بأنامله الساحرة، وعبقريته الفذة، يبدع التشكيلي الإماراتي، ناصر نصر الله، لوحات تروي قصصاً، تنسج ألوانُها خيوطاً من الجمال والخيال والحكايا، فتأخذنا في رحلة إلى روح الفن والفلسفة، تتلاقى مع فرشاته في فن عميق، ومن خلال تفاصيله الفنية الدقيقة والمبهرة في أعماله يبني جسوراً بين الثقافات والمشاعر، تحمل رسائل إنسانية، وتخطو خطواتها الجريئة في عالم واسع من التناغم والسلام.. في هذا الحوار، تتبعنا بعضاً من خطاه المؤثرة في المشهد الفني الإماراتي:
• حدثنا عن نشأتك!
- ولدت في أسرة فنية ذات تاريخ غني بالإبداع؛ فجدي وأفراد كثيرون من عائلتي يقدرون الفن، حيث قام جدي بتأسيس أول محل في الشارقة للتحف والأعمال الفنية عام 1963، من خلال تجميع المقتنيات النادرة وعرضها. تربيت في هذه البيئة المليئة بالإلهام وتقدير الفن والفنانين، وتأثرت أعمالي - بشكل كبير - بهذا الجو، وقد كان لديَّ اهتمام دائم بالقصص والحكايات الخيالية، وقمت بتطوير هذا الاهتمام بالقراءة. بالنسبة لي، تجذبني الكتب والقصص التي يمتزج فيها الواقع بالخيال الساحر، وأجد - خلال ذلك - عالماً خاصاً، حيث أستريح وأجد فيه ملجأ يساعدني على التفاؤل والعيش بشغف في الواقع. بالإضافة إلى ذلك، تشدني قصص الناس وحكاياتهم، لأنها تثير اهتمامي وتلهمني.
مصادر الإلهام
• كيف تجد الفكرة طريقها إلى أعمالك؟
- أنا أرسم بطريقة عفوية، وغالباً تنبع المواضيع التي تزين لوحاتي من «اللاوعي»؛ فلا يوجد لديَّ مخطط مسبق لفكرة اللوحة، فقط أبدأ العمل، وبعدها تنبثق الأفكار، وتتشكل اللوحة بطريقة تلقائية. أعمالي تعتمد - في الأغلب - على تجارب شخصية، ومواضيع ذات صلة بالإنسانية؛ إذ إنني أسعى إلى إيجاد لغة فنية عالمية، وأهتم بتقديم المعارض في أجواء من الألفة.
• ما مصادر الإلهام الرئيسية، التي تؤثر في أعمالك؟
- تلعب البيئة المحيطة دوراً كبيراً في إشعال حماس الفنان، وتنمية مواهبه، واكتشاف ذاته. أحرص، دائماً، على أن أكون وسط مجموعة من المبدعين، فنتبادل الأفكار، ويصقل بعضنا بعضاً. بالإضافة إلى ذلك، تؤثر الأماكن تأثيراً إيجابياً في إنتاجي؛ ففي كثير من الأحيان أسافر لكسر الروتين، فأعود بأفكار جديدة. كما زاد عملي، مدير برامج متنوعة في مؤسسة الشارقة للفنون، إلهامي ورؤيتي الفنية؛ فهذه البيئة الإبداعية في مؤسسة الفنون أتاحت لي الفرصة للقاء العديد من الفنانين والكتاب الموهوبين، ما ساهم في تطوير تجربتي الفنية. كذلك، ألهمتني هذه البيئة العملية المبدعة إصدار كتاب «الطبق الطائر»، الذي اشترك في إنجازه 40 فناناً ورساماً، وهو من أدب الخيال العلمي، وكان لهذا أثر كبير في صقل تجربتي بهذا المجال.
• ما الأفكار والمفاهيم، التي تحاول اختبارها أو استكشافها، من خلال أعمالك الفنية الحالية؟
- في أعمالي الفنية الحالية، أسعى جاهداً إلى استكشاف العديد من الأفكار والمفاهيم، التي تتعلق بالتجربة الإنسانية الشاملة. أعتقد أننا، كبشر، نشترك جميعاً في روابط عميقة، تجاوزت الحدود الجغرافية والثقافية، وأعمالي تحاول إظهار هذه الروابط، وتوجيه الانتباه إلى مشتركاتنا الجوهرية، بدلاً من الاختلافات الظاهرة، إذ أرسم وأنحت وأصمم أعمالاً فنية، تجمع بين الرموز والأشكال القابلة للتفاهم بين ثقافات مختلفة، وشعوب متنوعة، كما تجسد أعمالي، أيضاً، فكرة الجمال العابر للثقافات، إذ أحاول إيجاد وسائل للتعبير الجمالي، تكون قادرة على لفت انتباه الجميع، بغض النظر عن أصولهم أو خلفياتهم الثقافية.
