تحظى دولة الإمارات بسجل حافل في مجال الاستدامة، من خلال مبادرات ومشاريع رائدة، تعكس القيم الراسخة للحفاظ على البيئة والتقاليد المجتمعية، وغيرها من القيم التراثية الأصيلة.
وتنفذ الحكومة الإماراتية العديد من السياسات والممارسات، لتعزيز التنمية المستدامة على المستويين المحلي والعالمي، وفقاً لموقع "Sustainableuae"، الذي يُعنى باستراتيجية دولة الإمارات لدعم الاستدامة، والذي يوضح الآليات التي تتبعها الدولة وإنجازاتها في مجال الاستدامة، تحت شعار: "الموارد نعمة.. والاستدامة ثقافة".
وبعد مسيرة من التقدم والتنمية على مدى عقود، تتخذ الدولة من العمل الجماعي نهجاً نحو تحقيق مستقبل مستدام، من خلال العديد من المبادرات والإنجازات في العديد من المجالات والقطاعات، تشمل دعم مبادرات تحقيق الحياد المناخي، وتعزيز جهود الحفاظ على الحياة البرية والبحرية.
ومن أبرز الأماكن، التي تعكس اهتمام دولة الإمارات بالاستدامة "مركز الشيخ زايد لعلوم الصحراء"، الذي يقع في حديقة العين للحيوانات، وهو عبارة عن تحفة معمارية صديقة للبيئة، ويعكس تصميمه المستدام البيئة الصحراوية المحلية، حيث استخدمت في بنائه مواد معاد تدويرها بنسبة 80%، إضافة إلى ألواح شمسية توفر أكثر من نصف ما يحتاجه المبنى من الطاقة الكهربائية.
ويعد المركز صرحاً تعليمياً مهماً، يجمع بين المعرفة والتعليم، من خلال معارضه التفاعلية، والوسائط المتعددة، والمواد البصرية التي أنتجت خصيصاً لهذا المركز، بالاستعانة بخبراء ومتخصصين عالميين في هذا المجال، وتعد الكوادر الوطنية المدربة، التي تم تأهيلها على مدى السنوات الماضية، لتقدم تجربة فريدة للزوار من أهم مكونات هذه التجربة، لتكتمل بذلك كافة العناصر لدى الزائر، لتمثل فعلاً صورة حقيقية لطبيعة دولة الإمارات ، من خلال المرشدين الثقافيين في المركز.
ويتميز الجدار الخارجي للمسرح الرئيسي، الذي استلهمت ألوانه من اللؤلؤ، الذي يعتبر ثروة مهمة في الماضي، وأساساً في الاقتصاد القومي لإمارة أبوظبي، خلال فترة الثلاثينات، وأيضاً رمزاً لعطاء البيئة الدائم، والألوان التي استخدمت في تشييده، هي: الرمادي والأبيض والصدفي، حيث تعرض فناً معمارياً زخرفياً، عُرف في الألف الثالث قبل الميلاد، في حضارة ما بين النهرين في معبد أور، حيث يوجد أقدم أنواع هذا الفن، الذي يسمى "الفسيفساء"، وتستخدم قطع صغيرة من الزجاج أو الأحجار الملونة أو الأصداف، لتشكل لوحة حضارية متكاملة، تعكس فترة زمنية محددة، لتمثل لوحة دينية، أو منظراً طبيعياً، أو نقوشاً، أو أشكالاً هندسية.
وتعتبر الواحات جزءاً من بيئة دولة الإمارات، وتميزها أشجار النخيل الكثيرة، التي تقف بشموخ في أصعب الظروف، وكانت ولاتزال مصدر حياة ودليلاً على البقاء. إذ تم تمثيلها بطريقة فنية واحترافية غير مباشرة على جدران المركز المتعرجة، التي تمتد من المستوى الأول حتى المستوى الثالث، ويكمن الاستلهام في أن يكون شكل الجدار مشابهاً لجذع النخلة (ما يسمى محلياً كرب النخلة)، ويمتد سعفها والجزء العلوي على سقف المركز الداخلي، الذي يحتوي نوعاً من الإضاءة، يمتد عمره الافتراضي إلى 7 أعوام.
كما يحتوي المركز على تصميم البئر الأم، التي كانت أحد الأجزاء المهمة في نظام الأفلاج، التي كانت تمد مدينة العين بالمياه، وتسمى شريان الحياة. ويقع عمق هذا التصميم من المستوى الثالث تحت الأرض إلى المستوى الأول والكساء الداخلي له أيضاً، وتم استخدام "الفسيفساء" بدرجات اللون الأزرق التي استلهمت من ألوان بحر أبوظبي، وأيضاً تحتوي جدران البئر على نوافد مفتوحة بأحجام كبيرة، تم استلهامها من المشربيات، وهي فن معماري قديم، بدأ من القرن الثالث عشر حتى القرن العشرين، وكان يستخدم في عدة دول عربية، تمتد من العراق إلى شبه الجزيرة العربية، وتعمل المشربيات على تلطيف الجو الداخلي في المباني، وتقليل الحرارة.
ويتميز المركز، أيضاً، بتصميم شجرة الغاف الفضية، حيث تعتبر الغاف الشجرة الوطنية لدولة الإمارات، ويوجد في المركز مجسم فني لها، يقع بين قاعة تكريم الشيخ زايد، ومعرض عالم أبوظبي الحي، فتبدو مختلفة تماماً للوهلة الأولى، ولربما لن يدرك الناظر إليها أنها تمثل شجرة الغاف، حيث كانت هذه رسالة الفنانة والمصممة العالمية تالي فيشر، التي تجمع من خلال أعمالها الفنية بين الحقائق العلمية والطبيعة، لتشكل أجمل أنواع الفنون، واستغرق العمل الفني أكثر من ثلاث سنوات.
ويعتبر هذا التصميم تكريماً للجهود الاستثنائية للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في مجال المحافظة على البيئة، ويحمل هذا التصميم رمزاً خاصاً، حيث يعتبر الشيخ زايد بطل شجرة الغاف، الذي منع قطعها لأي سبب كان، لذلك تمت مراعاة أن يتم تقديمها على مستوى عالٍ من الجودة في التصميم والتصنيع، فتمت صناعتها من الألمنيوم، والفولاذ المقاوم للصدأ، والأنابيب، وسلاسل الخرز غير القابلة للصدأ.