..وعاد اللون الوردي يسطع مجدداً. ها هو شهر أكتوبر يعود معلناً أن بينه وبين بنات حواء إلفة ونضجاً ووعياً وثقافة وعمقاً وعدم مساومة على الحياة. انسين في هذا الشهر كل شيء، وتذكرن أنكنّ غاليات ثمينات، أمهات وزوجات وحبيبات. تذكرن أن تقفن أمام المرآة بفخر، وتجرين فحص الثدي الأولي لمساً، على أن تخضعن، مجدداً، لصورة الماموغراف السنوية، لتتأكدن أنه بين أكتوبر وأكتوبر ستستمرّ الحياة.
إنه سرطان الثدي، الذي حينما يظهر؛ يهجرُ الفرح كلَّ أفراد البيت. لكن، ماذا لو تلون بالزهري الفاتح الجميل؟.. ماذا لو اقترب منا كثيراً، وجلس بيننا وصار واحداً منا؟.. هل سنظل نعيش هذا الخوف العارم، أم سنتآلف معه؛ فيصبح لطيفاً؟.. الانتصار غير مستحيل، والمواجهة ليست صعبة، والتحدي جميل. فلتكن أيامكن كلها بإشراقة الزهري.
الثقافة الشخصية قد تنفع جداً في التوعية والمواجهة. لكن، ما لا يختلف اثنان حوله، هو أن تشخيص الإصابة لايزال يُسبب صدمة نفسية هائلة للمصابات، حتى لو كنّ يعلمن أن إمكانية الشفاء كبيرة؛ إذا اكتشفن ما بهن في المراحل المبكرة، حينما يكون حجم الأورام دون السنتيمتر الواحد.
هناك خبر جميل: 3.1% هي نسبة تراجع اكتشاف الإصابة في المراحل المتقدمة من سرطان الثدي بدولة الإمارات.
4 مراحل
يقول أخصائي أمراض الدم والأورام الدكتور جورج شاهين: «إن سرطان الثدي ينشأ في الغدد المنتجة للحليب، أو في الأنابيب اللبنية بالثدي، التي توصل الحليب إلى الحلمة، وهو يمر بأربع مراحل: في الأولى يقتصر الورم السرطاني على ثدي المرأة فقط، لكنه في المرحلة الثانية يتمدد إلى مناطق قريبة، مثل الغدد الليمفاوية تحت الإبط، على أن ينتشر في المرحلة الثالثة إلى الأنسجة الباطنية لجدار الصدر، وصولاً إلى المرحلة الرابعة (المتقدمة)، التي يتمدد فيها إلى مناطق مختلفة من جسم المرأة». لهذا نتحدث في كل أكتوبر عن أهمية الاكتشاف المبكر، من أجل التقاط المرض في مراحله الأولى؛ حيث تكون نسبة الشفاء عالية جداً.
هناك ما يُشبه (ألف باء) توصيات الكشف المبكر، وفيها: الفحص الذاتي للثدي كل ثلاثة أشهر، ابتداء من سن العشرين. الفحص السريري للثدي من خلال الطبيب كل ثلاث سنوات، بين العشرين والأربعين. إجراء فحص سريري للثدي، وصورة إشعاعية سنوياً، اعتباراً من سن الأربعين حتى لو كانت المرأة تتمتع بصحة جيدة. ويُنصح ببدء إجراء الصورة الإشعاعية عشر سنوات قبل عمر أصغر ضحية في الأسرة، في حال وجود سوابق إصابة بسرطان الثدي داخل العائلة.
يبدو أن الوزن الزائد، خاصة في القسم الأعلى من الجسم، قد يُشكل عاملاً إضافياً، ومثله الطمث المبكر، أو انقطاع الطمث في سن متأخرة، وتعرض المرأة لمعدلات مرتفعة من الهرمونات لفترات طويلة بسبب طول فترة الحيض، وعدم الإنجاب أو تأخر أول حمل وعدم الإرضاع، وتناول حبوب منع الحمل، كما أن الإسراف في التدخين يزيد خطر الإصابة، ومثله تناول الأطعمة الغنية بالدهون، وقلة التمارين الرياضية.
صحيح المرض خبيث، لكن أعراضه - مهما حاول الاستمرار في العبث - لا بد أن تعود وتظهر، بحسب الدكتور جورج شاهين، في المراحل المتقدمة: «فمع زيادة حجم الورم، قد تبدأ المرأة بملاحظة كتلة صلبة في الثدي أو تحت الإبط، تكون عادة غير مؤلمة، تظهر من جهة واحدة فقط. وقد تلاحظ أيضاً تغيراً في حجم الثدي أو شكله، وفي البشرة، مثل: ظهور بعض التقشر، أو الاحمرار، أو تغير في الحلمة، على غرار وجود إفرازات غير مألوفة، أو طفح جلدي حول منطقة الحلمة».
سوء ظن
العلاجات متنوعة، والاختيار بينها يتم استناداً إلى نوع الورم وانتشاره وحجمه؛ فـ«هناك مثلاً العلاج الكيميائي، الذي يُجرى عادة قبل الجراحة، ويُصار من خلاله إلى تقليص حجم الورم قبل استئصاله جراحياً. وهناك الجراحة، التي تحدد نوعها مرحلة المرض، ونوع الورم، وعمر المريضة، وحالتها الصحية العامة. ويُترك، عادة، للطبيب الجراح في هذه الحالات استئصال الورم فقط، أو جزء من الثدي مع الغدد الليمفاوية، أو استئصال الثدي كاملاً. وتترافق الجراحة، غالباً، مع علاجات مساعدة، بينها: العلاج الإشعاعي، أو الهرموني، أو الكيميائي».
ليس كل ورم في الثدي خبيثاً؛ فالثدي قد يتحجر، وقد يتليف، وقد تظهر فيه اللحمية وأكياس الحليب أو الماء، وأكياس الدهون. لكن، هذا ليس معناه، أيضاً، أن كلَّ ورمٍ حميدٌ. في القانون يُقال: «كل متهم بريء؛ حتى تثبت إدانته»، أما مع «الخبيث»، فيفترض الظن بكل ورم أنه خبيث إلى أن يتبين العكس؛ لأن مشكلة «الخبيث» الأولى هو التعامل معه بحسن نية، وعدم ظن السوء به.
يبقى أن نعرف: إذا ساد الوعي تجاه سرطان الثدي، واعتمدت نساء الأرض الكشف المبكر، فإن نسب الشفاء ترتفع، وتبقى للحياة ألوانها.. ها هو أكتوبر يحلّ، فارتدين الزهري، وانظرن صوب العصافير.. إذ الحياة تستمرّ جميلة.