يعد تاريخ 12 سبتمبر حدثاً فريداً لجمهور الأغنية العربية عموماً، وجمهور المطرب كاظم الساهر خصوصاً، ففي مثل هذا اليوم قبل 65 عاماً، ولد الطفل كاظم، الذي أصبح في ما بعد أحد أبرز نجوم الغناء في العالم العربي، متخذاً مكانة فريدة في ذاكرة الأغنية، بعد أن قرر - في منتصف تسعينيات القرن الماضي - أن يراهن على موسيقاه وصوته، فصنع حالة فنية غنائية ثقافية فريدة في العالم العربي بغناء القصائد الفصحى، متكئاً على عشرات القصائد الذي تركها بحوزته، شاعره الأثير السوري الراحل نزار قباني (1923 - 1998).
ملك الغناء الفصيح:
كاظم، أو «القيصر»، أو «سفير الأغنية العراقية»، وغيرهما من الألقاب الكثيرة التي استمد شرعيتها من جمهوره الكبير، الذي يملأ الدنيا، بدأ بالتغلغل فنياً من خلال تقديمه الأغاني الشعبية العراقية، منذ انطلاقته منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وبعد أن أصبح جماهيرياً في كل مكان ذهب إليه، على امتداد العالم، نظراً للقيمة الفنية التي يقدمها كمؤلف وملحن موسيقي، عدا كونه مطرباً قديراً، بدأ بفرض ذوقه الموسيقي الخاص، وهو غناء القصائد الفصحى. فجرب عام 1994، تقديم قصيدة «اختاري» من أشعار نزار قباني، فكان لنجاحها الكبير مفعول السحر على جمهوره العريض، فزاد جرعة القصائد عام 1996 في ألبوم «في مدرسة الحب»، حيث قدم قصيدتَيْ: «علمني حبك»، و«زيديني عشقاً»، اللتين رفعتا أسهمه الفنية عالياً، قبل أن تأتي قصيدة «ليلى» من أشعار حسن المرواني، في بدايات عام 1998، (في ألبوم حمل عنوان "القصيدة"، وضم كذلك قصيدة قباني «أشهد أن امرأة»)، لتتوجه ملكاً على عرش الغناء الفصيح.
في العام التالي 1999، أحدث الساهر انقلاباً كبيراً بالجنوح نحو الغناء الفصيح، متكئاً على تعطش الجمهور لهذا النوع من الغناء.
وقبل هذا التاريخ، كان الساهر يتساوى مع مطربين سبقوه أو من أبناء جيله، مثل: «أم كلثوم، عبدالحليم، نجاة، ماجدة الرومي، محمد عبدالوهاب، أسمهان، وأصالة»، من ناحية عدد القصائد الفصيحة المغناة، إذ لم يكن الساهر الذي بدأ يصرح عن مشروعه الكبير بتحويل القصيدة الفصيحة إلى أغنية، قد قدم أكثر من خمسة أعمال، وبدأ بالإشارة إلى أن قصائده التي قدمها كأغنيات، كان قد أنجزها موسيقياً، في بداياته الفنية ولم يطلقها كعصافير ملونة تحمل رسائل حب شجية، إلا بعد أن تأكد من جاهزية الجمهور لهذا النوع من الأعمال.
كاظم الساهر والراحل نزار قباني
كاظم وثنائية نزار:
كنوع من الوفاء للشاعر قباني الذي غزا بقصائده وكلماته ومفرداته قلوب النساء، وشغل عقولهن لسنوات طويلة، ففي ذكرى رحيله الأولى كثف الساهر جرعته من القصائد الفصيحة، فحول سبعاً منها إلى أغنيات، تضمنها ألبوم «حبيبتي والمطر»، فخلد الساهر ذكرى رفيق مشروعه الفصيح من جهة، وأباح للجمهور الاطلاع على عبقرية فنية زاوج بها بين الكلمة الموسيقية واللحن الشجي، ليكون صوته بمثابة حبة الكرز على «تورتة» من الأغنيات.
ويحسب للساهر، الذي بقي منذ ذلك التاريخ موغلاً في بحر القصيدة المغناة، أنه ظل وفياً لمشروعه الفني، حتى باتت قصائده التي يقدمها بمثابة جدار كبير، يقف أمام سيل انحدار الأغنية التي تنكهت أولاً بأنواع الفاكهة، قبل أن تتضمن اليوم مفردات وإيحاءات تعبث بالغرائز.
المعضلة التي يأخذها بعض النقاد الموسيقيين على الساهر، هي أنه استمر في النبش بقصائد نزار قباني، وغنى إلى جانب القصائد الثرية لغوياً وشاعرية، ما لا يُغنى أيضاً، ونرد عليها بالقول: يكفي أن الساهر أزال حاجز الصعوبة بين وصول القصيدة الفصيحة إلى ألسنة أجيال جديدة، ابتعدت عن القراءة والتذوق اللغوي، فصار عادياً أن نرى أطفالاً دون الثامنة من العمر يرددون كلمات أغانيه الفصيحة.. ألا يكفيه ذلك؟