانية المؤثرة بشكل مباشر، أو غير مباشر، في منظومة القيم داخل المجتمع، وهذا ينعكس بصورة مباشرة وقوية على تماسك المجتمع.  إن لكل مجتمع ثقافته، التي تكونت وتشكلت من تراكم الخبرات القيمية والأخلاقية في الذاكرة المجتمعية للمجتمع، والتي تُكوِّن في النهاية منظومة القيم والأخلاق داخل المجتمع، وبالتالي لابد أن يكون للدراما التلفزيونية دور في الحفاظ على تلك المنظومة، وتقويتها؛ فقد أصبح لهذا الدور - مع انتشار المنصات - تأثير مباشر وكبير في مستقبل المجتمع، ولابد أن ننتبه إلى ذلك جيداً، من خلال طرح فكرة الحرية المسؤولة عند التصدي للأعمال الفنية التي توجه رسالتها بصورة مباشرة وقوية إلى منطقة اللاوعي عند الإنسان، وقبل ذلك لابد من تكوين بناء صلب من الاعتزاز بالهوية الوطنية، ومنظومة القيم الأخلاقية. 

صناع الدراما العربية لابد أن تتطور أدواتهم الإبداعية، بداية من النص الذي هو العمود الفقري للدراما، مروراً بالإخراج، وصولاً إلى التمثيل؛ لتضع الأعمال في إطار من الإبهار البصري والفكري والاجتماعي ينافس الأعمال القادمة إلينا من ثقافات مغايرة لنا.