في لحظة تفكير وتأمل لبعض المفاهيم، التي تمر على العقل في لحظة عابرة، سرعان ما أجدني أعود إليها، وأتوقف؛ محاولة فكَّ تفاصيلها، واستيعابها، والغوص في معانيها، وجدتني أتأمل مفهوم ذكاء القلب.
يشير ذكاء القلب إلى قدرة الإنسان على معرفة مشاعر الآخرين، وفهمها، والتبادل الشعوري معها، وهو مفهوم يجذب اهتمام العديد من الناس، الذين يتطلعون إلى حياة حقيقية، مندمجة في صخب الآخرين مع احترام السكينة في عزلة الذات. لا يمكن للإنسان استيعاب وفهم مشاعر الآخرين، قبل أن يكون قادراً على فهم واستيعاب مشاعر الذات، وبناء النمط السلوكي بناء على هذا الفهم والوعي بالذات والآخر. هنا، أجد صدى كلمات لجلال الدين الرومي يتردد في فضائي الذاتي، حينما قال: «حين تعثر على الجمال في قلبك؛ ستعثر عليه في كل قلب».
يبقى القلبُ دليلَنا في رحلة الروح عبر دروب الحياة المختلفة، وحينما يتمتع قلبنا بالذكاء الكافي؛ يصبح قادراً على عكس ذلك على الروح والعقل والوعي، لكن تبقى العلاقة بين القلب والعقل علاقة صراع أو تكامل؛ اعتماداً على قدرة الوعي على تنظيم تلك العلاقة، وبناء روابطها التبادلية. تحضرني، هنا، كلمات قالها الشاعر والكاتب الأميركي مارك توين: «اتبع قلبك، لكن خذ عقلك معك». فلا حياة من دون هذا التناعم، بين ذكاء العقل، وذكاء القلب.
ذكاء العقل يتعامل مع الحقائق، والمنطق، والحسابات التراتبية المعقدة للعقل. ويبني العقل ذكاءه على الفطرة، لكنه يعتمد - بنسبة أكبر بكثير - على رصيد المعرفة، والبنية الثقافية والفكرية للإنسان. أما ذكاء القلب، فهو ذكاء حدسي، يتعامل مع المشاعر بكل ما تحمله من غموض وضبابية وغرائبية في بعض الأحيان.
يبقى السؤال: هل يمكن أن نتعلم ذكاء القلب، أم أنه فطري؟
كل شيء قابل للتعلم بصورة ما؛ لذلك ذكاء القلب يمكن تعلمه وتنميته بالعديد من الطرق الفعالة، لكن أهم الطرق هي الاستماع للآخرين بصورة فعالة، ونقل هذا الاستماع إلى مرحلة الشعور بما يمرون به من اضطرابات وتوترات شعورية، وملامسة تلك المشاعر بمعايشتها، من دون أن تفصل عقلك ووعيك عن تلك العملية الشعورية العميقة.
في بحث أجراه معهد «heart Math Institute»، حول ذكاء القلب، أشار إلى أن «الذكاء والحدس يزدادان عندما نتعلم الاستماع بعمق إلى قلوبنا. ومن خلال تعلم كيفية فك رموز الرسائل التي نتلقاها من القلب، نكتسب الإدراك القوي، اللازم لإدارة عواطفنا بشكل فعال وسط قسوة تحديات الحياة. وكلما تعلمنا الاستماع إلى قلبنا ومتابعته، أصبحت عواطفنا أكثر توازناً وتماسكاً».
أنا، والآخر، نُكون الحياة معاً، وبناء علاقة بيننا ـ عبر ذكاء القلب ـ جذورها ذلك التعاطي الشعوري بيننا، وفروعها وأوراقها الوعي والذكاء العقلي، ستثمر شجرة الإنسانية قيماً أخلاقية واعية، تبني الحياة التي نتمناها جميعاً.