في الوقت، الذي كان فيه الآباء يكافحون إدمان أبنائهم استخدام الأجهزة الإلكترونية، ويضعون برامج توفق بين حياتهم العملية والعائلية والاجتماعية والدراسية، والسماح لهم باستخدام الأجهزة اللوحية، للحفاظ على صحتهم، ضربت كل هذه الخطط في مقتل، بسبب تفشي جائحة "كورونا"، بداية عام 2020، والتي استمرت تداعيتها لعامين كاملين، ما دفع الأنظمة التربوية في العالم للاستعانة بنظام التعليم عن بُعْد، الذي جعل مسألة بقاء الأطفال متسمرين أمام أجهزتهم اللوحية لأكثر من 10 ساعات يومياً لحضور الحصص المدرسية، وما يليها من تحضير ودراسة وحل الواجبات، أمراً مفروغاً منه، ولا يمكن تجاهله.
الأمر، أيضاً، زاد تعقيداً في ظل الحجر المنزلي الإجباري، الذي عاناه الناس جميعاً، بهدف عدم الإصابة بفيروس كورونا ومتحوراته، ما دفع الناس - بمختلف أعمارهم - للتعلق بالأجهزة اللوحية والألعاب الإلكترونية، بهدف قتل الفراغ الكبير الذي يعانونه.
وفي الوقت الذي بدأ فيه العالم العودة إلى الحياة الطبيعة، منذ أكثر من عام ونصف تقريباً، باتت فكرة انفصال الأطفال عن أجهزتهم اللوحية صعبة، وتكاد تكون مستحيلة، فضلاً عن ظهور تقنيات رقمية جديدة، تتعلق بأنظمة الذكاء الاصطناعي غزت العقول، وصارت متاحة لكل الأجيال، ما يدفع الكثير من الناس إلى قضاء أوقات أطول أمام أجهزتهم اللوحية، بهدف التعامل معها.
هذا الإدمان الإلكتروني للأجهزة اللوحية والإلكترونية، لن يقف عند الابتعاد عن الأجواء العائلية، وتفضيل تلك الفئة من المدمنين قضاء الوقت بمفردهم أمام أجهزتهم، عدا زيادة نسبة السمنة في ما بينهم، كونهم لا يمارسون أي أنشطة رياضية، يمكن أن نضيف إليه ما صرحت به طبيبة الأعصاب الروسية، ناتاليا غلوتوفا، لموقع صحيفة "إزفيستيا" الروسية، من أن الجلوس المستمر والعمل على أجهزة مختلفة، يؤدي إلى تشكل وضعية معينة محفوفة بعدد من العواقب الصحية الخطيرة، حيث يساهم الجلوس الطويل في ضعف تدفق الدم إلى الدماغ، ما يجعل الإصابة بأمراض متعددة ومختلفة في منطقة الجهاز الهضمي والرئتين شائعة جداً.
وتقول خبيرة الأعصاب إن بقاء الرقبة بوضعية محددة لساعات طويلة يومياً، يؤدي إلى حدوث تشنجات في الرقبة وأعلى الظهر، ما يؤدي إلى عدم وصول الدم إلى الدماغ بالصورة المطلوبة، وينعكس سلباً على نمو جسم الأطفال والمراهقين، ومنها الإصابة بـ"التحودب".
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل قد يتفاقم إلى إمكانية الإصابة برهاب الأجهزة المحمولة، من خلال إصابة الشخص بالذعر، حال عدم استخدام الأجهزة اللوحية لفترة زمنية طويلة، خاصة عندما يكون خارج المنزل، ما يتسبب في رغبة الشخص بالعودة إلى المنزل، للجلوس لساعات طويلة بمفرده أمام هذه الأجهزة.