في أحد صبــــــاحات العمل المبكــــــرة، وأنا في مكتبي متشوقة إلى العمل، تحت إشراف أستاذي القدير إبراهيم العابد (أبو باسم)، رحمه الله.. رن هاتفي، وقد طلب مني الحضور إلى مكتبه. أغلق الخط كعادته، وأسرعت إليه؛ فرحب بي، وطلب منــــي الجلوس؛ لكي يطلعنــــي على المهمة التي عليَّ القيام بها، فجلست وكلي إصغاء لتوجيهاته، وكامل تركيزي معه. نظر إليَّ متسائلاً: «ولي ما تجي لعندي من غير ورقة وقلم»؛ فأجبته: «لا عليك لن أنسى تعليماتك..»؛ فرد عليَّ بهذا المثل: «الحبر الباهت أفضل من أقوى ذاكرة».. وعرفت، لاحقاً، أنه مثل صيني، وكان هذا درساً من دروس الحياة، في لحظة استوعبت فيها أهمية التدوين والتوثيق في حياتي، ومنذ ذلك اليوم وأنا أتشبث بقلمي ودفتري أينما ذهبت..
وبعد فترة، وأنا في إحدى المكتبات، لفت نظري كتاب بعنوان «أكتبه ليتحقق»، للكاتبة هنريت آن كلوسر، فقررت قراءة الكتاب في عطلة نهاية الأسبوع، وبالفعل كان كتاباً كاملاً، اختصره لي «أبو باسم» في سطر، وتعلمت أن كل ما أكتبه سأنجزه، وإذا لم أدونه؛ فلن أستطيع أن أحققه. حتى صارت لي عادة؛ حينما أكون في قمة انشغالي، هي أن أرسم نجمة صغيرة على يدي؛ لتذكرني بإنجاز عملٍ ما..
رحل «بوباسم» الباسم دائماً، وتمنيت أن أرافقه كظله؛ لأتعلم وأنهل من معرفته وخبرته، فقد كان شخصية ديناميكية عملية متواضعة، تعلمت منه السرعة في الإنجاز والمتابعة، فهو شخصية لن يكررها الزمن.. كم أفتقد اتصاله، ومشورته، ومزاحه.. رحم الله من كان لي والداً حنوناً ومرشداً ومعلماً ملهماً..