• هل لديك رسالة معينة، تود توصيلها من خلال أعمالك الفنية؟
- من خلال أعمالي الفنية، أسعى إلى إحياء الروح القصصية، وتسليط الضوء على قوة الحكاية في جذب الجمهور، والتأثير فيه. أعتقد أن القصص والحكايات وسيلة قوية للتواصل والتأثير. تاريخياً، كان كتاب «ألف ليلة وليلة» مصدر إلهام مهماً للكثير من الناس على مر العصور، وأنا أعتبر الفن وسيلة للتواصل مع الجمهور؛ إذ أسعى إلى إثارة الاهتمام والتأمل والتفكير العميق من خلال العمل الفني الذي أنشئه. كما أرغب في إلهام الناس، وتحفيزهم على البحث عن الجمال والمعنى في حياتهم اليومية، وتشجيعهم على التواصل مع الآخرين، ومشاركة قصصهم وتجاربهم.
روابط معقدة
• ما دور الفلسفة والأعمال المفاهيمية في تجربتك الحالية، وكيف تظهرها؟
- تتميز أعمالي المفاهيمية بالتركيز على علاقة الإنسان بالأشياء غير الحية، والبشر بالآلات. وتسعى فلسفتي إلى إظهار التواصل القوي بين هذه العناصر، وكيف يمكن أن يؤدي هذا التواصل إلى تأثير إنساني، يمكن للآخرين استكماله. من خلال أعمالي المفاهيمية، أحاول استكشاف الروابط المعقدة بين الإنسان والجماد، والبشر والآلات؛ إذ أقدم لوحات فنية، وتجسيدات تعبر عن هذه العلاقات، وتشجع المشاهدين على التأمل والتفكير فيها. آمل أن تساهم أعمالي المفاهيمية في تشكيل وجهات نظر جديدة، وتعميق الفهم لدى الناس بشأن هذه العلاقات المعقدة.
• ما التحديات التي قد تواجهك لتحويل أفكارك إلى حقيقة، من خلال النحت؟
- البحث المستمر عن المواد والطرق والأدوات، التي تتناسب مع أفكاري، وتمكّنني من تجسيدها بشكل حقيقي. وأكبر تحدياتي - في كثير من الأحيان - أن تكون أفكاري صعبة التنفيذ، وتتطلب مواد ووسائل خاصة لتحقيقها بشكل ملائم وجميل، فمن المهم أن أتأكد من أنها تلبي احتياجات فكرتي، وأنها قادرة على تحمل عملية النحت والتشكيل، وقد يستدعي الأمر، أيضاً، البحث عن مواد غير تقليدية؛ لتحقيق تأثيرات محددة، أو لإضفاء طابع فريد على العمل الفني.
• كيف يؤثر التفاعل مع الأشخاص، والأماكن، في إنتاجك الفني؟
- للبيئة المحيطة دور كبير في إشعال حماس الفنان وشغفه، فيجب عليه أن يحرص على وجود أشخاص من حوله، يساعدونه على اكتشاف ذاته ومواهبه؛ لذا أحرص على أن أكون وسط مجموعة من المبدعين، حيث تتلاقح الأفكار، وتشعل بداخلي وقود الأفكار الملائمة. والأماكن تلعب، أيضاً، دوراً كبيراً بتأثيرها في إنتاج المبدع؛ لذلك - في كثير من الأوقات - أسافر لكسر الروتين، وتغيير الفضاء المحيط، فأعود بأفكار جديدة.
• ما نصائحك للفنانين الناشئين؟
- كونوا دائماً محاطين بالنقد البنَّاء؛ فهو ضروري لتطوير مهاراتكم الفنية، واستمعوا إلى آراء نقاد فنيين محترفين، أو أصدقاء وزملاء يتمتعون بفهم عميق للفنون، واستفيدوا من ملاحظاتهم لتحسين أعمالكم. كما أن الدعم الاجتماعي والتشجيع - من قِبَل أشخاص يفهمون قيمة الفن ورؤيتكم الإبداعية - أمران مهمان جداً. وكذلك لابد من الخروج من منطقة الراحة، لتجربة واستكشاف مفاهيم وطرق جديدة، وهو أمر يساعدكم على اكتشاف طاقتكم الإبداعية الكامنة.